جلطة الأوردة العميقة.. قد تمر بلا أثر لكن هذا ما تفعله بالرئة!
ينقبض القلب بقوة ليدفع الدم في شريان الأورطي الذي يتولى دفعه في كل شرايين الجسم التي تشكل شبكة محكمة الصنع متصلة حتى أطرافها التي تبدأ منها شبكة أخرى من الأوردة يعود فيها الدم إلى القلب مرة أخرى عبر الورديدين الأجوف السفلى والعلوي.
يظل القلب رمانة الميزان في حركة الدم الدائبة بين الشرايين والأوردة وتنبسط عضلة القلب لتستقبل الدم القادم من كل أوردة الجسم لتنقبض مرة أخرى لتدفعه في اتجاه الرئات التي تتولى عملية تنقيته وتزويده بالأكسجين وإعادته مرة أخرى للقلب ليعود ضخه مرة في شريان الأورطي.
دورة كاملة مع كل نبضة قلب إيقاع لا يشوبه خلل طالما احتفظ القلب بقدرته على دفع الدم بقوة كافية في الشرايين وحافظت الأوردة على قدرتها على دفع الدم مرة أخرى في اتجاه القلب. ماذا يحدث إذا فقد القلب بعضا من قدرته على دفع الدم بقوة وتكاسلت الأوردة؟
جلطة الأوردة العميقة أحد ألغاز الصحة المحيرة
قد تحدث في صورة محدودة جلطة صغيرة في أحد الأوردة الصغيرة غير الهامة فتمر بلا أعراض أو أخطار.
لكنها أيضا يمكن أن تحدث لتسد وريدا هاما في الساق أو الفخذ فتتورم الساق وتبدو عليها علامات الالتهاب من الاحمرار والألم خاصة إذا توقفت في منطقة السمانة من الساق.
يتوقف خطر جلطة الوريد عند علاجها وانتهاء أمرها لكن إذا تحركت من مكانها وانطلقت مع تيار الدم المتجه إلى القلب سرعان ما تصل إلى البطين الأيمن الذي يدفعها مع الدم في الشريان الرئوي في اتجاه الرئة وتظل في اندفاعها حتى تنحشر في أحد فروع الشريان الرئوي عندها يشعر الإنسان بألم حاد مصدره الصدر (الرئة) وضيق شديد في التنفس وتزايد في سرعة ضربات القلب.
خلل مفاجئ في إيقاع دورة الحياة قد ينهيها في لحظات.
أسباب جلطة الأوردة العميقة
عاملان جوهريان هما السبب في تلك الجلطة التي تبدو كالسهل الممتنع.
الأول هو ركود حركة الدم في الساقين الذى قد يحدث نتيجة عدم الحركة لفترات طويلة كالسفر في رحلات طويلة بالطائرة أو قضاء فترات طويلة في الفراش لمرض أو كسر اضطر الإنسان لتثبيته بالجبس.
من أهم الأسباب المعروفة الآن الجلوس لفترات طويلة للعمل على مكتب أو أمام شاشة الكمبيوتر.
أما العامل الثاني فيرجع إلى أي سبب ينتقص من قدرة القلب على الانقباض كحالات هبوط القلب الاحتقاني.
هناك أيضا قابلية دم الإنسان لتكوين الجلطات وهي قابلية تختلف من إنسان لآخر تزيد عند المرأة في أثناء فترة حملها أو تناولها لحبوب منع الحمل كما قد يرث الإنسان قابلية الدم للتخثر بأنواعها المختلفة.
تكوين الجلطات أيضا قد يحدث لدى مرضى السرطان وأثناء إجراء العمليات الجراحية أو عند التعرض للحوادث الكارثية كحوادث الطرق والسيارات.
طرق التشخيص
إذا لم تعلن الجلطة عن وجودها في مكانها بصورة واضحة كالألم والاحمرار فإن مهمة الطبيب قد تبدو صعبة للغاية إلا أن هناك عددا من وسائل الفحص الحديثة تتيح تشخيصا دقيقا يتبعه علاج سريع.
ــ صورة بالموجات فوق الصوتية قد تتيح التشخيص لكنها إذا لم تسفر عن معلومات كاملة يمكن متابعة الأبحاث.
ــ فحص الأوردة بالأشعة بعد حقنها بصبغة ملونة.
ــ فحص الأوردة بالرنين المغناطيسي.
وهي اختبارات تفيد أيضا في متابعة حالة المريض والتنبؤ بما يمكن أن يحدث من مضاعفات.
ــ أبحاث الدم: تعطي صورة واضحة عن سرعة تجلط الدم وهل هناك قابلية لتجلط الدم لها علاقة بطبيعة الإنسان نفسه أو نتيجة مرض وراثي.
ــ الفحص الإكلينيكى: متابعة المريض وفحصه بانتظام وتقييم حالته العامة وفحص القلب والرئات والانتقال السريع للعناية المركزة في حالة إذا ما تحركت الجلطة من مكانها كلها عوامل يجب الحرص عليها ووضعها في الحسبان منذ البداية.
هل هناك علامات تنذر بالخطر؟
قد تمر حياة الإنسان فلا يتعرض لخطر جلطات الأوردة العميقة لكن هناك بعض العوامل التي قد يصاحبها ذلك الخطر يجب التنبه لها مثل:
ــ تعرض الأوردة للضرر الذي قد لا يلحظه أحد كأثناء إجراء الجراحات المختلفة في البطن أو الحوض أو عمليات تجبير أو كسور الساق والحوض وأثناء فترات النقاهة الطويلة التي يقضيها الإنسان في الفراش.
