الأزمة الروسية الصهيونية..وقضايا الأمم
إيهاب شوقي
مع تنامي الخلاف الروسي الإسرائيلي، وبوادر الدخول في أزمة علنية غير مسبوقة في علاقات الاتحاد الروسي مع كيان العدو، تبرز قضية هامة إلى عناوين الأحداث وفي عقول المهمومين بالمقاومة والتحرير، وهي كيفية استثمار ذلك لصالح القضية الفلسطينية وقضايا المقاومة.
ولا شك أن كثيرا من الانتقادات التي طالت روسيا رغم دورها الكبير في حماية وحدة الأراضي السورية وصداقتها مع محور المقاومة، هو علاقاتها بالكيان الصهيوني وتمريرها لانتهاكات العدو واستباحته للأجواء الروسية واقتصار وجود تفاهمات مع هذا العدو على حماية الوجود الروسي فقط.
إلا أنه ومع التمادي في الانتهاكات كان لروسيا مواقف متقدمة في التعاون مع الجيش العربي السوري في حماية الأجواء الروسية بتسيير دوريات مشتركة، وكذلك مساندة سياسية في التنديد بالانتهاكات الصهيونية والإعلان عن رفضها.
ومع بداية العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا، كان للعدو موقفا انتهازيا حاول فيه الموازنة بين روسيا وأمريكا، إلا أنه ومع تقدم العمليات وملابساتها، بدت مواقف العدو تنكشف وتعلن انحيازها الصريح لأمريكا، ومؤخرا، تكشفت الكثير من الأمور التي فضحت التعاون بين النازيين في أوكرانيا وبين العدو الصهيوني، وانتشرت فيديوهات المرتزقة الصهاينة المحاربين في صفوف كتائب أزوف.
كما اتخذت الأزمة أبعادا رسمية بتراشق للتصريحات على مستوى وزارتي الداخلية الروسية والصهيونية، حيث صرح لافروف بأن هتلر له أصول يهودية وأن هذا لم يمنع كونه زعيما للنازية، فيما استشاط وزير الخارجية الصهيوني من هذه التصريحات الفاضحة للصهاينة ورد عليها ردودا خشنة، مما عمق الأزمة الدبلوماسية بين العدو وروسيا.
وهنا نحن بصدد ثلاثة عناوين، نود مناقشتها باختصار، وهي علاقة الصهيونية بالنازية، وعلاقة روسيا بالعدو، وكيفية استثمار هذه الأزمة لصالح القضية الفلسطينية وصالح المقاومة.
أولا: علاقة الصهيونية بالنازية:
رغم محاولات الصهاينة لخلق مظلومية تاريخية و"هولوكوست" وابتزاز العالم بهذه القضية وبمسميات مثل معاداة السامية، إلا أن التاريخ المدقق يكشف علاقات اليهود بالنازية والتي لا تقتصر على جذور أدولف هتلر اليهودية بل على تعاون نازي في إنشاء الكيان الصهيوني.
وقد كشف كتاب "هتلر مؤسس إسرائيل" هذه العلاقة بين النازيّين واليهود الصهاينة الغربيّين، والتي توطّدت لأسباب كثيرة، فاليهود الغربيون، أي من يسمون بالاشكنازيين يحتلون مكانة أعلى من اليهود الشرقيّين، أي من يسمون بيهود شرق أوروبا، في المرتبة اليهودية.
وقد وصف اليهود الأشكناز في الولايات المتحدة الأمريكية المهاجرين اليهود الشرقيين بالرعاع الذين يغرقون أمريكا، أما هؤلاء فقد اشتكوا من أن اليهود الأرستقراطيّين استجوبوهم كما لو كانوا مجرمين لدى دخولهم أمريكا.
واعتبر باحث القضايا العرقية البروفيسور "هانس غنتر"، أن تسعة أعشار يهود العالم أشكناز. وتوصل في كتابه "علم العرق" الصادر في العام 1923 إلى الاستنتاج التالي: تؤكد المراقبة والأبحاث أن انتشار اليهود بين الشعوب غير اليهودية يسبّب قلقاً دائماً ويزيد من شدّة العداء بين اليهود وغير اليهود إلى درجة الكراهية. ويعود فهم ذلك إلى الصهاينة. فهم يرون أن إلغاء حال تعايش اليهود والشعوب غير اليهودية هو السبيل الوحيد إلى ترتيب العلاقات بين الجانبين.
