الدستور الأميركي وتشريع القتل: خلاف "جمهوري - ديمقراطي"
د. علي دربج
مع عدم التقليل من دور العنصرية والكراهية ونظريات "تفوق العنصر الأبيض" في تصاعد عمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة، غير أن هناك سببًا أساسيًا قد يكون المساهم الرئيسي إن لم يكن المسهل لهذه الجرائم، ألا وهو الدستور الأمريكي الذي يشجع علنًا على حمل السلاح حتى دون وضع أية ضوابط.
كان إطلاق النار الذي وقع في 24 أيار/ مايو في مدرسة ابتدائية في ولاية تكساس الامريكية، وأسفر عن مقتل 19 طفلاً ومعلمتين، الرقم السابع والعشرين هذا العام، من سلسلة حوادث مشابهة كان مسرحها الرئيسي مدارس في الولايات المتحدة. والمفارقة أن هذه النكبة التي حلت بالأهالي، تزامنت مع مرور 10 سنوات أيضًا على مذبحة مدرسة ساندي هوك الابتدائية التي قتل فيها 20 طفلاً.
لكن ما يجدر التوقف عنده، أنه رغم ارتفاع معدل الجرائم والمجازر جراء استخدام الأمريكيين للأسلحة النارية، يواصل السياسيون والناخبون في البلاد مقاومة التغييرات فيما يتعلق بقوانين الأسلحة الخاصة بهم، حيث يشهد المجتمع السياسي الأمريكي انقسامًا حادًا في هذا الإطار.
كيف يساعد الانقسام السياسي في أمريكا على المزيد من حوادث إطلاق النار؟
لا تزال الانقسامات السياسية في أمريكا تشكل مانعًا وعارضًا أمام أي محاولة لإصلاح وتحديث قوانين الأسلحة. فمنذ مجزرة "ساندي هوك"، وسّعت 13 ولاية يسيطر عليها الديمقراطيون عمليات التحقق من خلفية شراء أسلحة جديدة. بالمقابل وعلى النقيض من ذلك، أقرت 14 ولاية يسيطر عليها الجمهوريون، قوانين تسمح لمواطنيها بحمل الأسلحة دون الحصول على أي تصريح على الإطلاق.
ما دور الدستور الأمريكي في تسهيل عمليات القتل العشوائية؟
ينص التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة على ما يلي: "لما كانت الميليشيات الحسنة التنظيم ضرورية لأمن الدولة الحرة، فلا يجوز مصادرة حق الناس في اقتناء السلاح وحمله".
في الحقيقة لم يوحّد هذا النص نظرة الأمريكيين لقضية السلاح، فاختلفوا في تفسيراتهم له، في انعكاس واضح للصراع حول الحق في حيازة المواطن الأمريكي للسلاح. فريق اراد تقنين هذا الامر، ومنهم الديمقراطيون، وآخرون يرون أن من حق المواطن اقتناء السلاح وحمله، وفي مقدمة هؤلاء الجمهوريون، الذين يعتبرون ان كل تشريع يضيق على هذا الحق لضرورة ما يعدّ خرقًا للدستور.
أقارب أطفال جريمة تكساس يتجمعون في مركز مدني في المنطقة في انتظار أي أخبار عن أولادهم
وللمزيد من المصداقية، استعنا بتقرير لمركز "بيو" للأبحاث، الذي كشف أن إحدى السمات الرئيسية والمحددة لمالكي الأسلحة، هي أنهم يربطون الحق في امتلاك الأسلحة بإحساسهم الشخصي بالحرية. ولهذا يقول حوالي 74 % من مالكي الأسلحة أن هذا أمر ضروري. فيما السبب الرئيسي الآخر الذي ذكره أصحاب الأسلحة هو الحماية الشخصية. ففي استطلاعات رأي سابقة أيضًا، ذكر هؤلاء في كثير من الأحيان أن امتلاك سلاح هو جزء لا يتجزأ من هويتهم الشخصية.
إضافة الى النص الدستوري اعلاه (المشجع لحمل السلاح)، هناك "الرابطة الوطنية للبنادق القوية والمؤثرة" (NRA)، والتي تعد من أقوى وابرز المعارضين للسيطرة على الأسلحة.
تقوم رؤية هذه الرابطة، على فكرة البنادق مقابل الحماية، حيث يُنظر إلى زيادة مبيعات الأسلحة بدلاً من تقييدها على أنها مفيدة في مواجهة "الرماة الجماعيين" (اي الاشخاص الذي يطلقون النار بشكل عشوائي على الاخرين). المفارقة أن أعضاء الرابطة طرحوا حلًا مفاده أن هيئة الموارد الطبيعية ستساعد في إنشاء برنامج استجابة طوارئ للدرع المدرسي الوطني للمساعدة في تجنب هذه الكوارث.
وقد يكون من المثير للاهتمام هنا، معرفة أن 77 بالمائة من أعضاء "الرابطة" NRA، الذين يمتلكون أسلحة، هم جمهوريون أو يميلون للجمهوريين.
ماذا عن تصدي الجمهوريين لمحاولات تقنين حمل السلاح؟
في آذار 2021، صاغ أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون قوانين مراقبة الأسلحة خلال جلسة استماع للجنة القضائية بمجلس الشيوخ بشأن العنف واستخدام السلاح.
كانت حجتهم - بالاستفادة من تاريخ ملكية الأسلحة النارية والقيود التي وضعها البيض على الأمريكيين من أصل أفريقي - هي أن أعمال السيطرة على الأسلحة تمس حقوق مجتمعات الأقليات.
وفي كانون الثاني 2021، منع النائب الجمهوري تشاك غراسلي طلبًا للمضي قدمًا في تشريع الأسلحة النارية، والذي كان من شأنه أن يحظر نقلها بين الأفراد ما لم يقم تاجر أو مصنع مرخص له بالتحقق من الخلفية.
لم يكتف غراسلي بإدانة هذا الطلب، بل وصفه بأنه "معاد لأصحاب الأسلحة الشرعيين ومعاملات الأسلحة النارية المشروعة"، ورأى أن "عمليات التحقق من الخلفية لن تمنع الجريمة، وستحول المواطنين الملتزمين بالقانون إلى مجرمين".
بلغة الأرقام، كان لدى الولايات المتحدة 390 مليون بندقية متداولة في عام 2018 وفقًا لمسح الأسلحة الصغيرة، فيما يمتلك ثلاثة من كل عشرة بالغين أمريكيين بندقية.
وفي محاولة لتسخيف وتسطيح قضية أحداث القتل المتزايدة في أمريكا، وصف منتقدو قوانين السيطرة على انتشار الأسلحة النارية، حوادث إطلاق النار الجماعي بأنها أحد الأعراض وليس المرض، مشيرين إلى أمراض الصحة العقلية باعتبارها السبب الجذري الذي يجب علاجه. وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد صرّح بعد حادثتي إطلاق نار جماعيتين في تكساس وأوهايو في أقل من 24 ساعة في عام 2019: "هذه أيضًا مشكلة مرض عقلي. هؤلاء أشخاص يعانون من مرض عقلي خطير جدا".
في الختام، بعد مذبحة تكساس الأخيرة، سيكرر الاهالي سؤال: هل هناك أي مدرسة في أمريكا يمكن أن تكون آمنة للاطفال؟ أما جوابه، فيكمن في دستورهم الذي يشكل نافذة وذريعة للابقاء على السلاح بيد الأمريكيين.