kayhan.ir

رمز الخبر: 153833
تأريخ النشر : 2022July18 - 20:23

زيارة بايدن والانتصارات الوهمية

 

ايهاب زكي

هل تستطيع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، بما فيها مخرجات قمة جدة، ردع حزب الله عن التمسك بحقوق لبنان النفطية؟ وهل ستدفع إيران للتراجع عن التمسك بحقوقها النووية، فتقدم التنازلات مقابل عودة بايدن للاتفاق النووي؟ وهل تستطيع نزع سلاح غزة أو سحقه؟ وهل بإمكانها دفع أنصار الله في اليمن للاستسلام ورفع الراية البيضاء؟ وهل لديها القدرة على قلب موازين الحرب في أوكرانيا، بحيث تجعل من روسيا طرفاً مهزوماً، ومن أوروبا طرفاً دافئاً مضيئاً؟

الإجابات على كل تلك التساؤلات هي قطعاً بالنفي، وعليه فإنّ هذه الزيارة وقمّتها لا تحتاج للكثير من التحليل حتى نجزم بفشلها، أمّا ما يمكن الحديث عنه فهو شكل الزيارة، التي تبرهن أنّ الولايات المتحدة وصلت إلى أرذل العمر، كما قال سماحة السيد حسن نصر الله، وأنّ العجوز بايدن هو تجسيد حقيقي لحالة أمريكا، حيث أنّ أدواتها في المنطقة استطاعت التلكؤ حد التملص من الانصياع لأوامرها.

فنجد مثلاً أنّه رغم كل ما قدمه بايدن لحكومة الكيان المؤقت من خدمات، وإعفائها من كل ما يمت للحقوق الفلسطينية بصلة، وصولاً لتبرئتها من قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، والالتزام الحديدي بأمن الكيان، لم يستطع الحصول على وعدٍ قطعي بتنفيذ طلبه، بإرسال أنظمة دفاع جوي للجيش الأوكراني.

كذلك لم يستطع رغم مقابضته لابن سلمان ولقائه به، والتغاضي عن التزاماته السابقة بنبذه، الحصول سوى على وعدٍ هلامي بزيادة إنتاج النفط السعودي من 11 مليون برميل يومياً، إلى 13 مليون برميل.

ولكن أشدّ ما يلفت النظر، هي تلك الحفاوة التي استقبل بها الإعلام النفطي ورديفه التطبيلي للنفط، زيارة بايدن وقمة جدة ولقاء ابن سلمان، وهي حفاوة هجينة الشكل والمضمون، تستهجنها كل فطرةٍ سليمة، فضلاً عن نفوسٍ أبية.

في أسوأ تطور للمكيافيلية السياسة، حيث مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، بالإضافة لعدم الفصل بين مصالح الحاكم الشخصية ومصلحة الدولة، ابتكر الفيلسوف اليهودي الأمريكي "مايكل وولزر"، نظرية "الأيدي القذرة"، وفحواها أنّ السياسي يحتاج لاقتراف الشر من أجل خدمة الخير، ولا ضير أن تصبح الأيادي قذرة في السياسة.

ولكن هذا التطور الأسوأ بل الأخس في الأخلاق السياسية، يُعتبر مثالياً قياساً ببراهين إعلام النفط ومطبليه، على انتصار المملكة وولي عهدها، حيث كانت المملكة ضد الاستراتيجية الأمريكية بالانسحاب من المنطقة منذ عهد باراك أوباما، وجاءت زيارة بايدن لتعلن انتصار رؤية المملكة بضرورة التمسك بالوجود الأمريكي، ففي أيّ عقيدة دينية أو قومية أو ثورية أو حتى إنسانية فطرية، يُعتبر التمسك بالاحتلال انتصاراً، أو إقناعه بالبقاء انتصاراً؟

وهنا لا يمكن فقط اعتبار أنّ الأيدي وحدها قذرة، بل يصبح السمع والبصر والفؤاد والدماغ والنخاع قذراً، قذارة سبق أن قاربها الشاعر الراحل مظفر النواب فاحتج عليها حذاؤه، حين قال "مسحتُ حذائيّ بالتقرير البائس.. فاحتج حذائي.. وسَّخهُ التقرير".

هذه الوساخات التي يعتبرونها انتصارات، كيف يمكن إسقاطها على النظرية الأسوأ في الأخلاق السياسية، بضرورة ارتكاب الشر في سبيل خدمة الخير، فما هو الخير المرجو من التشبث بشرٍ بساطير الاحتلال الأمريكي؟ وما هو الخير المرجو من شر تنصيب الكيان قائداً وحكماً في المنطقة؟ ولكن حسب السياق والمواقف النفطية، فإنّ الخير المرجو هو ألّا ينتصر مقاوم في وجه الكيان، وأن يتم تدمير إيران، وأن نقراً القرآن بالعبرية الفصحى، ونصبح يهوداً، وإن تعذّر ذلك نظراً لأنّ اليهودية ليست تبشيرية، فأضعف الإيمان أن نصبح صهاينة، على مبدأ سيدهم الخرف بايدن: "ليس بالضرورة أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً".

أخيراً فإنّ هذه الزيارة لن تغني ولن تسمن من جوعٍ في السياسة أو في موازين القوى، ولن توقف عداد الزمن الذي يلتهم امبراطورية متهالكة، ولكن على سبيل المقاربات الدالّة، فإنّ مطربةً يهوديةً رفضت مصافحة بايدن تديُّناً، ومرّ الأمر مرور الكرام، على قاعدة الحريات، بعكس لو كانت محجبة مسلمة. أمّا عفّة الأطفال في نشيد سلام يا مهدي، فكانت تطرفاً وأدلجةً للطفولة البريئة المنطلقة، وهؤلاء الذين يفتحون عينًا ويغمضونها حسب رغبة أسيادهم، هم من مطبّلي النفط، الذين يعتبرون كل الوساخات كل الانتصارات.