إيران والاتفاق النووي والألغام السياسية…
د. حسن مرهج
يبدو واضحاً أنّ رهانات القيادة الإيرانية، لجهة التعاطي مع المفاوضين الدوليين، حيال بلورة اتفاق نووي جديد، ستتخذ مساراً مغايراً، يتطلب المزيد من درجات ضبط النفس الإيراني، وبذات التوقيت، تفعيل قوة الضغط الإيرانية المتعلقة بفرض الرؤى الاستراتيجية على المجتمع الدولي، ومن ورائه الولايات المتحدة، خاصة أنه بات جلياً، أنّ القوى الدولية، وعقب بيان «إدانة» إيران من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنما تسعى لفرض تنازلات على إيران، للحصول على ما تريده واشنطن أولاً وأخيراً، في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي.
لكن في المقابل، فإنّ طهران بكافة أطياف أجنحتها التقليدية والمحافظة، ترفض أيّ تسوية قد تتضمّن بعض التنازلات، أو تعيد إحياء الاتفاق بصيغته القديمة، تحت عنوان «الإجراءات الاستراتيجية للدفاع عن حقوق إيران النووية وإلغاء العقوبات الاقتصادية».
الاستراتيجية الإيرانية في ما يتعلق بالاتفاق النووي، قد لا تحقق نتائج واضحة في هذا الإطار، لكن الخطوات الإيرانية وإنْ بدت متثاقلة في المسار النووي، إلا أنها تضمن الحصول على ضمانات تُحقق لإيران شروطها، وبما يُبدّد هواجسها، فأيّ اتفاق نووي لا تكون نتائجه متوافقة مع الشروط الإيرانية، لجهة رفع العقوبات عن إيران، والإفراج عن أموالها المجمّدة، لن يتمّ التوقيع عليه، فالطموح الإيراني المتعلق بإعادة إحياء الاتفاق، إنما تحكمه محدّدات استراتيجية، تتمثل في الخروج من دائرة العقوبات، وإعادة إنعاش الاقتصاد الداخلي، وتسلّم الأموال المجمّدة في الخارج، أو تلك التي لا تستطيع الحصول عليها بسبب العقوبات الأميركية.
استراتيجية المماطلة واللعب على الوقت التي مارستها الولايات المتحدة، وتحديداً في التعامل مع إيران، تُعبّر صراحة عن رغبة واشنطن، في عدم إتمام الاتفاق النووي، وأكثر من ذلك، فإنّ الولايات المتحدة تحاول وضع إيران في زاوية الإحراج من المجتمع الدولي، والادّعاء بعدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن أنّ هناك معطيات تؤكد بأنّ واشنطن ومن خلال استراتيجيتها وسياسة الضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنما تحاول ليّ ذراع إيران، وإجبارها على تقديم التنازلات في ملفات المنطقة، لكن إيران وبشهادة غالبية القوى الدولية، إنما تُبدي تعاطياً إيجابياً مع الجميع، الأمر الذي تترجمه غالبية تصريحات متابعي المسار النووي التفاوضي، لجهة قرب استئناف المفاوضات التي باتت على خواتيمها، بعد إنجاز الجانب الفني وحلّ 98 في المائة من البنود العالقة.
لجوء الولايات المتحدة الأميركية والترويكا الأوروبية إلى تقديم قرار يدين إيران بعدم التعاون، وطرحه على مجلس حكام الوكالة، ليس سوى نتيجة طبيعية لسياسة المماطلة الأميركية، وفرض الشروط على القيادة الإيرانية، من هنا جاء اتهام طهران للوكالة الدولية بتسييس قراراتها، والخضوع للمطالب الأميركية و»الإسرائيلية»، خاصة بعد زيارة مدير الوكالة رافايل غروسي إلى تل أبيب.
من هنا، فإنّ دوائر صنع القرار في إيران، دخلت في حالة من الاستنفار، بحثاً عن الآلية الأقلّ ضرراً للردّ على إجراءات الوكالة الدولية، ليس بينها قرار الانسحاب من الوكالة الدولية ومعاهدة الحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومن الممكن أن تلجأ إلى قرار وقف التعاون التامّ مع الوكالة وعدم تسليم أيّ من المعلومات التي تسجلها كاميرات المراقبة، التزاماً بالقانون الذي أقرّه البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، وبالتالي، إسقاط جميع الرهانات «الإسرائيلية» والأميركية، التي تحاول حشر إيران في زاوية الأمر الواقع…