بعد هزيمتها في أفغانستان.. هل تنتقم أميركا من باكستان؟
حسني محلي
واشنطن التي لا تخفي عدم ارتياحها من موقف نيودلهي ايضا في موضوع أوكرانيا يبدو انها تخطط للعودة إلى أفغانستان من جديد عبر البوابة الباكستانية التقليدية.
دخلت باكستان مرحلة مهمة وحاسمة في حياتها السياسية بعد أن أفشل رئيس الوزراء عمران خان المخطط الأميركي لإطاحته بالتنسيق مع أحزاب المعارضة، وفشلت الأخيرة بدورها في مساعيها لحجب الثقة عن حكومة خان. وجاء الردّ سريعاً من خان بالاتفاق مع الرئيس علوي، فقررا حل البرلمان وإعلان انتخابات برلمانية مبكّرة خلال ثلاثة أشهر. التطورات الأخيرة جاءت بعد تصريحات خان الذي اتّهم فيها واشنطن بـ"التآمر عليه لأنه رفض منحها قواعد عسكرية" قرب الحدود مع الصين، بينما يعرف الجميع أن ذلك لم يكن السبب الوحيد الذي أغضب واشنطن وحلفاءها التقليديين، كالسعودية والإمارات، إذ سبق أن رفض خان المشاركة في الحرب على اليمن، وسعى لتطوير علاقات بلاده بإيران وروسيا والصين، وأرسل إشارات مهمة للانفتاح على دمشق.
وكان امتناع إسلام آباد عن التصويت على مشروع قرار غربي "يدين روسيا، بسبب عدوانها على أوكرانيا"، سبباً آخر لغضب واشنطن التي راحت تبحث عن وسائلها التقليدية للتخلص من عمران خان، وهو ما فعلته دائماً ضد كل من يرفض أوامرها.
فقد شهدت باكستان، منذ استقلالها عن الهند عام 1947، أربعة انقلابات عسكرية، أهمها الذي أطاح حكم الاشتراكي ذو الفقار علي بوتو في الـ5 من تموز/يوليو 1977، وأعدمه العسكر في نيسان/أبريل 1979، بعد استلام الشيوعيين للسلطة في الجارة أفغانستان، وحدودها مع باكستان نحو 2600 كم من الجبال الوعرة. وكانت هذه الحدود ممراً لنقل المقاتلين الأجانب والعتاد العسكري إلى المجاهدين الأفغان، الذين كانوا يقاتلون القوات السوفياتية، إلى أن غادرت البلاد عام 1989.
ودخل المجاهدون الأفغان بعدها في صراعات دموية من أجل السلطة إلى أن ساهمت المخابرات الباكستانية، ومعها الأميركية والسعودية والإماراتية، في تشكيل حركة "طالبان" (1992)، وإيصالها إلى السلطة في أيلول/سبتمبر 1996، بعد أن ساعدت أسامة بن لادن، على نحو مباشِر وغير مباشِر، على تأسيس تنظيم "القاعدة". وجاء انقلاب الجنرال مشرف في تشرين الأول/أكتوبر 1999، في الوقت الذي كانت علاقات أميركا تشهد توتراً جدياً مع "طالبان"، وذلك قبل عامين من أحداث 11 أيلول/سبتمبر، كأًن واشنطن كانت على علم مسبّق بهذه الأحداث التي تحجَّجت، بها فاحتلت أفغانستان في تشرين الثاني/نوفمبر 2001، ونهبت ثرواتها لمدة عشرين عاماً.
وكانت باكستان دائماً المخفّر الأميركي المتقدم لكل عملياتها العسكرية خلال احتلال أفغانستان وبعده، وهو ما نفَّذته واشنطن من قواعدها في قطر، وكان تلفزيونها "الجزيرة" لسان حال "طالبان" وأسامة بن لادن إلى أن تخلّص منه الأميركيون في بدايات الربيع العربي في أيار/مايو 2011، قرب الحدود الأفغانية مع باكستان، كما تخلصوا من زعيم "داعش" أبي بكر البغدادي في الـ27 من تشرين الأول/أكتوبر 2019، قرب الحدود السورية مع تركيا. ويدفع ذلك إلى الحديث عن القواسم المشتركة بين باكستان بالنسبة إلى أفغانستان، وتركيا بالنسبة إلى سوريا، فكِلتا الدولتين (باكستان وتركيا) كانت مدعومة من السعودية والإمارات وقطر وأنظمة الخليج الأخرى، وبإشراف تامّ من الأميركيين حلفاء الجميع.
فالحدود التركية والحدود الباكستانية كانت ساحة للعمليات العسكرية التي تبنّتها واشنطن ضد أفغانستان، باعتراف كيسنجر وهيلاري كلينتون، وضد سوريا باعتراف حمد بن جاسم، وسبقه في ذلك نائب الرئيس الأميركي جو بايدن (أيام رئاسة أوباما)، حينما قال في الـ 5 من تشرين الأول/أكتوبر 2014، "إن مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة، الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات وغيرهما، وكان همهم الوحيد هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، فشنّوا حرباً بالوكالة بين السُّنّة والشيعة، وقدّموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة، إلى كل الذين يَقبلون مقاتلة الأسد، بمن فيهم عناصر "القاعدة" و"داعش" وأمثالهما".
