kayhan.ir

رمز الخبر: 147715
تأريخ النشر : 2022March08 - 20:11

ما هي رسالة بوتين لأوروبا؟

 

 ناصر قنديل

– خارج إطار النقاش السجاليّ حول شرعية ومشروعية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتبرير العقوبات على روسيا او إدانتها، لا يستطيع الأوروبيون إنكار حقيقتين كبيرتين حملتهما حرب أوكرانيا؛ الأولى هي فشل أوروبا في محاولة صناعة مساحة وسطية قابلة للحياة وسط التجاذب الحاد بين واشنطن وموسكو، بعد محاولات بدأتها ألمانيا وفرنسا في سياق تداعيات الأزمة الأوكرانية منذ العام 2014، وترجمتها اتفاقات مينسك صيغة النورماندي، والثانية هي أن المواجهة الدائرة ليست مجرد أزمة روسية أوكرانية سقطت معها الحلول السياسية وتحولت حرباً، تستقطب دول العالم على ضفاف الصراع. فهي حرب عالمية كبرى تتوج سنوات من التراجع الأميركي والسعي الروسي لملء الفراغ أملاً باستعادة بعض المواقع التي خسرتها أمام عدائية أميركية متوحشة بعد انهيار جدار برلين واستضعاف روسيا بمعونة أوروبية. وفي هذه الحرب التي يكون ميدانها أوروبا للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، سترسم خرائط العالم الجديد، ومنها خريطة أوروبا، وانطلاقاً من أوروبا.

– سعت أوروبا على ضفاف الأزمة الأوكرانية خلال سنوات لبناء المنطقة الوسطى تحت شعار ينطلق من تشخيص تحفل به الوثائق الأوروبية للأمن الاستراتيجي، ويضعها بين معادلتي صناعة موازين القوى العسكرية، وضمان التدفق السلس للطاقة، وانطلقت النظرية الأوروبية من فرضية الجمع الممكن بين علاقة حوار وتفهم وطمأنة مع روسيا مقابل انضواء نظري في الحلف الأطلسي الذي تقوده واشنطن، على أن يترجم بحدود ضيقة عملياً، صار الميل لجعلها أضيق بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان بصورة مهينة للأوروبيين، أثارت شكوكهم علناً حول قدرة واشنطن على تمثيل الحليف الموثوق والجهة التي يمكن الاعتماد عليها، وخرجت في سياقها أصوات تطالب ببناء قوة اوروبية مستقلة عن التبعية لمعادلة الحماية الأميركية المفترضة.

– أجاب الأوروبيون، وفي طليعتهم الألمان، على سؤال التدفق السلس لموارد الطاقة بالصيغة المتممة لمعادلة منتصف الطريق بين واشنطن وموسكو، وجاء انبوب الغاز الجديد الذي انشئ بشراكة ألمانية روسية باسم ستريم الثاني أو السيل الشمالي، الذي عارضته واشنطن منذ البدء بتأسيسه والسير بتنفيذه وصولا للحظة التمهيد لوضعه قيد الخدمة. وأوروبا التي ستستفيد من هذا الأنبوب بضمان تدفق موارد الطاقة، وليست ألمانيا وحدها. وقد وضعت ألمانيا شرطاً على روسيا بمواصلة العمل بالسيل الجنوبي الآتي عبر تركيا وستريم الأول الآتي عبر روسيا البيضاء فبولندا، وخصوصاً الأنبوب الثالث الآتي عبر أوكرانيا والذي يرتب أكلافاً عالية على روسيا كعائدات مقطوعة لأوكرانيا، وقبلت روسيا سعياً منها للتسهيل في بناء هذه المساحة الوسطية الأوروبية.

– جاءت الحرب وأطاحت كل ذلك دفعة واحدة، ووجدت أوروبا نفسها تنساق في حملة هيستيرية شعواء ضد روسيا، وصولاً لحد التعبئة العنصرية ضد كل ما هو روسي، طلاباً وفناً وأدباً، وطالت العقوبات إقفال الأجواء الأوروبية أمام الطيران الروسي وإلغاء عقود تأجير أكثر من خمسمئة طائرة ايرباص، بالتوازي مع أكثر من مئتي طائرة بوينغ ألغى الأميركيون تأجيرها. وبدون حساب نسبة حجم الخسارة على من يصدر العقوبات ومن يتلقاها، لا تزال أوروبا في لحظة السكرة، فماذا عندما تأتي الفكرة؟

– لا يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين راغباً بالدخول في سجال مع الأوروبيين، تاركاً للأيام أن تصب مزيداً من الماء البارد على الرؤوس الحامية، وتبدو القيادة الروسية صفاً واحداً بتركيز المواجهة مع الأميركيين، واعتبار الحرب حرباً أميركية روسية على أرض أوكرانيا، التي خذلت حكومتها الأوروبيين كما ضحت ببلدها لتقدم لواشنطن ساحة الاشتباك، وتبدو الرسالة التي يثق الرئيس بوتين بأن الأوروبيين سيقرأونها ويفهمونها جيداً، ولو بعد حين، هي أن واشنطن التي هربت من ساحة الحرب، وقرّرت أن تقاتل حتى آخر أوكراني، واذا اقتضى الأمر حتى آخر أوروبي، هي ليست واشنطن التي يتوهم الأوروبيون أنها تحميهم، وهم ان كانوا يتحدثون عن الحماية الأطلسية فيقصدون الحماية من روسيا، مهما ناوروا وداوروا، وان لم تكن تحمي في مثل هذه الحالة التي تدور الحرب فيها على الأرض الأوروبية مع روسيا، فمتى ستحمي وما جدوى الرهان على هذه الحماية؟ والشق الثاني من الرسالة هو ان واشنطن القوية والغنية والتي توهمهم بأنها الممسكة بالاقتصاد العالمي، قد تمسك بلعبته المصرفية التي لا يحتاجها الأوروبيون، رغم أنها تلزمهم بالعقوبات التي تفرضها حتى على الشركات الأوروبية، لكنها لا تمسك بقطاع الطاقة، ولا بموارده، ولا هي قادرة على ضمان استقرار أسواقه، ولا ضمان تدفق سلس لموارده الى أوروبا، وموارد الطاقة عصب الاقتصاد والنمو والاستقرار الاجتماعي في أوروبا، وها هي حرب الأسعار تشتعل فماذا عسى الأوروبيين يفعلون، وتجيب موسكو على السؤالين بالقول، إن قدر أوروبا بقوة الجغرافيا ان تضمن أمنها والتدفق السلس لموارد الطاقة الى أسواقها، من بوابة حتمية وحيدة هي البوابة الروسية، وفقاً لمعادلة “جارك القريب ولا أخوك الأخ البعيد”.