أميركا وأوروبا وفقدان بوصلة الاتجاه
مما لايختلف فيه اثنان اليوم في العالم من ان اميركا لم تعد تلك القوة العظمى التي تأمر وتنهي فتطاع وتتخذ القرارات وتنفذها من دون رادع كما كانت عليه قبل اكثر من عقدين من الزمن عندما ارتكبت حماقة غزو العراق وافغانستان واضعة كل القرارات والمعاهدات الدولية تحت اقدامها ، ولانريد الخوض في الماضي بل علينا ان نعيش الحاضر والذي عليه اميركا وحلفاؤها اليوم خاصة بعد بروز القدرتين الروسية والصينية بحيث وضعت واشنطن في موقف صعب بحيث لايمكنها بعد اليوم الانفراد بالقرار ولابد ان تضع في حسبانها ردود فعل روسيا والصين ، ولذلك فانها تعيش اليوم في حالة من الحيرة والارباك بحيث وكما علق مراقبون انها قد فقدت بوصلة تحركها وقراراتها ولا تدري الى اين تتجه ولمن تلجأ خاصة وان الازمة الروسية الاوكرانية قد القت بظلالها الثقيلة بسبب المعالجات الخاطئة التي ارتكبتها واشنطن والدول الاوروبية من الاندفاعة القوية الغير محسوبة النتائج بدعم اوكرانيا تسليحيا وماليا ومن دون تفكير لما ستوؤل اليه الاوضاع، وهاهي اليوم تعيش ضائقة مالية حادة بحيث ان التضخم قد بدأ يلتهم اقتصادهم ومعيشة شعوبهم وبصورة لايدرون كيف الخلاص او الانفكاك منه .
وتحاول واشنطن اليوم بالقيام بتحرك دبلوماسي وسياسي وغيره على اوروبا من اجل ايجاد تحالف قوي يستطيع ان يواجه روسيا والصين فيما اذا ذهبت الاوضاع الى المواجهة "لاسمح الله"، رغم ان موسكو وعلى لسان رئيسها بوتين من انها لم ولن تتجه الى الحرب ، وان ماتقوم به اميركا من تحشيد الدول للقيام بعمل تحالفات عسكرية او غيرها بذريعة مواجهة موسكو لم تكن سوى "زوبعة في فنجان" وهاهو اجتماع حلف الناتو الذي انعقد في مدريد بالامس القريب والذي ضم (50) دولة قد خرج وكما يقولون "بخفي حنين" وخالي الوفاض ، وقد اشارت وسائل الاعلام ان رؤوساء الدول والحكومات الغربية قد عادوا الى بلدانهم وفي جعبتهم مزيد من الانفاق الحربي والتجنيد والتصعيد في الوقت التي تواجه فيه اقتصادياتهم ازمات تضخم وركود لم يشهد مثلها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
ومما يدل على افلاس المؤتمر وفشله هو موافقة رؤوساء الدول وحكومات حلف شمال الاطلسي في قمتهم الطارئة على الذهاب الى صياغة جديدة لفلسفة الحلف وتحديدا استراتيجيته ومهامه الاساسية للعقد المقبل اي وبعبارة اوضح يعكس خيبة الامل التي عاشوها وكأنما الحلف لم يكن موجودا وهم الان يفكرون في تعيين استراتيجته الجديدة، وبنفس الوقت فانهم عادوا الى اسطوانتهم المشروخة والتي ملت منها اسماع العالم وهي ان روسيا تظل التهديد الاكثر اهمية لامن الدول الاعضاء والسلام والاستقرار كما وضعت الصين في خانة " التحدي الرئيس لامن الحلقاء ومصالحهم وقيمهم" ، وهل هناك ضعف وانهيار اكبر لاميركا وحلفائها اكثر مما ذكرناه انفا.
والذي اثار الاستهزاء والسخرية من تحرك بايدن الذي يرأس اعظم دولة كما يقولون فانه وبدلا من ان يكون مصدر قوة وقدرة لدول منطقة الشرق الاوسط نجد انه يريد القيام بجولة في هذه الدول من اجل استماداد القوة والقدرة منها وان تكون له نعم العون من خلال الدعوة لتشكيل حلف هزيل يضم 10 دول في المنطقة من ضمنها مشيخات الخليج الفارسي الضعيفة والخائفة ومصر والسودان والاردن والكيان الصهيوني الغاصب اللائي تعيش اوضاعا سياسية واقتصادية غير مستقرة ومرتبكة، اذن فكيف لها ان تقوم بسمساعدة واشنطن والدول الغربية المحالفة معها ضد روسيا، والمعروف في العالم اجمع ان هذه الدول البائسة والضعيفة والتي تعتمد في تسليحها وتدريبها على القوات الاميركية لاتملك جيشا قويا لحمايتها، فكيف ستذهب للانضمام لتشكيل جيش عسكري للدفاع عن المصالح الاميركية والاوروبية وليس على امنها واستقرارها ومصالح شعوبها وهم الاهم لها .
اذا فان بايدن يعيش اليوم حالة من الذهول الحاد وعدم التركيز في كيفية معالجة الازمات التي حشرت فيها الولايات المتحدة خاصة وان التضخم اخذ يترك تأثيره السلبي والسئ في المجتمع الاميركي خاصة بعد مطالبات بعض الولايات الاميركية بالذهاب الى الانفصال والاستقلال مما تعد اكبر ازمة ستواجه بايدن.
واخيرا فان اميركا والدول الغربية التي تسير في ركابها ان يفكروا بجدية في الوصول الى حلول اساسية والتفاهم مع روسيا والصين لانهاء الازمات القائمة، وان يكفوا عن لغة التهديد والوعيد وغيرها والتي لم تجد نفعا ولم توصل الى الحل بل الى المزيد من التعقيد الذي لامبرر له، وخاصة ان العالم اجمع لم تكن لديه الرغبة بالذهاب ببلدانها الى التدمير والانهيار من خلال خلق او ايجاد المنازعات العسكرية التي لاطائل فيها كما اثبتت التجارب الماضية.