kayhan.ir

رمز الخبر: 148154
تأريخ النشر : 2022March15 - 20:16

مملكة القمع: حقوقٌ مسلوبة وعزاءٌ مسروق

 

لطيفة الحسيني

يُلازم النظام السعودي وحشيّته. ثابتٌ على اعتناق استبدادٍ لا يمنحه سوى رتبة "سفّاح الدرعية". مجزرة "السبت الدامي" صورة جليّة عن حجم الطُغيان الحاكم. 81 رأسًا قُطعت ودُفنت سرًّا لأنّ "فرعونًا" ارتأى أنها ضالّة. الجريمة لم تعُد تخفى، بل باتت مفضوحة أكثر.

لا أساليب أو ألاعيب تستطيع خداع الرأي العام اليوم. محمد بن سلمان بنظر العالم مجرم وقاتل. والإعدامات التي كادت أن تلامس المئة تُضاف الى سجلٍّ أسودّ في اليمن والداخل، ومع أبرياء القطيف والأحساء زاد "قتامةً".

المظلومية تتمدّد اذًا. لم تنتهِ قصة التنكيل والاضطهاد التي عاشها قاصرون زُجّوا في الزنازين وهم لا يفقهون أبعد من بيوتهم ربّما. بعد ارتقاء 41 شهيدًا من القطيف والأحساء أُعدموا بُهتانًا، تجدّدت المعاناة مع عوائلهم أيضًا. هؤلاء وجدوا أنفسهم أمام قمع يطال حزنهم. ماذا يحصل؟ ولماذا ترتعب أجهزة السلطة من إقامة عزاء في المنطقة الشرقية عمومًا والقطيف خصوصًا؟

عضو لقاء المعارضة في الجزيرة العربية حمزة الشاخوري يتحدّث لموقع "العهد الإخباري" عن آخر ما ألمّ بأبناء بلده. من موقعه كشقيق لشهيد (الشهيد محمد علوي الشاخوري) سقط في المجزرة الأخيرة يستعيد المُصاب، فيُشير الى أن أخاه احتُجز في نيسان/أبريل 2017، قضى الشهور الأولى من الاعتقال رهن السجن الانفرادي حيث تعرّض فيها للتعذيب الشديد والضرب والركل والحرمان من العلاج وعدم تسليمه الأدوية التي كان يرسلها له الأهل، فظلّ يعاني من آثار التعذيب حتى فترة قريبة (قبل 6 أشهر من الارتقاء).

 الصبر بادٍ في كلام الشاخوري، فهو يقول "الحمد لله أننا انتمينا الى هذه القافلة المُباركة لعوائل الشهداء والتي نسأل أن يجعل بركات وثمار دمائهم الخلاص من السلطة السعودية الغاشمة في بلاد الحرميْن التي تُذيق أمتنا العربية والاسلامية ويْلات وصنوف المؤامرات".

مملكة القمع: حقوقٌ مسلوبة وعزاءٌ مسروق

بحسب الشاخوري، لم تكن لدى ذوي المعتقلين هناك أيّة معلومات أو إشارات مُسبقة عن إمكانية تنفيذ هذا الحجم من الإعدامات، وجميعهم علِموا من الأخبار عبر الإعلام والتلفزيون الرسمي ما جرى، وهو ما حال دون أن يحظوا بنظرة وداع أو وصيّة أخيرة لأبنائهم، ودون أن يعرفوا كيف حصل الإعدام ولا متى ولا أين دفنوا ولا بأية طريقة تمّ اذا ما كان في قبر جماعي أو اذا ما غسّلوا وصُلّي عليهم.

يُبيّن الشاخوري أن بعض من تمّ إعدامهم لم تنتهِ اجراءات محاكمته، ولم تصدر حتى أحكام نهائية بحقّه، كما أن بعضهم كانت أسرته تنتظر نتيجة رفع الحكم الى المحكمة العليا من أجل التمييز، وهذه الاجراءات كلها لم تعلن عنها السلطة في الأصل.

