"ورقة توت" المخدرات السعودية.. سقطت
محمد باقر ياسين
عمدت وسائل الإعلام السعودية بإيعاز من السلطات الرسمية إلى تكثيف الأخبار عن المخدرات وإلصاق التهمة بحزب الله، حيث لم يستح هذا الإعلام من الاستمرار بفبركة الأخبار الكاذبة رغم انكشاف زيفها مرات عدة. ومؤخراً نشرت قناة "العربية" خبرًا ملفقًا عن اتهام السلطات الأردنية لحزب الله بتهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية، والذي استدعى رداً قاسياً من قبل العلاقات الإعلامية في حزب الله. ولكن اللافت كان رد العربية على العلاقات الإعلامية، فما هو هذا الرد؟ وما هو واقع المخدرات في السعودية؟ ومن هم أمراء التجارة في المملكة؟
عملاً بالمثل القائل: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، تحدثت مذيعة "العربية" عن علاقة مزعومة للحزب بالمخدرات. ومن باب "الموضوعية" عرضت ما أسمتها "وقائع" تظهر هذه العلاقة، فاستندت إلى السلطات الأردنية وقضية مقتل 4 أشخاص كانوا يهربون المخدرات زاعمة تابعيتهم للحزب. ثم انتقلت للحديث عن ضبط إيطاليا 15 طنًا من الكبتاغون زاعمة أيضا أنها تعود للحزب، وختمت بالسبب الذي أدى إلى حظر ألمانيا لحزب الله مدعية أنه ترويج المخدرات في البلاد.
لكن بمراجعة بسيطة للأخبار الثلاثة يتبين أن السلطات الأردنية لم تأت على ذكر حزب الله لا من قريبٍ ولا من بعيد واكتفت بالإشارة إلى أنهم سوريون يهربون المخدرات، وكذلك ضبط السلطات الإيطالية 15 طنًّا من المخدرات التي قالت السلطات بوضوح إنها تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، أما حظر نشاط حزب الله في ألمانيا فعللته برلين بجمع التبرعات للحزب حسب قولها.
لا غرابة على إعلام امتهن الكذب لشيطنة حزب الله أن يحوّل أي لبناني في العالم يُقبَض عليه بتهمة الاتجار بالمخدرات الى تابع لحزب الله، ويُعد الاعلام السعودي مطبخا لهذا النوع من فبركة المعلومات والاخبار والتقارير والمقالات التي تجوب الصحف. أما إذا تم القبض على أي شحنة في السعودية مرّت في طريقها اليهم عبر لبنان فتقوم الدنيا ولا تقعد وتندلع أزمة دبلوماسية مفتعلة فماذا لو قلبنا المشهد؟
انطلاقًا مما سبق، لا بد من الإضاءة على الحقيقة التي تسعى الرياض الى التعمية عنها، وهي واقع انتشار المخدرات في المملكة، حيث إن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يقول إن أكثر من نصف كميات الكبتاغون التي تم ضبطها في الشرق الأوسط بين عامي 2015 و2019، كانت في السعودية. وينتمي غالبية متعاطي المخدرات السعوديين إلى الفئة العمرية من 12 إلى 22 عاماً. بدورها، ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن المملكة أصبحت سوقاً مربحاً لتجار المخدرات وظهرت كعاصمة لاستهلاكها في المنطقة.
أما إذا انتقلنا للحديث عن تجارة المخدرات داخل السعودية وخارجها، وإذا أخذنا الموضوع من المقاربة التجارية، فهناك قاعدة واضحة أن العملية التجارية لكي تتم بحاجة إلى طرفين هما البائع والمشتري، وإذا اسقطنا هذه المعادلة على موضوعنا نجد أن البائع لا جنسية واحدة له ولكن المشتري داخل المملكة هو الثابت الوحيد في المعادلة.
وقد أورد موقع BBC - عربية بتاريخ 26 مارس/ آذار 2022 تقريراً تحت عنوان "هل كانت المخدرات وراء مقتل ملك سعودي؟"، متحدثاً عن مشاهدات نقلها من عرف الملك فيصل بن عبد العزيز وترجيح مقتله بسبب المخدرات. وبات الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود والملقب بـ"أمير الكبتاغون" أشهر من "نار على علم" بعد أن ألقي القبض عليه في لبنان عام 2015 على إثر العثور على طنين من حبوب الكبتاغون مخبأة بطرود عليها الختم السعودي. وأمس، في تكرار للسيناريو نفسه، تم إلقاء القبض على الرقيب السعودي "عادل بن جفران بن غازي الشمري" وبحوزته 18 كلغ من الكبتاغون كان متوجهًا بها إلى الكويت.
وبحسب بيان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي فإن القوى الأمنية "تمكنت اليوم وفي عملية نوعية، من إحباط محاولة تهريب 18.3 كيلوغراماً من حبوب الكبتاغون إلى دولة الكويت، عبر مطار رفيق الحريري الدولي". وتُقدّر كمية الكبتاغون بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس" بـ"حوالى 110 آلاف حبة وكانت موضوعة في أكياس، تمّت محاولة إخفائها عبر درزها داخل قطع من الثياب". وفيما حاول البعض الايحاء بأن المهرّب هو ضابط أمن كويتي، تبين أنها كذبة مفضوحة، فمن الشروط لأي ضابط كويتي أن يكون من أب وأم كويتيين، وهذا يعني بان الشمري السعودي لأم كويتية فقط، هو بالتأكيد ضابط سعودي وليس كويتي كما حاول البعض الترويج له، وقد كشفت مصادر مطلعة لـ "الراي" الكويتية أن الموقوف هو عسكري سعودي يعمل في إدارة العلاقات العامة في وزارة الداخلية الكويتية ويحمل رتبة رقيب.
بالمحصلة، وبعد أن درجت العادة عند السعوديين على إلصاق التهمة بكل ما يتعلق بالمخدرات بحزب الله في سعي فاشل لتشويه صورته، وبعد معاقبة المزارعين اللبنانيين عبر تعليق استيراد الفواكه والخضار من لبنان أو السماح بمرورها بأراضي السعودية، فقط باتت بروباغندا المخدرات سمجة وسخيفة وغير قابلة للتصديق،. وأصبح واضحًا أن السعودية تحاول من خلال تكثيف أكاذيبها اخفاء ما هو أدهى وأعظم وأسوأ في ما يرتبط بواقع انتشار المخدرات بقوّة في السعودية، وتحوّلها الى سوق مستهلك كبير لهذه الآفة..