kayhan.ir

رمز الخبر: 152565
تأريخ النشر : 2022June22 - 20:04

المقاومة شرطُ وجودِ لبنان

 

 زاهر الخطيب

المقاومة شرطُ حماية انتصار شعب لبنان في العام 2000.

المقاومة شرطُ صونِ سيادته بسمائهِ وأرضِهِ ومياهِهِ والثَّروات ما ظهرَ منها وما بَطَن.

أوَلم يؤكد ذلك أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى انتصار آب 2006؟

أليسَ لِغاياتِها وأهدافِها السياسيّة تُشَنُّ الحروبُ العسكريّة والعدوانيّة،

أَوَليس الحِصارُ والعقوباتُ والاغتيالاتُ والفوضى الخلّاقةُ والثّوراتُ الملوّنةُ والإرهابُ الوحشيُّ وقطعُ الطّرقاتِ والأموالُ، هي البدائلُ الجاهزةُ للحروبِ الاقتصاديّةِ

عند فشلِ الحروبِ العسكريّةِ الظالمةِ من تحقيقِ غاياتِها وأهدافِها السياسيّة؟

تمهيدٌ.. في البُعد الفلسفيّ: المقاومةُ شرطٌ وجوديّ.

إن المقاومةَ شرطٌ وجوديٌّ في حياةِ الإنسان، لأنه فطرةٌ طبيعية وسُنَّةٌ تواكِبُه مع نشأتِه وفي تكوينه،

سواءٌ بمناعته الجسديّة، أم بمناعته النفسيّة، مناعةٌ جسديّة لِدفع أذىً يطالُ الجسد، ونفسيّة لِردعِ ظلم ينالُ من النّفس.. أوَلم تلِدْنا أمهاتُنا أحراراً؟

ألا تتجلّى هذه السِّمات في سِيَرِ الأنبياءِ والشهداءِ والعلماءِ والقادةِ العظماء؟ وعند الشعوب المناضِلة والأقوياءِ في نفوسهم مُذ كان التّمرُّد على الظلم والطغيان ؟.

أَليسَ جدلُ الكونِ والإنسان قائمٌ على الدِّيالكتيّة، أي الثنائيّة في صراع الأضَّداد، كالصّراع الدائر بين الخير والشرّ على صعيد الإنسان والمجتمع، أو كالصّراع الدائرِ بين الحقِّ والباطل، أو بين النّور والظُلمة، أما في الموضوعةِ التي نحن بصددها ففي الصّراع الدائرِ بين الحريّة والعبوديّة.. بين حريّة الإنسان في خِياراته بإعطاء المعنى الذي يريدُ لِوجودِه سيّداً حرّاً مستقلّا عن أيِّ ارتهان أو استلاب أوِ استغلال من أيِّ نوعٍ كان، وعبوديةٍ تكبِّلُهُ بالسلاسل الحديديّة والأغلال إلى الأذقان، أو عبوديّة أشدُّ وأدهى، تتبدّى خبيثًةً بالعبودية الفكريّة والعنصريّة والطائفيّة والمذهبيّة والفئويّة والمناطقيّة والعائليّة والعُصبويّة، وهي أخطرُ أنواعِ العبوديات. وفي حديثٍ شريفٍ عن التعصُّب والعصبيّة: «إنها لجاهليَّةٌ نتِنة».

