إردوغان مع الأسد.. لا مصالحة إلا بعد العرب و"إسرائيل"
حسني محلي
المصالحة مع دمشق ستعني بالنسبة إلى إردوغان تخلّيه عن حساباته ومشاريعه الاستراتيجية.
لاقى الخبر الَّذي نشرته صحيفة "حرييات" الموالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 3 نيسان/أبريل الماضي اهتماماً واسعاً في معظم وسائل الإعلام العربية، إذ ذكرت الصحيفة "أنَّ السلطات التركية تُجري مناقشاتها بهدف الحوار مع الحكومة السورية، من أجل إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها".
لم تنتبه وسائل الإعلام ومن كتب فيها إلى ما جاء في الخبر، إذ قيل "إنَّ تركيا، في جميع اتصالاتها بالإدارة السورية، تؤكد 3 أمور أساسية، هي السيادة ووحدة الأراضي السورية، وضمان حياة اللاجئين العائدين إلى بلادهم، ومنع حزب العمال الكردستاني التركي من أي نشاط في سوريا".
وتسيطر أنقرة، خلافاً لما يؤكّده الرئيس إردوغان في كل مناسبة، على نحو 10% من الأراضي السّورية، وهو ما يتناقض مع مقولة السيادة ووحدة التراب السوري، كما أنَّها تقدّم كلّ أنواع الدّعم لعشرات الآلاف من مسلّحي ما يسمى "الجيش الوطني" الذي تمَّ تأسيسه في تركيا، وتدفع مرتبات كلّ عناصره.
يُضاف إلى ذلك اعتراض أنقرة على تحرير الجيش السوري إدلب وجوارها، من دون أن تبالي بالاتهامات الموجّهة إليها في ما يخص العلاقة مع جبهة "النصرة" الإرهابية التي تضمّ آلاف المسلحين الأجانب، والتي تحصل على كلّ احتياجاتها من تركيا القريبة من إدلب.
أما في ما يتعلّق بعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، فقد كتب وتحدّث الكثيرون، من بينهم قادة الأحزاب السياسية التركية، عن عرقلة أنقرة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي تقول لهم إنَّ الوضع المعيشي والأمني في سوريا سيئ جداً، وتقوم بتلبية احتياجات كل السوريين المقيمين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي غرب الفرات وشرقه، إذ قال وزير الدفاع خلوصي آكار سابقاً إنَّ "تركيا تلبّي احتياجات 9 مليون سوري، 3.5 مليون منهم في تركيا، والباقون داخل سوريا".
وتعتقد أنقرة أنَّ الموقف التركي هذا "يساهم في زيادة شعبية إردوغان في سوريا عموماً". أما في ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، والمقصود به "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، فالجميع يتذكَّر كيف كانت أنقرة على علاقة وطيدة مع صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وسعت كثيراً لإقناعه حتى صيف 2015 "بالتمرد على الدولة السورية مقابل وعود بتلبية مطالبه في سوريا الجديدة بعد إسقاط النظام في دمشق".
كما يعرف الجميع أنَّ أنقرة، وبحجة المليشيات الكردية المذكورة، نجحت في إقناع واشنطن وموسكو بالسماح لها في تشرين الأول/أكتوبر 2019 بالتوغل شرق الفرات والسيطرة على شريط حدودي بطول 110 كم، وبعمق يصل إلى 30 كم في بعض المناطق، وهو ما ساعد القوات التركية على وضع يدها على مواقع استراتيجية في المنطقة، كما هو الحال في منطقة عفرين بعد السيطرة عليها في آذار/مارس 2018.
ويفسر كلّ ذلك عدم التزام أنقرة بتعهّداتها في اتفاقيتي سوتشي وموسكو الخاصتين بإدلب والوجود التركي العسكري شمال سوريا عموماً، على الرغم من احتمالات المواجهة الساخنة مع الجيشين السوري والروسي في المنطقة، كما جرى في شباط/فبراير 2020.
كما يفسر حديث الرئيس إردوغان الدائم عن رفضه أيّ حل للأزمة السورية، من دون الاعتراف بالدور التركي الأساسي في هذا الحل الَّذي يجب أن يلبي الشروط التركية بالتنسيق والتعاون مع المعارضة السورية، السياسية منها والمسلحة، وهي جميعاً تتحرك وفق الأجندة التركية المدعومة قطرياً، وهو ما يستغله الرئيس إردوغان في مجمل مساوماته مع كل الأطراف المهتمة بالملف السوري إقليمياً ودولياً، وخصوصاً مع استمرار مواقفها الحالية التي يمكن تلخيصها بعدم الاستعجال في اتخاذ أيّ قرار حاسم لإغلاق هذا الملف.
