kayhan.ir

رمز الخبر: 150166
تأريخ النشر : 2022May09 - 21:14

74 عاماً وما زالت "إسرائيل" تبحث عن الأمن المفقود

 

حسن لافي

أثناء الكرنفالية المليئة بالرسائل التطمينية للمستوطنين، يأتي فلسطينيان من دون سابق إنذار أمني، يهدمان بفأسهما معبد أكاذيب الأمن الإسرائيلية.

تمر "إسرائيل" منذ الـ 22 من شهر آذار/ مارس الماضي بحالة من فقدان الشعور بالأمن لدى مستوطنيها، على وقع العمليات الفدائية الفلسطينية المتتالية التي بدأت من بئر السبع، والتي على إثرها شرعت "إسرائيل" في تعزيز إجراءاتها الأمنية لحماية "العمق الإسرائيلي" والوجود العسكري لها في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية، إلى درجة بات من المألوف رؤية جنود "الجيش" الإسرائيلي ببزّاتهم العسكرية داخل المدن الإسرائيلية، وكل ذلك من أجل إعادة الثقة لدى الجمهور الإسرائيلي بقدرة المؤسسة الأمنية والعسكرية على توفير الأمن، الركيزة الأساسية للمشروع الصهيوني.

في ظل أجواء فقدان الشعور بالأمن لدى الإسرائيلي، أتت ذكرى تأسيس "إسرائيل" الـ74، المناسبة الأهم في الأجندة الإسرائيلية القومية، التي حشدت فيها "إسرائيل" كل الأدوات والوسائل في هذا العام، بدءاً من العروض العسكرية، مروراً بالاحتفالات التكريمية لجنود "الجيش" الإسرائيلي، إضافة إلى إبراز قوتها على المستوى الدبلوماسي من خلال العديد من التهنئات المصوّرة من قادة دول العالم الكبرى، فضلاً عن إبراز برقيات التهنئة من دول التطبيع العربي، ولم يغب المستوى الاجتماعي عن ذلك التحشيد، حيث امتلأت المتنزهات والحدائق بحفلات الشواء، وكل ذلك جرت مواكبته بتغطية إعلامية مباشرة، لنقل صورة القوة والسيطرة والأمن لكل مستوطن إسرائيلي، من أجل إثبات أن "إسرائيل" (دولة اليهود) طبيعية في المنطقة، آمنة وقوية، تحتفل بذكرى استقلالها المزعوم كأي دولة أخرى في العالم.

أثناء هذه الكرنفالية الإسرائيلية المليئة بالرسائل التطمينية للمستوطنين، يأتي فلسطينيان من دون سابق إنذار أمني، يهدمان بفأسهما معبد أكاذيب الأمن الإسرائيلية على هذه الأرض.

لذلك كان من الطبيعي أن تسعى "إسرائيل"، في ظل ما يمكن تسميته (متلازمة العمليات الفدائية الفلسطينية) في الفترة الأخيرة، إلى التنفيس عن أزمة فقدان الشعور بالأمن، من خلال وضع شاخص وعنوان لإفراغ حقدها وأزماتها البنيوية تجاهه، من أجل إعادة ثقة المستوطنين بالدولة وبقدرة أجهزتها الأمنية والعسكرية على توفير الأمن، لكن تبقى الخيارات محدودة لتحقيق هذا الهدف:

الخيار الأول: الضفة الغربية

 لا يوجد عنوان فلسطيني كبير ومميّز في الضفة حتى الآن، في حال اغتياله أو اعتقاله، يمكن ترويجه في "الشارع الإسرائيلي" على أنه فعل أمني خارق، ويرمّم شتات هيبة الأمن الإسرائيلي في أعين مستوطنيه. حتى في حال الذهاب إلى خيار اجتياح مخيم جنين، كعملية عسكرية كبيرة، واضح أن ذلك بكل ما يحمله من تبعات سياسية وخسائر بشرية إسرائيلية، لن يفيد في منع العمليات الفدائية الفلسطينية، لكون أغلبيّتها عمليات فردية تستفيد من البيئة المقاومة، ولكن من دون ارتباطات تنظيمية. ورغم أن منفّذَي عملية إلعاد الفدائية من منطقة جنين، كما أعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية، لن تبتعد المخططات الإسرائيلية تجاه جنين عن عملية "كاسر الأمواج"، التي ينفّذها "الجيش" الإسرائيلي بعد عمليتي ضياء حمارشة ورعد خازم الفدائيّتين.

