kayhan.ir

رمز الخبر: 151697
تأريخ النشر : 2022June07 - 21:13

معادلة الربط بين الساحات.. المفهوم والأدوات

 

وسام أبو شمالة

قوة تأثير الأداة تكمن في بقاء كافة الأدوات جاهزة وعدم تحييد أداة عن الفعل والتأثير.

شاهَدْت حديث المرابطة المقدسية عايدة الصيداوي، التي مزق "حثالة المستوطنين" جزءاً من ثيابها ورشّوا على وجهها غاز الفلفل، أثناء دفاعها عن القدس  والمسجد الأقصى، خلال "مسيرة الأعلام الصهيونية"، ولفَت انتباهي قدرتها على توصيف قواعد المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وسُبل مقاومة سلوكه الاستفزازي وجرائمه في القدس والمسجد الأقصى.

أوضحت الصيداوي أن رأس الحربة في مواجهة الانتهاكات والاستفزازات الصهيونية في القدس، هم المقدسيون أنفسهم وكل من يستطيع الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى من فلسطينيي ال48 والضفة الغربية المحتلتين، وأن المقاومة جاهزة ولم ولن تقصر في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، ولا نطلب منها أن تشعل حرباً كلما حدث استفزاز في القدس.

ثبتت المقاومة في معركة "سيف القدس" الربط بين الساحات، وإعلاء العناوين والقضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية القدس، وهنا قد يحدث لبس في هذا المفهوم، وما يقتضيه هذا الربط من سلوك ميداني وسياسي وإعلامي، الأمر الذي يستدعي توضيح مفهوم الربط بين الساحات، والأدوات التي تستخدمها المقاومة لتثبيت الربط بينها.

- مفهوم الربط بين الساحات، يشير إلى الارتباط بين ساحات المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وعدم الفصل بينها، وإجهاض مساعي العدو لعزل كل ساحة وإشغالها في قضاياها، وخصوصياتها، الأمر الذي يؤدي إلى توجيه كل ساحة طاقاتها وأدواتها من أجل تحصيل حقوقها الفرعية والخاصة، ومواجهة العدو منفردة، على حساب القضايا الوطنية والاستراتيجية، ما يسهل تعامل العدو مع كل ساحة على حدة.

 من جهة أخرى، ينفرد العدو في تحقيق مشاريعه التهويدية للأرض والمقدسات، بالحد الأدنى من الخسائر، وهو ما يتقاطع مع هدف العدو تذويب الهوية الفلسطينية، إلى هويات مختلفة. لقد نجح الشعب الفلسطيني في الحفاظ على هويته الوطنية الجمعية، وأفشل مرامي العدو، وهو ما تعزز بفعل معركة "سيف القدس" التي نقلت مفهوم الربط بين الساحات والهوية الجمعية من الإطار المعنوي إلى الفعل الميداني .

- الأدوات والآليات التي فعّلتها المقاومة والشعب الفلسطيني لتثبيت الربط بين الساحات، منذ معركة "سيف القدس"، متعددة، وهي مختلفة من حيث الشكل، ومتشابهة من حيث الهدف والمضمون، وكل الأدوات عملت بالتوازي، ولم تلغِ إحداها الأخرى، لأن قوة تأثير الأداة تكمن في بقاء كافة الأدوات جاهزة ومتحفزة وعدم تحييد أداة عن الفعل والتأثير.

- أبرز الأدوات، الأداة الشعبية، التي أخذت أشكالاً مختلفة، منها المسيرات الجماهيرية، والاعتصامات، والرباط في المسجد الأقصى، والتظاهرات عند الحواجز ونقاط " الجيش" الإسرائيلي ومراكزه، والعمليات الفدائية الفردية والمنظمة، وغيرها من وسائل المقاومة الشعبية الناعمة والخشنة، التي أدت إلى استنزاف قوات العدو، في الساحات كافة...

