ثلاثة ملفات في المنطقة تتجه الى الحسم الوشيك
كمال خلف
خلال الأسبوعين الأخيرين غطى غبار الحرب في أوكرانيا على ما سواها من احداث إقليمية او محلية، واتجهت الأنظار نحو بؤرة مستجدة للنزاع في أوروبا بين قوى دولية، واذا كان لهذا النزاع بكل تأكيد تاثيراته على بقية دول العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي، فان لنتائجه تاثيرات عميقة حسب اغلب الخبراء على شكل النظام الدولي الحالي.
لكن الاهتمام ومحاولة تلمس التاثيرات لتلك الحرب على الدول والقوى في الإقليم، لم يوقف الاتجاه العام للسياسات ولم يعطل التحرك السياسي تجاه ملفات وازمات محلية وإقليمية، بمعنى ليس هناك تغيرات جذرية في شكل المقاربات السياسية في الاقليم بناء على تلك الحرب، ربما مرد ذلك ان النتائج النهائية لتلك الحرب لم تتضح معالمها بعد حتى الان.
وبعيدا عن الحرب شرق أوروبا ونتائجها وما يمكن ان تفرزه، نشير الى ثلاث مسارات محلية وإقليمية لها ابعادها الدولية شكلت بؤرة أزمات، وفي طريقها الان الى الحسم، واتضاح مالاتها.
اول تلك الملفات واهمها المفاوضات النووية في فيينا، الكل مجمع على ان الاتفاق هناك بات في متناول اليد، وهناك بعض العوائق التي يمكن تجاوزها اذا توفرت إرادة سياسية لذلك، اهم تلك القضايا العالقة مسالة الضمانات بخصوص احتمال تكرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق على غرار ما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب، لم تستطع إدارة بايدن تقديم التزام بهذا الشأن، فلا يمكن ان يقيد الرئيس الحالي في البيت الأبيض الرئيس المقبل، خاصة ان بادين يعرف تماما موقف الكونغرس الرافض للاتفاق “كامل الأعضاء الجمهوريين وعدد من الديمقراطيين”.
نجحت إدارة بايدن بتجنب رفض الكونغرس من خلال التأكيد ان الإدارة لا تبرم اتفاقا جديدا، انما هي اتفاقية ابرمتها إدارة الرئيس”باراك أوباما”، بيد ان الاتفاق النووي مع ايران وفق ذلك سيكون مصيره مرتبط حتما نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة أي ان الاتفاق لا يصلح ان يكون اتفاق طويل الاجل عمليا كما تطالب ايران، لذلك وجد الفريق الإيراني المفاوض ضمانات من نوع اخر وقدم مقترحات بخصوصها، وهي اثمان اقتصادية تشكل ضمانات في حال حدوث الانسحاب مجددا، وكانت ايران قد انتزعت مطلب رفع الحرس الثوري الإيراني عن قوائم الإرهاب الامريكية حسب بعض التقارير الواردة من فيينا.
وسيعكف المشاركون على اكمال مسودة الاتفاق واتخاذ القرار حول بعض القضايا الخلافية حال عودتهم الى فيينا بعد أيام وربما ساعات، الا ان بروز المطلب الروسي بضمانات مكتوبة من واشنطن بألا تؤثر العقوبات الغربية على موسكو سلبا على انتفاعها من اتفاق فيينا في علاقاتها التجارية والاقتصادية والعسكرية مع إيران،شكل تحدي جديد للاتفاق.
ربما وجدت موسكو الفرصة سانحة لجعل مرور الاتفاق ورقة ضغط بيدها تجاه واشنطن والدول الغربية. وقد تكون موسكو خشيت من دخول النفط الإيراني الى الأسواق العالمية بعد الاتفاق، ما يشجع الدول الغربية على فرض عقوبات على الخام الروسي. ويبقى السؤال معلقا، هل لدى موسكو نية لتاجيل الاتفاق في فيينا الى حين حسم الحرب في أوكرانيا؟، مع الإشارة الى ان وصول المراوحة الحالية الى يوم 20 اذار يعني ان توقيع الاتفاق سوف يؤجل تلقائيا اكثر من أسبوعين بسبب دخول ايران عطلة عيد”النوروز”، او ستقدم الإدارة الامريكية الضمانات المطلوبة لروسيا وتمضي بالاتفاق بسرعة خلال الأيام القليلة المقبلة؟ هذا سوف يتضح خلال بضعة أيام.