1- المقاومةُ شرطُ وجودِ لبنان

أربعةَ عشر عاماً مضت على انتصار شعبِنا على العدو الصّهيوني في حرب تموز 2006، استطاعت خلالها المقاومةُ مجابهةَ تحدِّيات الحرب الصُّهيو – أميركيّة العدوانيّة الهمجيّة، وإسقاطَ مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي كانت قد بشّرت به السيدة رايس الحكومة اللبنانية بشخصِ رئيسِها فؤاد السنيورة، ولم يكن قد مضى أكثر من ثلاثةٍ وثلاثين يوماً حتى خاب فألُ أميركا بعد أن ساء ظنُّها بقوةِ أداة التنفيذ الصُّهيونيّة، التي لم توفّر حتى أطفال قانا في ارتكاب مجازرها، فجعلتهم أشلاءَ متناثرة في مركز القُوات الدولية. وقد تمكّنت المقاومة بعد ذلك من تثبيت معادلاتٍ للرّدع، غلّت يد الصّهاينة عن استسهالِ العدوان على لبنان، بفضل القوةِ المتعاظمة لِلمقاومة وموقفها الثَّوريِّ المبدئيّ، وتطوير قدراتها التي قلّصت، إن لم نقل، كفّت إلى حدٍّ بعيد شرَّ الصّهاينة الغادرين بغزو لبنان أوِ استمراءِ تَكرار اعتداءاته. ويعود الفضلُ الأول في ذلك إلى المقاومة في خِيارها بتأكيدِ قوَّتها ورفضِها رفضاً مطلقاً قبولَ الذُلِّ والهوان لأبناء شعبها والوطن، فكانت لِتردعَ بقوَّةٍ، أيَّ عدوانٍ على سيادتنا، ولا سيّما بعد أن طوّرت المقاومةُ قدراتِها الرّدعية، وبذلت من الجهود والجهاد ما يوافرُ المقدرةَ على كبحِ جموح الحِلف الاستعماريِّ الصُّهيونيّ ومنعِه من شنِّ حروبٍ جديدةٍ. فالمقاومةُ الباسلةُ باتت تفرِضُ على العدو الصُّهيوني حسابَ الكِلفة في حال إقدامِهِ على أيّة مغامرةٍ غير محسوبة، وذلك بفعل امتلاكها قوة قاهرة تُخفي المفاجآت، وتسهر لياليها بضناء في مواصلة بناء قوَّتها وتعزيزها تدريباً وعدّةً وعتاداً، بفضل الشراكة المصيريّة مع سوريّة وإيران اللتين تواصلان دعم المقاومة في أقسى الظروف، ولَمْ يَصرِفهُما عن ذلك الالتزامِ المصيريِّ الأخويِّ الأخلاقيِّ، أيُّ عدوانٍ أو حصارٍ أو تهديدٍ أو تآمرٍ مع شياطينِ الداخلِ أو الخارج، وإنّ شرفاءَ لبنان وأحرارَ العالم لَمَدينون لتلك الأرواحِ الغاليةِ والدماءِ الزكيّةِ والجهودِ المضنية، التي تبذلُها المقاومة بعناءٍ وسخاء، والتي لا يجوز أن يطمسها أو يغيِّبَها أيُّ جحودٍ أو نكران.

2 المقاومةُ شرطُ حماية انتصار لبنان العام 2002 وردع أيّ عدوان على شعبه وترسيخ قوَّته وإسقاط مقولة قوة لبنان بضعفه، والثلاثية التي أرساها الشعب اللبنانيّ «هي قوة لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته» ضد العدو الصهيونيّ الاستيطانيّ الذي دسَّه الاستعمار في قلب الوطن العربيّ لدورٍ وظيفي، يقضي بتجزئة الوطن العربيّ وقمع حركات التّحرُّر فيه طامعاً بعد احتلال فلسطين بجعل لبنان محميّة صُهيونيّة بِلا سيادة، مستبيحاً سماءنا وأرضنا ومياهنا ونفطنا والغاز والثروات، ما ظهرَ منها وما بَطَن.

أما وقد دخلنا بهذه المعادلة الثلاثية العصرَ الذي ولّى فيه زمنُ الهزائم وجاء زمنُ الانتصارات، وخاض فيه لبنان مع محور المقاومة معارك التّحرير الظافرة.

«فقد أصبحت المقاومةُ تحمي لبنان وتردعُ العدوَّ الصُّهيوني ورعاتَه في العالم، وشركاءَه في المنطقة، وهي بالشراكة مع الجيش اللبنانيّ، ومع غالبية الشعب الحاضنة والدّاعمة، تقيم منظومة الدِّفاع والحماية ضدّ التّهديد الصُّهيوني… وضدّ الإرهاب التكفيريّ… وأخطارِه… وإجرامه الدمويّ. وقد بذل المقاومون بكلّ تواضع تضحيات جمّة في معركة وجودٍ مصيريّة، فدافعوا بالدماء عن حق شعبهم في الحياة والأمان، وحرسوا بأرواحهم مع أبطال الجيش اللبناني وَحدة الشعب والوطن، كما منعوا الغَزوة الإرهابية من تمزيق الشرق العربيّ، فكانوا خلال السنوات الأخيرة يبذلون الدماء والأرواح دفاعاً عن لبنان وعن سوريّة والعراق في ملحمة شرقيّة عربيّة تاريخيّة عظيمة، تؤكد وحدة مصير الشرق، رغم جميع خطط الهيمنة الاستعماريّة الهادفة لِتمزيقه وإخضاعه ونهبه. وقد كانت شراكة المقاومة المصيريّة، وبالذات مع الشقيقة سورية، مثالا للأخوّة، ولوحدة المصير القوميّ. بينما كان لإيران الشقيقة الفضلُ العظيمُ، الذي لا يُنسى في تمكين سورية وفلسطين ولبنان والعراق واليمن من التّصدّي للغزوة الإرهابيّة، المدعومة من الحلف الاستعماريِّ الصُّهيونيِّ الرجعيّ العربيّ الأشد صهينًة أو قُل العِبري الأشدّ كُفراً».