- تحقق الربط بين الساحات من خلال قيام المقاومة بتفعيل الأداة الشعبية في كل الساحات مجتمعة في مواجهة الانتهاكات الصهيونية ، وهو ما تحقق في أكثر من مناسبة، خصوصاً، خلال الشهرين الأخيرين، وآخرها انتهاكات العدو في القدس والمسجد الأقصى، والاشتباكات في منطقة جنين ، و"مسيرة الأعلام الصهيونية" في القدس، فقد شهدت الأراضي الفلسطينية  حراكاً شعبياً، ومئات نقاط الاشتباك مع العدو، وعمليات فدائية، أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى الصهاينة، واستشهاد عشرات الفلسطينيين الأبطال، كما انطلقت العديد من المسيرات التضامنية مع القدس، في بلدان عربية وإسلامية مختلفة، الأمر الذي يعتبر أحد أبرز إنجازات "سيف القدس"، وعكس ربطاً بين الساحات، ومركزية القضايا الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها القدس.

- استخدمت المقاومة الأداة السياسية والدبلوماسية، بهدف تثبيت الربط بين الساحات، فقد كثفت قيادة المقاومة اتصالاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية، بهدف إيصال رسائل واضحة، تحمّل المجتمع الدولي مسؤولية تجاوزات الاحتلال وجرائمه، في القدس والمسجد الأقصى، وتلقّت قبيل وأثناء شهر رمضان المبارك وحتى تاريخه، عشرات الاتصالات والرسائل، حول التطورات في المسجد الأقصى والقدس، وأوصلت رسائل التهديد والتحذير للعدو، الأمر الذي ثبت لدى الأطراف كافة ، أن قيادة المقاومة تتابع أدق التفاصيل، ولم تعط الوسطاء أي تعهدات في حال تجاوز العدو الخطوط الحمر، ما أبقى العدو والأطراف الدولية والإقليمية في حالة ترقب وحذر، وتحميل العدو مسؤولية ما حدث وما سيحدث.

- فعّلت المقاومة الأداة الإعلامية وأدوات التحريض على العدو، من خلال تكثيف المقاومة الفردية باستخدام كل الوسائل المتاحة، وشمل التحريض تحفيز الساحات، والتلويح بتوسيع دائرة الصراع، لتشمل خارج فلسطين، والتحذير من أن سلوك العدو يدفع باتجاه إشعال حرب دينية إقليمية واستهداف مصالح العدو في شتى أماكن وجوده، واستخدمت المقاومة أسلوب التهديد والتلويح باللجوء إلى الأداة العسكرية والمواجهة متعددة الجبهات، الأمر الذي حقق ثلاثة أهداف: الأول، التأكيد على ربط الساحات، والثاني نجاح التحريض وانعكاسه بشكل عملي في تنفيذ عمليات فدائية وتذكية روح المقاومة في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل، وإطلاق صواريخ من الجبهة الشمالية، والثالث الانتصار في معركة الوعي، وهو ما أشارت إليه دراسة لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أكدت أن المقاومة نجحت في الصراع في معركة الوعي مع "إسرائيل". 

وقالت الدراسة : " المعركة على الوعي تكون فعّالة عندما يتم تنشيطها بشكل مكثف ومنهجي، ودمجها مع التصريحات العلنية إلى جانب التحركات الهادئة من وراء الكواليس أو من خلف لوحة المفاتيح التي تحرك الجماهير ومنفذي العمليات الفردية للعمل، هكذا نجحت حماس منذ فترة طويلة في بث رسائل في الرأي العام الفلسطيني تتوافق مع استراتيجيتها، كما أن الجمهور في إسرائيل يصدق رسائل حماس..".

وأشارت الدراسة إلى أن خطابات قادة المقاومة لا سيما رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، وقائد الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، أسهمت في تعزيز انتصار المقاومة في معركة الوعي، وعززت نجاحها في ربط الساحات.

عكست سياسة المقاومة منذ معركة "سيف القدس"، استراتيجيات عمل واضحة تجاه الصراع مع العدو، فحققت إنجازات أقرت بها مصادر العدو المختلفة، أبرزها، الانتصار في معركة الوعي وتثبيت الرواية، والربط بين الساحات والجبهات، وتثبيت القضايا الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها القدس والمسجد الأقصى كعناوين مركزية، واستخدمت في سبيل ذلك تفعيل كل الأدوات الشعبية والدبلوماسية والإعلامية والعسكرية، بشكل متواز مع تكثيف أكبر لأدوات التحريض والتحفيز والخطاب الإعلامي الموجّه، وضبط إيقاع الأداة العسكرية في إطار معادلات الاشتباك المضبوطة على ساعة المقاومة وليس ساعة العدو، واتباع سياسة الغموض البناء، وإفشال قدرة العدو على قراءة نيات المقاومة.