شهر النكبة والمقاومة والانتصار…
د. جمال زهران
يُعتبر شهر (مايو/ أيار)، أحد أهم الشهور التاريخيّة في مجريات ماضي وحاضر ومستقبل الوطن العربي والإقليم بصفة عامة. ولعلّ في قمة الأحداث التي وقعت في هذا الشهر في عام 1948، فيتمثل في إعلان وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، في (15) مايو، ليصبح هذا الحدث هو محور تفاعلات كلّ قضايا المنطقة طوال الـ (74) عاماً الأخيرة، وما تبقى هو القليل حتى يتمّ محو هذا الكيان من الخريطة العالمية، واستعادة فلسطين المحتلة وتحريرها واستقلالها، وتحرير القدس الشريف (أول القبلتين وثالث الحرمين)، من أيدي الصهاينة المحتلين، ومن يدعمهم ووراء وجودهم، من استعمار غربيّ بقيادة دولة الشر والإرهاب وهي الولايات المتحدة الأميركية. فهذه هي قناعتي ولا تزال وستظلّ متوهّجة إلى أن يقع ما هو غير متصوّر لدى الكثيرين.
ولا شك في أنه رغم هذا الحدث الكئيب وهو إعلان دولة الكيان الصهيوني، واحتلاله لأرض فلسطين في عام 1948، ومرَّ على هذا الحدث (74) عاماً، فإنّ من الضروري الإشارة إلى أنّ إرادة المقاومة والانتصار، قد تولدت مع وجود هذا الكيان. فلكلّ فعل، رد فعل مساوٍ له في الدرجة والاتجاه. أي توازت المقاومة وإرادة الانتصار، مع استمرار الاحتلال الصهيوني، خلال ثلاثة أرباع قرن، دون كلل أو يأس أو إحباط. ومن يقرأ تاريخ الاستعمار والمقاومة، يعرف أنه مهما طال هذا الاستعمار هنا أو هناك، فإنّ مآله ومصيره هو الاندحار، والهزيمة والرحيل، بشرط استمرار المقاومة. وكلما تصاعدت وتنوّعت المقاومة فإنّ النصر هو النتيجة الحتمية، ولنا في تجارب ذلك، خير تأكيد.
وباعتبار أنّ القضية الفلسطينية، هي القضية المحورية في المنطقة، وأنّ الصراع العربي الصهيوني، هو الصراع الرئيسي والمركزي والاستراتيجي، وهو صراع الوجود (إما نحن وإما الاستعمار)، وليس مجرد صراع حدود، كما يفضل الحكام «التطبيعيون»، تسميته للأسف، لذلك فإنّ هذه القضية تفرض نفسها على كل أحداث الإقليم كله، بل والعالم.
وواهم مَن يتصوّر أن تتحرّر فلسطين، بغير المقاومة والقوة. ولذلك فإنّ المقاومة تفرض إرادتها على المشهد. ولعلّ في معركة «سيف القدس» في العالم الماضي (2021)، وفي شهري أبريل/ مايو، خير مثال، بل إن أحداث القدس المتكررة، خير مثال آخر، فضلاً عن التطورات الحادثة في قدرات المقاومة في غزة والضفة، والحضور الجماهيري الفلسطيني في المشهد، وسط تأييد ودعم من أحرار وشرفاء الأمة العربية في كلّ قطر عربي، وأحرار وشرفاء العالم، خير مثال على حيويّة المقاومة واستمرارها.
إذن فإنّ من ينظر إلى شهر مايو، من كلّ عام، على أنه شهر النكبة التي أصابتنا، دون ربط ذلك بالنصر والانتصارات التي حدثت في هذا الشهر أيضاً، وعلى مدار بقية الشهور، كأنه يبحث عن الاكتفاء بذكر الحدث النكبة، وما يستتبع ذلك من إحباط. فالصحيح أنه من الضروري الحديث عن واقعة النكبة بفرض الكيان الصهيوني على المنطقة واحتلال فلسطين، حتى تظلّ الذاكرة الوطنية مشتعلة باستمرار دون نسيان، وربط ذلك بالمقاومة والانتصار.
ونذكر أنّ شهر مايو عام 2000، كان شهر الانتصار على الكيان الصهيوني، بقيادة حزب الله، الذي أجبر هذا الكيان على الرحيل من لبنان إلى غير رجعة وبلا قيد أو شرط، وأصبحنا على مشارف مرور ربع قرن على هذا الحدث، الذي كان له الأثر على استمرار المقاومة، حامية للبنان، في مواجهة الغطرسة الصهيونية والغطرسة الأميركية من ورائها.
وأتصوّر أنّ إقامة احتفال ضخم بذكرى مرور (25) عاماً على هذا الحدث، لكي تتولد لدى الأجيال الحالية والقادمة، إرادة الانتصار الحتميّ على مثل هذا المستعمر العنصري الغاصب للأرض، لهو أمر هام وضروري، الأمر الذي يسهم في تجديد الثقة في أنفسنا دائماً، وتجاوز الإحباط الذي يحاول العدو الصهيوني زرعه في نفوس أبنائنا، عبر اتفاقات «تطبيعية» مع نظم حكم، تستند في وجودها واستمرارها، على الدعم والتأييد والمساندة، من أميركا وأذنابها، بل من هذا الكيان أيضاً، للأسف!
في الوقت ذاته، لا يجب نسيان النصر العربي في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، على الجبهتين المصرية والسورية، في منظومة عربية غير مسبوقة، ومشهد عربي عظيم ولا ينسى. فمن كان يتصوّر أو يطرح أن العدو الصهيوني يمتلك من القوة، التي لا تقهر، قد أصبح واهماً، حيث كان يسوّق لأوهام لا تستند إلى حقائق هذا الشعب العربي الأبي المقاوم ضدّ الاستعمار. فالعدو الصهيوني هو أقرب إلى «عش العنكبوت»، الذي هو أضعف العشش، كما أشار إلى ذلك كثيراً، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
خلاصة الحديث، هو أنّ شهر مايو/ أيار، كما هو شهر تفجر فيه حدث توليد الكيان الصهيوني عام 1948، فهو شهر الانتصارات كما حدث في مايو 2000، على هذا الكيان. وعلينا أن نثق في أنفسنا، حيث إننا أمام عدو منزوع القوة الحقيقية، لأنه الغاصب والمحتل واللصّ، ويعيش داخل بيت يماثل «عش العنكبوت»، رمزاً للضعف والهشاشة، وهو إلى زوال في أقرب وقت حسبما أراه، بإذن الله، وباستمرار المقاومة، وبإرادة الانتصار.
كما أنه من دواعي التفاؤل، إتمام إنجاز استحقاق الانتخابات البرلمانية في لبنان/ بلد المقاومة، على خير، وبنتائج تستحق توليد الأمل في غد أفضل للبنان وشعبه الشقيق المقاوم.