kayhan.ir

رمز الخبر: 149480
تأريخ النشر : 2022April23 - 21:25

كيف يمكن ان نضغط نحن اللبنانيين على الأميركيين؟

شارل ابي نادر

لِأول وهلة بعد قراءة هذا العنوان، يظن المتابع ان هناك جنوناً في طرح هكذا سؤال، حيث لا يوجد عاقل ليفكر بان لبنان قادر على الضغط على الاميركيين، والذين يوزعون ضغوطهم وتسلطهم وهيمنتهم على مروحة واسعة من الدول، في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من مشاكل وصعوبات وعقد مستعصية وانهيارات لا تحصى ولا تعد، وتقف سلطته عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من ضرورات الشعب والدولة والناس، حتى الخبز، اصبحت سلطاته غير قادرة على ضمان ايصاله للمواطنين، فكيف يصلح هذا الامر الغريب: "لبنان يضغط على الاميركيين"؟

طبعا، ومن خلال دراسة المعطيات التي تجعل من دولة قادرة ان تضغط على دولة اخرى، تدخل هنا مقارنة  كل العوامل الإقتصادية والمالية والسياسة والعسكرية وغيرها، والتي تميز دولة عن اخرى،  وتصبح عند دراستها ومقارنتها، الامور واضحة ولا لبس فيها وتحدد من هو القادر على الضغط وعلى التفوق على الآخر استنادا الى معادلة علمية واضحة.

في الواقع، هذا الأمر لا يمكن اعتباره معادلة ثابتة نهائية بشكل كامل، فهو يحمل بعض الاستثناءات ولو كانت نادرة جدا، ولكن احداها تكمن في حاجة الطرف الأقوى الى الطرف الاضعف، في موضوع معين او في ملف محدد، حيث اذا استطاع الأخير استغلال هذه الحالة، واستفاد من الظروف التي تجعل من الطرف الأقوى يلجأ اليه، يكون في ذلك قد إخترق معادلة "الاقوى مقابل الاضعف".

 حاليا، تخوض واشنطن مواجهة صعبة ومعقدة وحساسة ضد روسيا، تقوم على فعل المستحيل لافشالها في عمليتها العسكرية الخاصة في اوكرانيا، وهي في هذا المجال، بالإضافة للدعم غير المحدود الذي تقدمه لاوكرانيا، عسكريا وماليا وسياسيا وديبلوماسيا، تضغط على اغلب الدول الحليفة معها او المرتهنة لها او المحتاجة اليها، لتقدم ما تستطيع من مجالات الدعم ايضا لاوكرانيا.

من جهة أخرى، عملت وتعمل واشنطن على تكوين جبهة عالمية من اكبر عدد ممكن من الدول، لتكون ضد  روسيا، خاصة من الدول التي هي بالاساس قريبة من الروس او غير عدوة لهم، كدول حليفة او صديقة او محايدة حتى، وفي هذا الإطار، نفذت واشنطن حملة ديبلوماسية واسعة، باشراف مباشر من الرئيس بايدن او من نائبته كاميلا هاريس، قادها ونفذها وزير خارجيتها بلينكن، لتأليب تلك الدول ضد موسكو، على خلفية عملية الاخيرة في اوكرانيا، وبانها، وحسب ادعاء الاميركيين، تجاوزت القوانين الدولية بتنفيذها اعتداءً واضحاً على اوكرانيا، ومن بين هذه الدول المستهدفة بالحملة الديبلوماسية الاميركية، من كان على خلافات سياسية واسعة مع واشنطن، او من كان معاقبا من الاخيرة مثل كوبا وفنزويلا، او خصما وغير قريب في السياسة معها مثل الجزائر، والهدف، محاولة تأمين مصادر طاقة دولية، ولو بشكل جزئي، لتكون بديلا عن الطاقة الروسية التي تشكل حتى الان، مصدرا رئيسيا لاوروبا، ومصدرا ثانويا ايضا للأسواق الاميركية.