اما الملف الثاني متعلق بالتحضيرات التي تجري في بيروت لاجراء الانتخابات النيابية المقررة في شهر أيار المقبل. رغم تأكيد كل الأطراف السياسية والحكومية والحزبية على اجرائها في موعدها، والبدء الفعلي في الداعية الانتخابية، وتشكيل قوائم المرشحين، الا ان ثمة اعتقاد ان الانتخابات لن تجرى في موعدها، وقد يتم تاجيلها لموعد لاحق. قد يكون هذا الراي خارج السياق او معاكس للتيار والوقائع. الا ان هذا الراي يعتمد على جملة معطيات منها مسالة البرود السعودي وعدم الاهتمام الظاهر من قبل الرياض بمالات هذه الانتخابات. صحيح ان السعودية باتت تدعم ماديا وسياسيا رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع”، لكن في المقابل لا يمكن تلمس أي جهد سعودي لترتيب البيت السني، بعد دفعها زعيم تيار المستقبل، الممثل الأكبر للسنة في لبنان للتنحي عن الحياة السياسية، دون تامين او ترتيب أي بديل. هل تعرف الرياض مسبقا ان لا انتخابات ستجري في شهر أيار؟
المعطى الاخر هو تراجع الاهتمام الأمريكي بمسالة الانتخابات في لبنان، وعلى ذمة الراوي فان تقديرا مفصلا لدى السفارة الامريكية في بيروت يقول ان لا تغيير سوف يحصل في خارطة القوى بعد الانتخابات، وان ما كان مأمولا من قبل أمريكا وجماعتها في لبنان من قلب للطاولة عبر الدعاية المكثفة وشيطنة حزب الله، ولصق كافة التهم به، ومن ثم استثمار كل ذلك بالانتخابات، لم يعطي ثماره. وبالتالي يبدو ان الجانب الأمريكي يفقد التعويل على نتائج الانتخابات.
لا احد في بيروت يتحدث عن التاجيل بشكل علني، بعكس ذلك تماما الجميع يؤكد على الموعد المحدد لها، لكن ما يجري همسا في الاروقة المغلقة، قد يكون له الكلمة الأخيرة بهذا الشأن. ما علينا سوى الانتظار.
الملف الثالث هو جهود إعادة سورية للجامعة العربية وحضورها القمة العربية المقبلة بالجزائر. وان كان الملف محل جدل واخذ ورد قبل شهور بين العواصم العربية، الا ان الأسبوع الماضي شهدا حركا جزائريا، لايجاد حل يتعلق بهذه العقبة. وجال وزير الخارجية الجزائري “رمطان العمامرة” على العواصم العربية للتحضر لعقد القمة بعد تاجيلها بسبب اعتراض دولة اواثنتين على الغاء قرار تجميد عضوية سورية.
مقابل تحرك الجزائر بمساعدة دول عربية، تحركت المعارضة السورية في محاولة لوقف تلك الجهود وزار وفد وفد من “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة القاهرة الاحد الماضي وعقد اجتماعا مع الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط مطالبا بالتمسك بقرار الجامعة عام 2011 تجميد عضوية سورية. المعارضة ليست وحيدة، انما تعمل بترتيب مباشر مع قطر لمجابهة رغبة غالبية الدول العربية وإصرار الجزائر على إعادة سورية الى مقعدها.
وبات ملحا حسم هذا الملف لجهة حضور او عدم حضور سورية للقمة، فهل ستسلم الجزائر أخيرا بتاجيل هذا الملف والمضي بعقد القمة دون سورية، ام سوف تثمر جهودها في نهاية المطاف ؟ الملف برمته بات على المحك الان ولابد من حسمه.