سلاماً ايها القائد يبطل سحر لولب السكوت
حسين شريعتمداري
1 ـ خلال مرحلة دراستي الجامعية وبمعية ثلاثة من زملائي الطلبة سافرنا الى مدينة اصفهان، وفيما يشرئب الافق بمسحات ارجوانية الا ان سائق السيارة لايهم بالوقوف لنؤدي صلاة الصبح، فسألت السائق بشكل اخوي؛ الا تتوقف لنصلي الصبح؟ فأجاب بالرضا ولكن لم يستجب واستمر في مسيره. فانبرى احد الاصدقاء وقال للسائق، الرجاء ان تتوقف لاداء صلاة الصبح ونريد اكثر من ذلك. فتأثر السائق بهذه الكلمات، وقال: انا بخدمة جميعة الشباب المصلين، وتوقف الى جانب إحدى بركات الماء على قارعة الطريق. فترجل غالبية المسافرين لاداء صلاة الصبح! فسألت باستغراب يمازجه الحياء احد الجالسين والذي ذرف على الخمسين من عمره؛ حقاً انت من المصلين فلماذا كنت صامتا ولم تعترض على السائق ليقف للصلاة؟ فاجاب خجلا: لم اكن اعرف ان غالبية المسافرين من المصلين!
2 ـ فاذا شعرت مجموعة من المجتمع ان رأيها وعقيدتها تصب ضمن الاقلية، و ان غالبية المجتمع يحملون رأيا وعقيدة مخالفة لهم فانه بشكل طبيعي وعلى اساس قاعدة شاملة ـ فالاستثناءات لا يقاس عليها لاتعرب اقلية عن رايها ولا ترغب في الكشف عن عقيدتها خوفا من ان يصنفوا في خانة منبوذة. على ذلك فان واحدة من الالاعيب الخطرة في الحرب النفسية هي الخطة المتبعة لاسيما في السنوات الاخيرة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية وشعبنا العزيز وهي في تصاعد مستمر من قبل اعدائنا.
وهي خطة يطلق عليها "لولب السكوب ـ SILENCE SPIRAL"وقد تطرقت لذلك سابقا في احدى مقالاتي، واول مرة في عام 1974 اشارت السيدة "اليزابيت نيؤل نيومن" الالمانية لهذه الفكرة في المؤلف "الرأي العام ـ الغلاف الاجتماعي". فتحولت كيفية الاستفادة من هذه النظرية الى واحدة من عشرات ـ والان الى مئات ـ المواد الدراسية، تلقى في وكالات المخابرات الاميركية والاوروبية على الضباط وباحثي الشؤون النفسية، اذ تندرج قطاعات ملحوظة من النشاطات الضخمة لوسائل اعلام تابعة لحيتان المستثمرين الغربيين امثال؛ "روبرت مرداك" والاخوة "وارنر".
3 ـ ان لولب السكوت هو ممر افتراضي ومفترق طرق تصنع وسائل الاعلام حائطه. وتتم الافادة من لولب السكوت حين لا تتطابق عقائد ومبادئ الشعب مع الاهداف التي يستتبعها العدو. ففي هذه الحالة يصب العدو اعتقاد الغالبية في دهليز لولب السكوت وبالاستفادة من وسائل الاعلام التي يسيطرون عليها والاعلاميين الذين يعملون لهم. ساعين لقولبة الاعتقادات المطروحة لغالبية الشعب في بوتقة الاقلية، وجعل المبادئ المتبعة بعنوان اعتقاد الغالبية!
فلو نجح العدو في الاستفادة من هذه الخطة، فان اقل نتيجة يخرج منها، فسيتحول راي اعداد ملحوظة من الناس (باستثناء الاعداد الغفيرة من الشعب الايراني الذي لا تشملهم هذه النظرية) ضمن وجهة نظر الاقلية، ويفضلوا ان لا يبينوا رأيهم، وبهذه الحالة تكون اجواء المجتمع لصالح رؤية العدو، والاخطر، ان يتلقى الجيل الجديد من الاجواء الموجودة عنوانا خاطئاً!
