الامام الكاظم (ع) مدرسة متكاملة في دنيا العلم والمعرفة
كانت تلك الفترة التي عاشها الامام الكاظم (عليه السلام) من اخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الالحاد والزندقة، ونشأ الغلو، وكثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء وافكار اعتقادية شتى، وتعددت مذاهب الفقه، ودخلت علوم عديدة في استنباط الاحكام واستخراجها، كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة. كما وادخل القياس والاستحسان والعمل بالرأي.
وحابى بعض الفقهاء والقضاة الحكام باستنباطهم الاحكام وقضاتهم، ورويت الاحاديث المدسوسة والاخبار المزيفة، فكانت الفترة الزمنية فترة خطرة في وجود الاسلام العقائدي والتشريعي.
وعلى الرغم من صعوبة الظرف السياسي وحراجته، وتضييق الحكام العباسيين على الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الا انه لم يترك مسؤوليته الشرعية والعلمية لتصحيح المسار الاسلامي الخاطئ، بمل ما يملك من معارف إلهية.
التصدي الى تيار الالحاد والزندقة:
تصدى الامام الكاظم (عليه السلام) لتيارات الالحاد والزندقة، كما هو حال الامامين الصادق والباقر (عليهما السلام) في التصدي لتثبيت اركان التوحيد، وتنقية مدارس العقيدة من الشوائب الفكرية والعقائدية الضارة، وايجاد رؤية عقائدية اصيلة تشع بروح التوحيد، وتثبت في اعماق النفس والعقل، بالاضافة الى ذلك، فانه (عليه السلام) اغنى مدرسة الفقه بحديثه ورواياته وتفسيره.
بعض الحورات العلمية:
اجرى الامام الكاظم (عليه السلام) بعض الحوارات العلمية مع بعض الشخوص من الطرف الاخر الذي يتبنى مدرسة الخلفاء العباسيين.
روي عن ابي حنيفة انه قال: اتيت الصادق لأسأله عن مسائل فقيل لي: انه نائم، فجلست انتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا او سداسيا جميل المنظر ذا هيبة وحسن سمت فسألت عنه فقالوا:هذا موسى بن جعفر فسلمت عليه وقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في افعال العباد ممن هي؟
فجلس ثم تربع وجعل كمه الايمن على الايسر وقال: يا نعمان قد سألت فاسمع واذا سمعت فعه، واذا وعيت فاعمل ان افعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال:
اما من الله على انفراده فما باله سبحانه يعذب عبده على ما لم يفعله مع عدله ورحمته وحكمته، وان كانت من الله والعبد شركة فما بال الشريك القوي يعذب شريكه على ما قد شركه فيه واعانه عليه، قال: استحالة الوجهان يا نعمان ؟
فقال:نعم، فقال له: فلم يبق الا ان يكون من العبد على انفراده، ثم انشأ يقول:
لم تخل افعالنا التي نذم بها ... احدى ثلاث خصال حين نبديها.
اما تفرد بارينا بصنعتها .. فيسقط اللوم عنا حين نأتيها.
او كان يشركنا فيها فيلحقه ... ما كان يلحقنا من لائم فيها.
او لم يكن لإلهي في جنايتها ... ذنب فما الذنب الا الذنب جانيها. اعلام الدين:الديلمي: ص٣١٨.
الظرف السياسي:
لقد زخرت الفترة التي عاشها الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) بالحوادث والواقع الخطيرة.
وكان ابرز ما فيها الثورات والسجون والملاحقات والقتل لآل علي (عليه السلام).
وهذه الفترة من حياة المجتمع الاسلامي تعتبر مظلمة من الناحية السياسية ، حيث انتشر فيها الارهاب ، والقتل على الظن بالتهمة ، واستئثار بني العباس ، ومن والاهم بالحكم والادارة والقضاء ، والاستهانة بكرامات الناس ، حتى صار السجن والضرب والقتل امرا عاديا .
الحكم العباسي وانتشار المجون:
في فترة حكم بني العباس انتشر المجون واللهو والطرب ، وغصت قصور الخلفاء ! والامراء والوزراء والحواشي بالجوار الحسان ، وبأدوات اللهو وبالمغنين والمطربين ، وبالشعراء المتملقين المتعبدين للدرهم والدينار.
واشتغل الحكام باقتناء الجواري والمجوهرات ، ووسائل اللهو ، وبنوا حياتهم على اللذة والترف وبناء القصور ، فانفقوا الاموال وضيعوها ، ولم يلحظوا في ذلك اي قيمة لكيانهم الاسري ، فاصبحوا اداة لقتل الناس ونهب اموالهم ، واغتصاب حقوقهم ، ومصادرة اموال المظلومين ، والمطاردين ، والمحكومين عليهم بالسجن والقتل .
دور الامام الكاظم (عليه السلام) التربوي :
قام الامام (عليه السلام) بدوره ومسؤوليته الالهية ، رغم ظروفه السياسية الصعبة من الحصار والتضييق عليه ، بتربية جيل من العلماء والرواة للحديث ،وساهم مساهمة فعالة في ايقاف الانحراف الذي حملته بعض التيارات الفلسفية والعقائدية والكلامية المتأثرة بالغزو الفكري والعقائدي الخارجي .
فقد روى المؤرخون ان بعض العلماء وبعض اصحبه وتلامذته كان يتصل به سرا في السجن ، ويسأله عن المسائل والقضايا والاحكام وكان يراسلهم ويجيبهم .
كان الامام (عليه السلام) واضحا في كفاحه على جميع المستويات وخاصة الجهاد السياسي ، فجسد هذا الجانب في حياته الشريفة ، الذي كان ثمن ذلك القتل بالسم .
ما قيل في حق الامام موسى بن جعفر(ع):
نذكر على سبيل المثال بعض اقوال العلماء في حقه (عليه السلام) وهم من الذين لا يوالونه ولا يعتقدون بإمامته ، ولكن مع ذلك اثرت هذه الانوار الربانية في نفوسهم فنطقت السنتهم بمدح مثل الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، منها :
قال ابو علي الخلال شيخ الحنابلة :
( ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به ، الا سهل الله عز وجل لي ما احبه ) . تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي : ج١ص١٢٣.
قال علي بن محمد بن احمد المالكي المعروف بابن الصباغ :
( واما مناقبه وكراماته الظاهرة وفضائله وصفاته الباهرة فتشهد له بانه افترع قبة الشرف وعلاها وسما الى اوج المزايا فبلغ علاها ، وذللت له كواهل السيادة وامتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فأصفاها ... ) . الفصول المهمة في معرفة الائمة: ابن الصباغ: ص٩٣٧ .
نعم انه وارث علم الانبياء وسليل الاتقياء الذي ذهب كبقية اجداده الطاهرين ضحية الحقد الاموي والعباسي وحب الدنيا والتكالب عليها فكان قضى شهيدا صابرا محتسبا في سجون الظالمين .
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
السيد زكي الموسوي
نبارك للامة الاسلامية ذكرى مولد المدرسة المتكاملة في دنيا العلم والمعرفة الامام موسى بن جعفر(عليهما السلام)