ويرى الرئيس إردوغان في الموقف الإقليمي والدولي هذا مصدر قوة بالنسبة إليه، ما دامت العواصم العربية ليست متشجعة على المصالحة مع الرئيس الأسد، وهو لن يفكّر في مصالحته إلا بعد أن يصالحه زعماء الدول العربية الرئيسية، وفي مقدمتها مصر والسعودية والأردن وقطر.
والمصالحة في مفهوم الرئيس إردوغان هو أن يتّصل هؤلاء الزعماء وآخرون غيرهم بالرئيس الأسد، ويتبادلوا الزيارات معه، ويفتحوا سفاراتهم في دمشق برضا إسرائيلي، كما فعلوا جميعاً (إردوغان أيضاً) مع الانقلابي عبد الفتاح البرهان، وتخلوا معاً عن عمران خان بتعليمات أميركية!
بعبارة أخرى، لن يقوم الرئيس إردوغان بأيّ مبادرة تجاه دمشق ما دام يرى في الأسد "والياً تابعاً له"، ويرى نفسه "السلطان العثماني"، والقول هنا للأسد، وهو ما ذكّر به الرئيس قيس سعيد الأسبوع الماضي، عندما ردّ على تصريحات إردوغان الذي وصف قراره بحلّ البرلمان بأنه "انقلاب"، فقال: "تونس ليست إيالة (ولاية)، ولا ننتظر فرماناً (من السلطان العثماني)".
ولا نتجاهل مساعي الرئيس إردوغان للمصالحة مع القاهرة والرياض وأبو ظبي، والتي اتهمها شخصياً بالتآمر على تركيا، في الوقت الذي لم يقم الرئيس الأسد والدولة السورية بأيّ عمل عدائي ضد تركيا التي أثبتت خلال تصرفاتها الأخيرة أنها ترجّح "إسرائيل" بنظامها الإرهابي على الجارة سوريا، التي دخلت عبرها إلى المنطقة العربية بعد الزيارة الأولى لرئيس الوزراء عبد الله غول إلى دمشق في بداية العام 2003.
ورغم أنّ غول، وحتى داوود أوغلو الذي قيل عنه آنذاك إنه مهندس السياسة الخارجية التركية، أصبحا في الخندق المعادي لإردوغان، فقد بات واضحاً أن احتمالات المصالحة التركية مع الرئيس الأسد لن تكون سهلة أبداً بالنسبة إلى الرئيس التركي.
ويرى إردوغان في مثل هذه المصالحة اعترافاً منه بهزيمة مشروعه العقائدي (الإخواني)، وإن تخلى عنه خلال مساوماته مع "تل أبيب" (حماس والفلسطينيون عموماً)، والقاهرة (إخوان مصر)، والرياض وأبو ظبي.
يضاف إلى ذلك أن المصالحة مع دمشق ستعني في الوقت نفسه تخليه عن حساباته ومشاريعه ومخططاته الاستراتيجية، وخصوصاً بعد أن أقام شبكة من العلاقات العسكرية والاستخباراتية والسياسية المعقّدة والمتشابكة مع قطاعات وفئات سورية واسعة جداً، وأن التخلي عنها لن يكون سهلاً بالنسبة إلى أنقرة (ماذا ستفعل بعشرات الآلاف من المسلحين؟) التي ترى في الشمال السوري امتداداً للجغرافيا التركية، وعمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني والقومي، وهو ما يكرره المسؤولون الأتراك منذ بدايات الأزمة السورية، ولاعبها الرئيسي هو إردوغان، ويبدو واضحاً أنه لن يتخلى عن هذا الدور حتى النفس الأخير، ما دام لم يطلب منه أحد ذلك، والرئيس الأسد لن يفاجئه بزيارة أنقرة!
إردوغان ينتظر مواقف العواصم العربية، والأهم "تل أبيب"، لأنه يعتقد، بل يؤمن، بأنها لن تبادر إلى أي مصالحة مع الأسد، هذا بالطبع إن لم يكن قد اتفق معه عبر هرتسوغ وابن زايد على ذلك، وإلا فالمصالحة مع سوريا يجب أن تكون أولوية بالنسبة إلى إردوغان والآخرين، هذا بالطبع إن لم يكونوا معاً رهن إشارة "تل أبيب"، المستفيد الوحيد من سنوات "الربيع العربي" الدموي، والذين كانوا معاً خلاله في خندق واحد ضد الرئيس الأسد، وباعترافات حمد بن جاسم الذي ما زال متحسراً، لأن "الصيدة فلتت منهم"، واصطيادها من جديد يحتاج إلى أكثر من معجزة!