4 ـ حسب تعاليمنا الاسلامية فان الجهر بالصلوات يذهب بخصلة النفاق، ولكن لماذا؟ والعلة في انه لما يرفع الصوت بالصلوات عاليا، فانه اعلان عن الهوية واشهار لما نستبطن من مبادئ واعتقادات. فما اوردته اول الحديث عن السفر الى اصفهان، يمكن اعتباره انموذجا من هذا القبيل. فغالبية المسافرين الذين كانوا في الحافلة من المصلين ولكن لما لم يعلوا احد صوته بضرورة ايقاف السيارة لاداء الصلاة ابتلعوا رغبتهم في التبعير عن فريضة ولكن حين رفعت راية الصلاة شاهدوا انهم ليسوا من الاقلية بل هم الاكثرية الغالبة من المسافرين.
5 ـ وبالرغم من ان خطة اللولب الصامت تستخدم لفترة ليست بالقليلة في ايران الاسلامية، ومازالت كذلك، الا انها ترتطم في كل مرة بالحائط المنيع والسد المحكم للاعتقادات الاسلامية للشعب، فتفشل خططهم، ويمكن الاشارة الى الموارد الآتية؛
ـ بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني احتشدت الملايين من الناس في ايران الاسلامية لتخليد ذكرى هذا الشهيد الكبير، وخلقوا ملحمة جديدة في تشييعه.
فهذه الملحمة من الحضور الشعبي ابطلت جميع دعايات الاعداء بخصوص تراجع اعتقادات الناس وايمانهم بالثورة الاسلامية والنظام.
ـ كما ووجه مشروع ترشيد الدعم الحكومي بدعايات سيئة قل نظيرها للاعداء في الخارج واذنابهم في الداخل، الا انه من بين 85 مليون نسمة خرج عدة آلاف في 14 محافظة في البلاد الى الشوارع، وانسحب الكثير منهم بعد ان استمع لتوضيح المسؤولين من جهة ومن جهة اخرى البعض الاخر تراجع حين شاهد الغوغائيين هم في مقدمة المعترضين.
ـ وفي احدث مثال من هذا القبيل يمكن الاشارة الى النشيد الرائع والملفت ومنعش الانفس "سلاما ايها القائد". فهذا النشيد ومنذ الايام الاولى لاجرائه ووجه بحجم كبير من دعايات الاعداء الصغار والكبار في الخارج والداخل، إلا انه وبالرغم من هذا الحجم الواسع من الهجوم، يتزايد يوما بعد آخر التفاعل الحار للشعب لاسيما جيل الشباب الجديد مع الانشودة حتى بلغ الامر ان صارت الانشودة تلهج على ألسنة الفتية والفتيات في مقتبل العمر خصوصا.
فنشيد "سلاما ايها القائد" قد عبر الحدود الجغرافية وتجاوز العالم الاسلامي ماضيا في هيمنته على القلوب بتعجيل ملحوظ. فهذه الوسعة والتعجيل لهذه الانشودة لهي وثيقة دامغة لارتباط الايمان العميق والعشق الاوحدي لهذا الشعب بجميع فئاته تجاه صاحب الزمان عجل الله فرجه، العقيدة التي تجسدت مع انتصار الثورة الاسلامية والنظام الحاكم. وهو اشبه برفع الصوت بالصلاة على محمد والذي اشاعه عشاق آل الله والذابين بانفسهم عن بقية الله الاعظم في هتافاتهم بتعجيل الفرج، وصار شعارا في ساحات المواجهة امام الاعداء فحول سخط الاعداء الى حالة من الهذيان، وهذه وثيقة اخرى على عظمتها.
6 ـ وهنا يُطرح التساؤل الآتي، انه حين نشهد كل هذه الادلة من عمق وسعة الاعتقادات الاسلامية والثورية بين الشعب، فلماذا علينا ان نصبر كي تتكرر الملاحم الثلاث التي اوردناها بين الناس ومن ثم نعرض مدى رغبة فئات الشعب العظيمة بالاسلام والثورة والنظام؟ ولماذا لا نرفع راية اعتقاداتنا وهويتنا الاسلامية والثورية ومن دون تأخير؟!
اذ ان ابطال السحر هو مرهم لخطة لولب السكوت فالهتاف بالاعتقادات اشبه برفع الصوت بالصلوات.