وعرف البروفيسور "هانس غنتر" هتلر وكتب تصوراته، وشدّد مؤلف الكتاب على حقيقة مفادها أن هتلر في حربه ضد يهودية الشرقيين كان يتلقى التمويل من يهود نيويورك. وبفضلهم وحدهم تمكن الحزب النازي من العمل. وما يزال هؤلاء اليهود حتى اليوم يرفضون منح اليهود من الشرق مكاناً في مقابرهم، وحتى ولو كانوا يعيشون منذ ثلاثة أجيال في الولايات المتحدة الأمريكية. ولما كان حلّ المشكلة اليهودية يكمن من وجهة نظر هتلر في إيجاد دولة يهودية، فإن الحزب النازي أعلن عام 1933 أنه بغض النظر عن إرادتنا تصفية النفوذ اليهودي، فإن أمن اليهود وحياتهم غير مهدّدين من جانب الدولة والقانون، ويمكن حل المشكلة اليهودية بصورة قانونية فقط عندما نتولى إنشاء دولة يهودية، وهكذا غادر عشرات آلاف اليهود الشرقيين، الذين تدفقوا إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، أراضي الرايخ. ذهب الكثيرون منهم إلى فلسطين التي كانت تحت الحماية البريطانية، والتي وعد وزير الخارجية البريطانية بلفور في عام 1917 بتخصيصها كوطن لليهود المشردين في العالم.
ومؤخرا تم الكشف عن رموز للسحر الأسود في مقرات كتائب أزوف وهي نوع من السحر استخدمه النازيون وحركات يهود الكابالا الصهيونية، مما يدل على علاقات عضوية وليست سياسية فقط!
ثانيا: علاقة روسيا بالعدو:
لا شك ورغم الاختلافات بين روسيا وبين الاتحاد السوفياتي، إلا أن هناك مشتركات مركزية ظلت موجودة، ومنها أن الكيان الصهيوني جزء من المشروع الغربي المعادي للروس بصرف النظر عن شكل النظام الروسي وحجم كيانه وايدلوجيته، ورغم النهج البرغماتي الذي اتبعه الاتحاد الروسي بعيدا عن الايلوجية السوفياتية، إلا أن العلاقات الروسية الإسرائيلية لا تقارن بعلاقات الكيان مع أمريكا، وربما توصف بأنها علاقات مهادنة وبراغماتية.
وقد شكل التخلي الرسمي العربي على مستوى الأنظمة عن القضية الفلسطينية وتوجهه للتطبيع مع العدو، تراجعا كبيرا للانخراط الروسي في القضية الفلسطينية وكسبه كطرف صديق في مواجهة المحاولات الأمريكية الصهيونية لتصفية القضية.
ولا شك أن أكبر جبهات الاحتكاك المباشر بين روسيا والعدو يقع في سوريا وقد حافظ الطرفان على عدم الصدام المباشر، ومؤخرا بدت الحرب الروسية الأوكرانية كمحطة صدام مباشر بين الطرفين.
ثالثا: كيفية استثمار هذه الأزمة لصالح القضية الفلسطينية وصالح المقاومة:
تمثل علاقات الصداقة بين محور المقاومة وروسيا والتي تصل للتحالف في بعض الجبهات ضد التكفيريين، بذرة لتحالف أوسع قد يشمل جبهات أكثر تقدما، وملفات أكثر اتساعا ولكنها تتطلب عدة شروط:
1- السعي لدفع روسيا إلى تأطير ممارساتها بإطار أيديولوجي متعلق بحركات التحرر الوطني، وهو مصلحة روسية يفتح لها مزيدا من الأبواب في افريقيا التي بدأت تضج من الممارسات الاستعمارية الغربية وبدأت تتوجه بالفعل شرقا، ولا شك أن حالة بلد مثل "مالي" معبرة تماما بعد الغائها التعاون مع فرنسا وفتحها الباب للتعاون مع روسيا.
وهو ما يمكن البناء عليه في محور المقاومة وتعميق التعاون وصبغه بصبغة التحرر الوطني وهو مصلحة للطرفين.
2- بروز دور شعبي ضاغط على الأنظمة التطبيعية والعودة للتضامن مع القضية المركزية وهو ما يجبر الأنظمة على ان تكون علاقاتها مع روسيا القاصرة على الاقتصاد والتسليح الجزئي، شاملة أيضا للبعد الفلسطيني ومساندة روسيا الصاعدة بقوة لتكون سندا دوليا وعسكريا وهو ما سيعطي القضية زخما سياسيا كبيرا ويحد على الأقل من اليد المطلقة للعدو في انتهاكاته، كما سيخلق وضعا تنافسيا مع أمريكا مما يجبرها على الضغط على العدو وكبح جماحه .
ان المعركة الوجودية مع العدو تتطلب حشدا كبيرا ولو كانت بعض الفئات لا ترى أن روسيا صديقا، فعليها أن تتبني على قاعدة "عدو عدوي.. صديقي"، وهي قاعدة بدأت في التشكل ويبدو أنها ستتعمق، ولكنها بحاجة إلى مزيد من الدفع السياسي والتأطير ووضع أبعاد أيديولوجية لها، نرى من المهم مناقشتها مع الروس.