ضمن هذه المحاولات الاميركية مع هذه الدول المذكورة، توصل الأميركيون لبعض التفهم من هذه الدول ، بعد ان عرضوا تقديم تنازلات غير بسيطة، في السياسة وفي الغاء العقوبات ووقف الضغوط الاميركية المختلفة عنهم، والتي طالما كانت متواصلة على تلك الدول لعشرات السنوات، وقد نجحوا الى حد ما مع بعضها، حيث الجزائر رفعت من كمية انتاجها وتصديرها بنسبة غير بسيطة، وفنزويلا تدرس مع الاميركيين عبر لجان اقتصادية مشتركة هذا الامر، وكوبا انخرطت معهم في مفاوضات اقتصادية وسياسية غير واضحة نتيجتها حتى الان، وهذا التحول، قد يحصل بسبب حاجة هذه الدول لمتنفس اقتصادي ومالي يحتاجونه بقوة، ولكن كما يبدو، هناك التزام واضح من هذه الدول، بانها لن تنحرف ضد روسيا سياسيا، فقط يبقى الأمر في إطار تامين نسبة معينة من الطاقة للاسواق الغربية، او على الاقل،  قدمت هذه الدول وعودا والتزاماتٍ بتأمين ذلك في المستقبل القريب، عندما تنهي الأسواق الغربية كل ارتباطاتها والتزاماتها تجاه الغاز والنفط من روسيا.

لبنان اليوم، يعيش وضعا اقتصاديا وماليا وسياسيا مضغوطا بشكل غير مسبوق، وهذا الامر برعاية واشراف واشنطن بشكل اساسي، والتي تناورعبرهذه الضغوط لجعله يرضخ في ملفات اقليمية اساسية، منها محاولة التطبيع مع "اسرائيل"، او على الاقل بان يوافق على توسيع اتفاقات او بروتوكولات امنية وعسكرية غير مباشرة مع الكيان، بحجة الحدود المشتركة ومندرجات القرار 1701، بالاضافة طبعا للملف الرئيسي من وراء هذه الضغوط، والذي يهدف الى رضوخ لبنان لتسهيل وإنهاء ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني بشكل مناسب للإسرائيليين، وتسريع إطلاق انتاج الغاز من الحقول اللبنانية وحقول فلسطين المحتلة، وتأمينه لاوروبا باسرع ما يمكن، والهدف طبعا تضييق فجوة النقص في الغاز بعد فك التزامات الاوروبيين مع موسكو في ذلك.

فماذا يمنع لبنان من ان يستغل هذا الأمر، وطبعا من دون ان ينخرط باي التزام سياسي له علاقة بالكيان ، او بالتنازل عن حقوقه في الارض او الثروة او المياه، فقط  يناور لناحية التهديد بانه سوف يفك كل ارتباطاته السياسية والاقتصادية مع الغرب، ويغيّر من توجهاته وارتباطاته في هذه الجوانب نحو الشرق ، حيث كل من روسيا والصين وايران، قدمت له مروحة واسعة من العروض المغرية والمجدية، لناحية  امتلاكه اسلحة نوعية يحتاجها جدا لتقوية دفاعه ضد "إسرائيل" ، وفي إنشاء معامل كهرباء استكمالا لعروض جدية حصل عليها من روسيا ومن ايران ايضا، وفي اعادة اعمار مرافئه ومنشآته الصناعية وبنيته التحتية وخطوط المواصلات والنقل، ايضا تنفيذا لعروض جدية من الصين ومن روسيا، طالبا  تحريره من الضغوط الاميركية في  السياسة وفي الاقتصاد واستجرار الطاقة وفي التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وطالبا حصوله على حقوقه من  ثروته في البحر، والمثبتة بشكل واضح استنادا للقوانين الدولية وقوانين البحار وطرق احتساب وترسيم المياه الاقتصادية الخالصة للدول.