توسيع "الناتو" والفيتو التركي.. أسباب ابتزاز اردوغان لفنلندا والسويد
د. علي دربج
ليس من قبيل المبالغة القول إن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لم يترك زاوية في الكرة الأرضية حتى في أقاصي الأرض إلا وأثار فيها الجلبة والضوضاء، أو افتعل مع دولها أزمة دبلوماسية أو سياسة أو حتى أمنية، كما هو حاصل حاليًا مع فنلندا والسويد.
ففي 18 أيار الجاري، اختار أردوغان لحظة قاتلة، ليردّ الاعتبار لدور تركيا كعضو فاعل في حلف الاطلسي، ويظهر حضور أنقرة الوازن في "الناتو" من خلال محاولته فرض شروط بلاده على الأطلسي، بغية الحصول على مكتسبات يرى أن الفرصة مؤاتية جدًا لتحقيقها.
فبينما كان سفيرا فنلندا والسويد يسلمان الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، طلبات الانضمام الى "الناتو" في مقره في بروكسل، رفع أردوغان ــ الذي يقود ثاني أكبر جيش دائم لحلف "الناتو" ــ بطاقته الحمراء في وجه "الناتو"، معلنًا معارضته لهذه العملية، من خلال إصدار أوامر لممثل تركيا في "الناتو" باسات أوزتورك بمنع إجراء تصويت إجرائي على الانضمام.
وبما أن ميثاق حلف شمال الأطلسي، ينص على أنه لا يمكن إضافة أعضاء جدد إلا بموافقة جميع الأعضاء الحاليين البالغ عددهم 30 عضوا في الحلف، فقد تم تعليق خطة التوسع على الأقل في الوقت الحالي.
كيف تلقفت فنلندا والسويد الموقف التركي؟
في الحقيقة، نزل الموقف التركي المفاجئ كالصاعقة على "الناتو". فبعد أن وعد الرئيس التركي الرئيس الفنلندي سولي نينيستو في مكالمة هاتفية في 4 نيسان الماضي بدعم انضمام فنلندا إلى التحالف، تراجع أردوغان مؤخرًا. بورصة مواقف اردوغان سجلت المزيد من التقلبات، إذ انه خلال الأسبوعين الماضيين، اتخذ منعطفًا آخر حيث أوضح أن رحلة الانضمام لـ"الناتو" لن تكون سلسة للدولتين الشماليتين، وأنه قد يتعين عليهما تقديم بعض التنازلات المؤلمة لتركيا.
وفي 14 أيار الجاري، عندما اجتمع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي، مع نظيرَيهم السويدي والفنلندي في العاصمة الالمانية برلين لمناقشة توسيع الحلف بشكل غير رسمي، انتفض وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ورفع صوته ضد السويدية آن ليند، منتهكًا بذلك بروتوكول الحلف المعمول به. وعبّر أوغلو حينها عن غضبه مما وصفه بـ"السياسة النسوية التي تنتهجها ليندي، والتي جلبت الكثير من الدراما".
ما هي دوافع أردوغان لرفضه انضمام فنلندا والسويد الى "الناتو"؟
على الدوام كان أردوغان من أشد المنتقدين لهذه البلدان خصوصًا السويد، ويرجع ذلك إلى حد كبير لالتزامها ما يوصف بحقوق الإنسان، والتي عمدت الى ترجمتها باتباع سياسة متساهلة تجاه المنظمات الكردية، التي تعتبرها تركيا ارهابية.
تنظر تركيا الى "الانفصاليين الأكراد" كخونة، ولهذا صنفت "حزب العمال الكردستاني" على أنه منظمة إرهابية. وعلى الرغم من تصنيف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحزب العمال الكردستاني (بقيادة عبد الله أوجلان، الموجود في سجن تركي منذ 1999) أنه جماعة إرهابية، إلا أن السويد وفنلندا كانتا مترددتين في اتباع الخط التركي بشأن القضية الكردية.
من هنا رفع الرئيس التركي صوته عاليًا بوجه السويد التي تستمر مع غيرها من دول الشمال الأوروبي، باستضافة أعضاء "حزب العمال الكردستاني".
علاوة على ذلك، أعربت تركيا عن انزعاجها من السلوك الاستفزازي للوزراء السويديين الذين يتحاورون مع ممثلي وحدات حماية الشعب. أما أكثر ما يثير حنق تركيا، فهو أن البرلمان السويدي يضم في الوقت الحالي ستة أعضاء أكراد، مما يدل على نفوذهم المتزايد.
قائمة السياسات المستفزة التي تنتهجها فنلندا والسويد ضد تركيا تطول، إذ منحت هاتان الدولتان حق اللجوء لأتباع فتح الله غولن. ومن المعروف أن أردوغان كانت تربطه علاقة ودية مع غولن، الذي طاردته الحكومات العلمانية التركية في الماضي واضطر إلى الانتقال إلى الولايات المتحدة في عام 1999.
وفي أعقاب الخلاف الكبير الذي وقع بين الرجلين في عام 2013 بعد أن انتقد غولن الطريقة التي تعامل بها أردوغان مع احتجاجات حديقة جيزي والمظاهرات المناهضة للحكومة آنذاك، اتهم أردوغان غولن بمحاولة الإطاحة بحكومته وتخطيط الانقلاب الفاشل ضده في 2016.
وانطلاقًا من ذلك كله، وبعد إعلان فنلندا والسويد عن نيتهما التقدم لعضوية "الناتو"، أراد أردوغان مقايضة الدولتين وحثهما على دفع ثمن ما لأنقرة لقاء قبول الأخيرة انضمامها الى "الناتو"، وتبعا لذلك قال إن الدول الاسكندنافية أصبحت بيوت ضيافة للمنظمات الإرهابية.
في المحصلة، بالرغم من أن أردوغان لم يخفِ مرارته مما وصفه بسياسات التضامن والتعاون والتسامح مع حزب العمال الكردستاني، لكن التجارب مع اردوغان تقودنا الى الاستنتاج أن سياسة السقف العالي التي يعتمدها في علاقاته الدولية، إنما يكون هدفها تحسين شروط التفاوض، وتجييرها لصالحه عندما يحين أوان قبض الاثمان.