الحروبُ الاقتصاديةُ العدوانيّةُ بديلاً عن الحروب العسكريّة الظَّالمة عند فشلها في تحقيقِ غاياتها وأهدافها السياسيّة.

«لقد سارع حلف العدوان بعد تعثُّر مخططه الدمويّ إلى إحكام أدوات الحصار والخنق الاقتصاديّ على سوريّة وإيران، وكذلك على لبنان، بينما كانت الحكوماتُ اللبنانية المتعاقبة قاصرةً بخططها وتوجهاتها عن ابتكار وتنفيذ البرامج الوطنية، التي ترعى فرصاً جِديّة لتوفير مستلزمات الصمود، ولتطوير القُدرة على كسر الحصار الغربيّ الاستعماريّ، والتصدّي لمسار الانهيار الاقتصادي والمالي، الذي كان أبرزُ وجوهِه النافرة اختناق القطاعات المنتجة، وتمادي الريعيّة والفساد. وما تزال الضّرورةُ الوطنية تفرض على لبنان اعتمادَ خطةٍ للصّمود الوطنيّ، ترتكز الى تطوير قطاعات الإنتاج وإحياء الثروة الحقيقية، وتثبيت دعائم الاستقلال الوطني، والتحرُّر من الهيمنة الاستعماريّة عبر التّمسُّك بشراكة الحياة مع سوريّة والعراق وإيران وسائر دول الشرق. وإنّ عدم ملاقاة هذه الفرص بخطوات عملية يوقعُ لبنان رهينة في فخّ الهيمنة الغربية اللصوصيّة أيَّا كان غطاؤها الخادع، وهو ما يجب أن ينتبه إليه جميع اللبنانيين القادرين على توسيع الفَرَصِ ومضاعفةِ القدرات عبر تنويع الخيارات».

نداء إلى أبناء الأمّة جمعاء

بيننا وبين الاستعمار قضايا لن تُصفَّى بالمناشدة والخنوع أو التملّق العاطفيّ.. بل هي تدعونا إلى كفاحٍ عمليٍّ شاقٍّ وطويل…

بيننا وبين الاستعمار قضيّة فلسطين التي شاؤوها لقمة سائغة للصُّهيونيّة المجرمة، ولكنها، لن تكون في معركة الوجود مهما أبطأ الزمن إلَّا لأبنائها بدمائنا وبجهادِ الأجيال ستكون. فلا صفقة قرنٍ ولا صفقاتِ قرونٍ تعيد فلسطين لأهلها عربيّةً أبيّةً. لقد ضاع عمرُنا الرّخيص بالمساومة، لا سيّما فلسطين لن تعود إلّا بالمقاومةِ المسلّحةِ أساساً، وتجلياتها السياسيّة والدبلوماسيّة والجماهيريّة والثقافيّة، تكون في خدمةِ الكفاحِ المسلّح. قضية فلسطين هي قضيتُنا المركزيّة في الصراع العربيّ الصُّهيونيّ.

«لا صلح لا تفاوض لا اعتراف»، المقاومةُ وُجِدت لِتبقى «ما أُخِذ بالقوّة لا يُسْتَردُّ بغيرِ القُوّة»، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

«لا شراكة مشرقيّة وعربيّة إلّا والمقاومةُ جوهرها»، الرئيس بشار الأسد.

نهضةُ الأمّة، وتوحيدُ الوطن العربي رهنٌ بوحدةٍ وطنيةٍ قوميةٍ أمميّة لِمعسكرِ الشُّرفاء والكادحين من أحرارِ العالم، على مبدأ «نُصادِقُ مَن يُصادِقُنا ونُعادي مَن يُعادينا».