الخيار الثاني: أراضي عام 48

نعتقد أن التعقيدات في الداخل المحتل عام 48 أكبر وأكبر؛ فمن جهة، القيام بهجمة أمنية كبيرة هناك، معناه إسقاط الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت، لكون القائمة العربية الموحدة لن تستطيع الصمود أمام غضب الشارع الفلسطيني هناك، وبالتالي ستُجبَر على الانسحاب من الائتلاف الحكومي، ومن جهة أخرى، وهي الأهم، أن تلك الحملة الأمنية ستصبُّ زيتاً على نار الحراك المشتعل في الداخل المحتل منذ معركة سيف القدس، من خلال توسيع دائرة المشاركة في الفعل الوطني الفلسطيني ضد دولة الاحتلال العنصرية، وإدخال فئات شعبية وقطاعات جماهيرية جديدة من فلسطينيي الـ48 إلى ساحة المواجهة، وهي ما زالت حتى الآن تراقب حالة الغليان في الداخل المحتل من دون الانخراط فيها.

الخيار الثالث: العودة إلى سياسة الاغتيالات في غزة

رغم أن تنفيذ عملية اغتيال ليحيى السنوار، قائد حماس في غزة، سيسجّل إنجازاً مهماً لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت عجز عن تنفيذه بنيامين نتنياهو نفسه، ما زالت غزة تمثّل بالنسبة إلى الاستراتيجية الإسرائيلية أم المشاكل وعقدة من دون حلّ حتى الآن. فرغم اقتناع المؤسّستين العسكرية والسياسية بأنهما قادرتان على تحقيق اختراق كبير على مستوى إعادة الثقة الأمنية لدى المستوطنين، في حال استطاع "الجيش" الإسرائيلي تنفيذ عملية اغتيال صامتة أو حتى علنية لإحدى شخصيات المقاومة الفلسطينية، وخاصة يحيى السنوار ومحمد الضيف، اللذين حاول الاحتلال في الأيام الثلاثة الأخيرة من معركة سيف القدس في أيار/ مايو الماضي الوصول إليهما لتحقيق صورة نصر تنهي بها "إسرائيل" المعركة، الأمر الذي لم يتحقق.

لكنّ التقديرات الإسرائيلية تدرك من دون أدنى شك أن ثمن أي اغتيال لأي قائد من قادة المقاومة هو الحرب المفتوحة فوراً، وهنا تُطرح جملة من الأسئلة أثناء النقاش الأمني والسياسي الإسرائيلي: هل الحرب في مثل هذه الظروف الأمنية التي تواجهها "إسرائيل" ستعزّز الحالة الأمنية الإسرائيلية أم ستزيدها صعوبة؟ وهل "إسرائيل" والجبهة الداخلية الإسرائيلية قادرتان على دفع فاتورة هذه الحرب في هذا التوقيت وراغبتان في ذلك؟

