kayhan.ir

رمز الخبر: 147444
تأريخ النشر : 2022March04 - 20:33

كيف أجهضت شراكة موسكو - بكين العقوبات؟

د. علي دربج

كان واضحًا أن صورة كلا الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني وشي جين بينغ معًا في أولمبياد بكين، عززت الشعور لدى الكثيرين في العالم بأن موسكو وبكين تتعاونان بالفعل لتقوية علاقتهما وإضعاف الولايات المتحدة وحلفائها.

تسببت العملية العسكرية الروسية بإلحاق ضرر جسيم بالسياسة الخارجية الشاملة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان يأمل في وضع سياسة روسيا على أسس "مستقرة ويمكن التنبؤ بها" ليتسنى له التركيز على المواجهة مع الصين. وإدراكًا منها أن التحدي الصيني يتطلب المقدار الكامل تقريبًا من موارد الولايات المتحدة، كانت الإدارة الأميركية تنوي استخدام رأسمالها السياسي مع الحلفاء الأوروبيين لحملهم على الانخراط في سياسة المحيطين الهندي والهادئ.

لكن هذه السياسة انهارت الآن بشكل شبه كامل، وما زال التهديد الصيني قائمًا.

إحدى أهم النتائج الكارثية (امريكيا) للعملية الروسية في اوكرانيا (الغربية) ستكون تصلّب الشراكة الروسية - الصينية، إذ بدأت روسيا الخاضعة للعقوبات تعتمد بشكل أكبر على الدعم الصيني، بما في ذلك مشتريات الصين من الطاقة الروسية والوصول إلى أنظمة الدفع الصينية. ورغم أن العقوبات الغربية على موسكو ألحقت الضرر بالأخيرة نوعًا ما، الا أن عزل روسيا ليس ممكنًا حقًا إذا استمرت الصين في توفير هذا المنفذ.

لا يخفى على أحد أن هذه الشراكة، كانت بمثابة القوة الدافعة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

كيف يمكن لروسيا أن تعتمد على دعم الصين للتسلح بسلاسل الإمدادات الغذائية العالمية؟

يمكن لـموسكو وبكين قريبًا أن تكون لديهما القدرة على قلب الاقتصاد العالمي وتغيير ديناميكيات القوة بشكل كبير في جميع أنحاء العالم (إذ اندمج اقتصادهما بعضهما البعض أكثر فأكثر)، لا سيما وان  اللبنات الأساسية لهذه الاستراتيجية موجودة بالفعل.

لا جدال أن الاتفاقية الصينية  ــ الروسية الأخيرة بشأن النفط والغاز، ستساعد في حماية روسيا من آثار موجعة للعقوبات عليها، وبالتالي ستؤدي الى تقليل النفوذ الاقتصادي الذي يأمل أعضاء "الناتو" أن يعطي مفعوله بشكل واقعي ضد روسيا.

من هنا، فإن الرد على هذه العملية الروسية، بالعقوبات، لا يعتبر أكثر من مجرد تقديم الأفكار و"الصلوات"، لا سيما بالنظر إلى وصول روسيا غير المقيد الآن إلى بعض الأسواق الصينية، فضلاً عن استخدامها للعملات المشفرة والذهب وأنظمة التمويل البديلة، إلى جانب مصادر أخرى من الإيرادات التي تقع خارج الأنظمة الخاضعة للعقوبات والمنظمة.

ببساطة، لا يسعى بوتين إلى استعادة الأراضي السوفياتية المفقودة، بل إنه عازم على استعادة النفوذ الروسي، ودفع التهديد الأطلسي عن بلده. في 4 شباط/ فبراير الماضي - في اليوم التالي للهجوم الإلكتروني على محطات النفط والغاز الأوروبية- أكد بوتين الحاجة الملحة لتقليل الاعتماد على روسيا في سلاسل توريد الطاقة.

توصل بوتين و"بينغ" إلى اتفاق تجاري جديد كبير في بكين يمكن روسيا من استخدامه بشكل فعال لتجنب تداعيات اختيار أوروبا عدم شراء المحروقات الروسية، بصفتها أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وأصبح بامكان الصين شراء كل ما تريد روسيا بيعه، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الروسي، وخلق الاعتماد المتبادل الذي قد يدفع الصين وروسيا للانضمام إلى القضايا العالمية الأخرى.

لكن صفقة النفط والغاز الصينية الروسية - رغم أهميتها القصوى - ليست في الواقع بنفس أهمية الصفقة الزراعية الجديدة.

تعد الصين، أحد أكبر مستوردي الحبوب في العالم، والآن ستستورد القمح المنتج في روسيا التي أصبحت حاليًا، أكبر مصدر للقمح في العالم.

في السابق، قيدت الصين الواردات الروسية لتشمل فقط سلعًا كالقمح والشعير اللذين يتم انتاجهما في مناطق معينة، ومعظمها في الأجزاء الشرقية من البلاد. وجاء العرض المتبقي لتلبية طلب الصين إلى حد كبير، من فرنسا وأستراليا وكندا. 

حاليًا تسمح هذه الاتفاقية (الروسية ــ الصينية) باستيراد الحبوب من أي إقليم روسي إلى الصين، مما قد يدفع الاتحاد الأوروبي وكندا واستراليا إلى الخروج من السوق، الأمر الذي وجه ضربة قاسية بشكل خاص الى كندا، التي انخفض انتاجها بعد عام صعب (من حيث المحصول) بأكثر من 34 في المائة في الناتج من عام 2020.

 

في الختام، إن الترتيبات الزراعية الصينية مع روسيا، جنبًا إلى جنب مع صفقة الهيدروكربونات، شكلت الضمان الذي احتاجته روسيا لحركتها دون الخوف من العقوبات الغربية. وبنفس القدر، تعد الصين أيضًا مستفيدًا رئيسيًا من هذه العملية العسكرية الروسية، ما يمنح بكين وصولًا أكبر إلى الإمدادات الروسية لتلبية الطلبات المحلية بطريقة تضعف المكانة الاقتصادية للدول المنافسة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، تسمح الصين لروسيا على نحو فعال، بالاستفادة من اتفاقها التجاري لشن هجوم على سلاسل الإمداد الغذائي العالمية، حيث تعزز هذه الشراكة طموحات الدولتين في التأثير العالمي.