وهذا ما يؤكده حمد بن جاسم في كل مقابلة يُجريها، بحيث يتحدث عن تحالف سعودي – أميركي – قطري – تركي، ويحمّله مسؤولية نقل كل المسلحين الأجانب والعتاد العسكري إلى الداخل السوري، عبر الحدود مع تركيا، كما كانت الحال عليه عند الحدود بين باكستان وأفغانستان لمدة أربعين عاماً على الأقل.
واشنطن، التي لا تُخفي عدم ارتياحها إلى موقف نيودلهي أيضاً في موضوع أوكرانيا، يبدو أنها تخطط من أجل العودة إلى أفغانستان من جديد عبر البوابة الباكستانية التقليدية، بعد التخلص من عمران خان. وثانياً، تريد أن تبعث رسائل تهديدية واستفزازية إلى العدو التقليدي لإسلام آباد، أي الهند، بعد أن شهدت علاقاتها هي أيضاً تطورات مثيرة بكل من الصين وروسيا، على أن تتحول حدود باكستان مع إيران إلى مصدر قلق جديد، بعد إطاحة عمران خان وتشكيل حكومة جديدة مدعومة من العسكر. ويعرف الجميع أن هناك عدداً من الجنرالات الموالين لأميركا على الرغم من بيان الأركان الذي قال "إن الجيش ليس طرفاً في التطورات السياسية".
وتريد واشنطن للمؤسسة العسكرية أن تساعدها في سبيل العودة إلى حساباتها الخبيثة في باكستان، وعبرها في أفغانستان، وعبرهما في دول الجوار، وبصورة خاصة إيران والصين. ومن خلال ذلك، ستعود إلى حساباتها التقليدية من أجل التسلل إلى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، المجاورة لأفغانستان والقريبة منها، وهي جميعاً بمثابة الحديقة الخلفية لروسيا، التي جرّب الأميركيون حظهم معها في أحداث كازاخستان الأخيرة، ولن يترددوا في تكرارها في أوزبكستان وتركمنستان وقرغيزيا. ويتطلّب ذلك في نهاية المطاف إقامة حكم مُوالٍ، بصورة مطلقة، لواشنطن في إسلام آباد، حتى يتسنى لها ترتيب أمور الشرق الأوسط بعد أن نجحت في فرض المعادلة الإسرائيلية على الجميع، بالاتفاق النووي أو من دونه، على أن تبقى روسيا الهدف الأكبر لأميركا وحليفاتها، التي تعتقد أنه عبر إبعاد موسكو عن حلفائها التقليديين، كسوريا وإيران واليمن وحزب الله والجزائر، سيتسنى لها تضييق الحصار على روسيا عبر حدائقها الخلفية التقليدية، وأهمها آسيا الوسطى والقوقاز، وبعد ان فشلت في أوكرانيا، وبعد انتصار حلفاء بوتين في انتخابات الأحد في كل من صربيا وهنغاريا.
ويبقى الرهان على التطورات المحتملة ومفاجآتها في إسلام آباد، التي إن تحولت، بسلاحها النووي، إلى ساحة جديدة للتحركات الأميركية، فالعدو القادم سيكون هذه المرة الصين وروسيا معاً. كأن واشنطن تخطط ضربَ عصفورين بحجر واحد، بعد أن غرّدا معاً في أوكرانيا، وعبرها في أوروبا وأماكن متعدّدة من العالم، حيث الفشل الأميركي ما زال مستمراً، وعلى سبيل المثال في أفريقيا وأميركا اللاتينية.
بناءً على ذلك، فإن الصحوة الأوروبية لن تكون مستبعَدة، بعد أن ورّط جو بايدن الدول الأوروبية في أزمتها الخطيرة (اقتصادياً واستراتيجياً) مع موسكو، ويعرف الجميع أن لا خيار أمام زعيمها بوتين إلاّ النصر.
وكان عمران خان الشاهد الأول على هذا القرار الروسي، بحيث التقى الرئيس بوتين في الكرملين في اليوم نفسه الذي اجتاحت فيه القوات الروسية الحدود مع أوكرانيا. وكانت هذه الزيارة السبب الأهم في الغضب الأميركي، وخصوصاً بعد أن أعلن خان، وهو أوّل رئيس وزراء باكستاني يزور روسيا منذ 23 عاماً، الاتفاق مع موسكو بشأن عدد من القضايا الاستراتيجية، وأهمها في مجالات الطاقة والقمح، ومبدئياً الصناعات العسكرية، ومنها صواريخ أس -400، التي باعتها روسيا لتركيا والهند.
وفي جميع الحالات، تُرشِّح كل هذه المعطيات باكستان لمرحلة حساسة، ما دامت المؤسسة العسكرية (خلافاً لتركيا التي حسم فيها إردوغان السيطرة) لا تزال مؤثّرة في الحياة السياسية، وهي تملك عناصر التدخل لإطاحة أيّ حكومة تسعى للحد من صلاحياتها، ليس فقط في الحياة الاقتصادية، بل في علاقاتها الخارجية بالحليف التقليدي واشنطن، (ورهاناتها لن تكون سهلة بعد الآن مع نمو الشعور الوطني والشعور القومي حتى لدى قطاعات واسعة من الجنرالات)، التي تحدّاها عمران خان. وإذا غضب فقد يعطي قنابله النووية لإيران!