ــ تناول الهرمونات مثل التيستوسيرون أو الاستيروجين ومنها حبوب منع الحمل.
ــ الأمراض الوراثية التى تعكس خللا فى العوامل التى تتحكم فى سيولة وتجلط الدم وهى للأسف عوامل لا يتنبه لها الإنسان إلا حينما تسوقه الصدفة في حادث مفاجئ.
ــ أمراض الأمعاء الالتهابية كتقرحات القولون ومرض كرون غالبا ما يصاحبها مشاكل تجلط الدم لذا يجب التنبه لاحتمالات حدوثها أيضا أمراض الرئة وإصابات السرطان.
ــ وجود تاريخ مرض عائلي لحالات جلطات الأوردة العميقة.
ــ السمنة والتدخين والحياة التى تنقصها الحركة كلها عوامل قد تنذر بخطر إصابات الأوردة العميقة بالجلطات.
العلاج:
حجر الزاوية فى علاج جلطة الأوردة العميقة هو حماية الرئة من خطر انتقال الجلطة إليها وبالتالي حماية حياة الإنسان. يلي ذلك محاولة تخفيف حدة الأعراض وأهمها الألم الذي قد يمنعه من الحركة وتحسين الدورة الدموية للعضو المصاب بالجلطة (غالبا الساق).
الراحة في الفراش أمر واجب بعد تشخيص جلطة الوريد.
الاستلقاء مع الاحتفاط بالقدمين في مستوى أعلى من المعتاد وقد يتم ذلك في المستشفى أو المنزل مع العناية الكافية إلى جانب العلاج الذي غالبا ما يكون في صورة أدوية مسيلة للدم تحافظ على قدر محسوب من السيولة في مواجهة القابلية للتخثر باستخدام:
١ــ الهيبارين (Heparin): ويتم حقنه بصورة منتظمة محسوبة في البداية في الوريد لحاجتنا لضبط سيولة الدم بسرعة تضمن مكافحة التخثر ثم تحت الجلد حينما يتم التحكم في نسبة السيولة.
٢ــ يتم استبدال الهيبارين بمضادات التجلط التي يمكن تناولها على شكل أقراص تستمر المداومة عليها لفترة لا تقل عن ستة أشهر يعود الدم فيها إلى طبيعته التي يمكن اختبارها باستمرار بعينات الدم في المعمل.
٣ــ علاج الجلطة جراحيا: فى حالات الإصابة بجلطات تنذر بالخطر يمكن حقنها باستخدام مذيبات الجلطة إذا تم تشخيصها فى بدايتها وقد تستخدم القسرطة للوصول إليها بدقة داخل الوريد لكن نجاحها يتوقف على سرعة التدخل فى وقت مبكر من تكونها لا يتعدى الأسبوعين.
٤ــ يوصى دائما بارتداء الجوارب الضاغطة التي قد لا تريح البعض لكنها تحقق فائدة مرجوة في تقليل حدة الألم وركود السوائل في أنسجة الساق والتي ينتج عنها الورم الذي يعوق الدورة الدموية. كما أنها تحافظ على سلامة الجلد.
ماذا بعد العلاج؟
الواقع أن علاج جلطة الأوردة العميقة قد لا ينهي المشكلة جذريا إنما تظل بعض احتمالات الخطر قائمة لكنها أيضا قد تنتهي إلى حيث لا رجعة. لذا فتقييم حالة المريض بدقة وشرحها له في ضوء تفاصيل كل حالة على حدة أمر واجب وملزم على الطبيب المعالج.
ــ شفاء حالات الجلطة التي ينجم عنها جلطة رئوية قد يخلف بعضا من المشاكل الدائمة مثل ضيق التنفس المزمن أو ارتفاع ضغط الدم في الشريان الرئوي وكفاءة أقل لأداء عضلة القلب مما يستوجب متابعة دائمة طبية.
ــ قد تمر أحداث جلطة الأوردة العميقة بلا أي أعراض أو متاعب.
لكنها أيضا إذا ما أعلنت عن نفسها وتم علاجها دون مضاعفات رئوية تظل تنذر بخطر عودتها. خلال العشر سنوات التالية من الإصابة بالجلطة هناك احتمال تصل نسبته إلى ٣٠٪ ينذر بعودتها.
إذا ما أسفرت الجلطة عن انسداد وريد هام فإنها بلا شك تقود إلى متاعب لاحقة تتباين بين الورم بصفة مستمرة والألم وظهور الدوالي وربما أيضا ظهور تقرحات مؤلمة في الجلد محل الإصابة فيما يسمى بمتلازمة ما بعد الجلطة.
رصد جلطة الأوردة العميقة المبكر واتخاذ بعض الخطوات التي قد تقي منها أمر قد يدرء عنا أخطار لا قبل لنا بها.
الحركة هي أهم أسلحة الإنسان في مواجهة الجلطة إذا سلم من الأمراض التي تمهد لوجودها كعيوب التجلط الوراثية أو الأمراض التي تساهم في حدوثها.
الحركة الدائمة حتى وأنت جالس يمكنك تحريك قدميك وممارسة انقباض عضلاتها وانبساطها مع قدر من الماء كافٍ لرى أنسجة الجسم وسيلة بسيطة لغاية تضمن صحة وسلامة الأوردة. وكما ردد بسطاؤنا فى الحركة بركة.