وعليه، يرى الشاخوري أن "النظام السعودي لا يُقيم وزنًا لأيّة حقوق للمعتقل وأيّة اعتبارات إنسانية. القضاء غير مستقلّ، والمحاكمات سرية والمحامي أشبه بالمراسل ما بين أُسرة المعتقل والسلطات القضائية. المحكمة تمثّل السلطة وتُنفّذ رغباتها وطلباتها ولا تُتيح للمحامي أن يترافع بالشكل المطلوب، فيما تُعطي كل الفرص للمدعي العام الذي تقبل منه تقديم أدلّة مُنتزعة تحت التعذيب، فيما ترفض كلّ المستندات التي يرفعها السجين".

الأقسى في كلّ الحكاية هو تجدّد القمع. كلّ من يُقيم عزاء الشهداء بات هدفًا لأجهزة السلطة. الشاخوري يلفت في هذا السياق الى أن "الأمر تمّ تدريجيًا لأننا تراخينا وتهاونّا في رفض اجراءات السلطة والقفز عليها ومواجهتها، فهي تُخالف جميع الأعراف الانسانية والحقوق، وليس هناك شرعة وضعية أو دينية تُبيح لأي سلطة أو حاكم أن يُصادر جثمان الشهيد أو المعدوم حتى لو كان يستحق القتل"، غير أنه يجزم بأن "النظام أصبح يمنع مجالس العزاء لأنه يخشى أن تتحوّل لتعبيرٍ شعبي رافض لحكم التجريم الذي صدر بحقّ من أُعدموا، ما يعني أنها اذا أقيمت ستصبح رسالة اعتراض على عملية الإعدام نفسها وسياسات السلطة وهذا ما يدفعه الى ملاحقة كل من يفتحها".

السؤال المطروح هنا لماذا لا تُعيد السلطات جثامين الشهداء؟ يعزو الشاخوري الأمر الى خشيتها من أن تتحوّل مسيرات التشييع الى مظاهرات اعتراض واحتجاج وفرصة للتعبير عن المطالب الشعبية، فهي رصدت في مرات سابقة حين سلّمت جثامين شهداء سقطوا في ميادين التظاهر أو اغتيلوا في المداهمات في القطيف والأحساء، كيف تحوّلت قبورهم الى رموز ومشاعل، وأضرحة شهداء الانتفاضة الأولى عام 1979 لا تزال الى اليوم معالم تُزار ويُهتدى بها، وشهداء تلك المرحلة حاضرون بين الناس بسيَرهم وتضحياتهم ومؤثّرين كنهج، وعليه هذا ما يتخوّف منه النظام أن يتحوّل الشهيد الى منهج، لذلك يتوقّع أن يقضي على قضية الشهداء مع تغييب جثامينهم وعدم تسليمها ويتوقّع أيضًا أن يطوي الزمان قضيّتهم وهو ما لا يمكن أن يتمّ. هذه سياسة فاشلة والأهالي يلتفّون عليها عبر الحضور الرمزي والإحياء السنوي للذكرى في أماكن التجمّع المغلقة والحسينيات وفي الخارج أيضًا".  

من وجهة نظر الشاخوري، مرحلة الجنون السعودي بدأت قبل سنوات بعيدة. النظام اعتاد كلّما حوصر في المنطقة أو في العالم أن يُنفّس عن ذلك بالداخل، كونه الخاصرة الضعيفة، والكلّ يعرف أن محمد بن سلمان اليوم مرفوض دوليًا. لحظة الجنون الأخيرة هي ترجمةٌ لارتباك النظام من أيّة حركة اعتراضية للشعب تؤدي الى خلخلة الوضع الأمني العام، ولذلك اعتدنا منذ تسلّم الملك سلمان وابنه الحكم أن يُطالعانا بمجزرة بشعة كلّ 3 سنوات.