الإجابة عن هذه الأسئلة لم تُحسم بعد من قبل صُنّاع القرار الأمني والسياسي في "إسرائيل" من وجهة نظرنا، فهناك حالة شعبية وإعلامية إسرائيلية متصاعدة تدفع بالمستويين السياسي والأمني إلى الذهاب إلى خيار العودة إلى سياسة الاغتيالات في قطاع غزة، حتى ولو بثمن الحرب، ودافعهما إلى ذلك أن سياسة عزل غزة عن الكل الفلسطيني في الضفة والقدس والداخل المحتل عام 48، من خلال استراتيجية الاحتواء الاقتصادي والمعيشي لغزة، قد فشلت، والدليل الأكبر على ذلك معركة سيف القدس التي دخلتها غزة من دون أي مطلب خاص بها، فضلاً عن أن مواقف فصائل المقاومة أكدت في أكثر من محطة، خلال العام الأخير، تمسّكها بربط غزة بكل الجبهات الفلسطينية الأخرى من خلال وحدة مواجهة ومصير مشترك، لذلك لا فائدة إسرائيلية تُرجى من الاستمرار في سياسة الاحتواء، بل إن البعض الإسرائيلي اعتبر أن المقاومة في غزة استغلّت سياسة الاحتواء الإسرائيلية وما نتج عنها من معادلات اشتباك بين غزة و"إسرائيل"، بأن تتحول غزة إلى منطقة محصّنة ضدّ الاستهداف الإسرائيلي، في الوقت الذي نجحت فيه غزة في أن تتحول إلى رافعة مقاومة مهمة وشريك حارس لجميع الجبهات المقاومة الفلسطينية المشتعلة في الضفة والقدس وأراضي الـ48، ولذلك أصحاب هذا التوجه في "إسرائيل" يرفعون شعار (لن تنعم غزة بالسلام، ما لم تنعم تل أبيب بالأمن)، وفي هذا السياق لا يمكن إغفال نزعة الانتقام والثأر المتأصّلة في العقلية الإسرائيلية التلمودية، فأحد أهم أسباب الاغتيال لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية هو الانتقام بحدّ ذاته، حيث العقيدة الأمنية والدينية الإسرائيلية مبنيّة على أنه لن يتم إغلاق ملف أيّ عملية فلسطينية إلا بقتل كل من شارك فيها، لما يحمله ذلك من تأثير قوي على زيادة الشعور بالقوة والقدرة لدى المستوطن الإسرائيلي الذي يعاني من عقدة الأمن طوال الوقت.

في المقابل، هناك توجّه أكثر واقعية داخل "إسرائيل"، مصدره الأساسي من داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، يدرك، لما لديه من معلومات وتقديرات، أن أيّ مواجهة مع غزة في هذه الفترة، ستمنح الكل الفلسطيني فرصة أخرى لتكريس وحدة الجبهات الفلسطينية، وخاصة مع زيادة التوتر في المسجد الأقصى المبارك، إضافة إلى أن ذلك يضع "إسرائيل" في موقف الحرب على الجبهات كافة في آن واحد، بما فيها الجبهة الإقليمية، الأمر الذي تتحاشاه دوماً المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فضلاً عن اقتناع "الجيش" الإسرائيلي بأن الحسابات السياسية الحزبية الضيّقة تلعب دوراً مهماً في تنامي الحالة الشعبية والإعلامية الضاغطة للذهاب نحو عملية اغتيال في غزة، رغم أن وجهة نظر العديد من المسؤولين الأمنيين في "إسرائيل" هي أن تنفيذ عملية اغتيال لأحد قادة المقاومة في غزة لن يوقف العمليات الفدائية، بل سيزيد من تصاعدها على المدى القصير، ولن يمنعها على المدى البعيد.

الموضوعية تؤكد أن "إسرائيل" ومنظومتها الأمنية والعسكرية في ورطة حقيقية، وأن عملية إلعاد وجّهت لها ضربة في توقيت حسّاس وظروف أمنية أكثر حساسية، وذات تأثيرات استراتيجية، ليس على الحكومة والمؤسّسة العسكرية الإسرائيلية فحسب، بل تخطّى ذلك إلى التأثير على جوهر المشروع الصهيوني، فما زالت "إسرائيل" حتى بعد 74 عاماً من احتلالها للأرض الفلسطينية، تبحث عن خيارات وسبل لتوفير الأمن لها ولمستوطنيها، ولم تنجح بعد.