المبعث النبوي الشريف.. يوم الهداية الكبرى ومولد الرسالة
أن المبعث النبوي الشريف هو بداية الإعلان الإلهي لبلوغ الإنسان مرحلة الرشد والنضوج التي تؤهله لمتابعة المسيرة بدون واسطة مباشرة أي بدون رسل وأنبياء يقومون بمهمة القيادة لهذه المسيرة البشرية.
وهذا يعني أن الدرجة المطلوبة ليغدو الإنسان قادراً على التصرف بما يحقق الغاية من خلقه قد تحققت كما أشار القرآن الكريم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً...).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾
يوم 27 رجب/13 قبل الهجرة النبوية الشريفة، يحمل ذكرى رسالة خالدة وولادة النور والرحمة اللالهية والهداية الكبرى، ففي هذا اليوم المبارك، بدأت البعثة وانطلقت الرسالة فالمبعث النبوي الشريف هو مبعث النور ومولد الرسالة والقرآن الكريم، وانطلاقة الحضارة الإسلامية، ثم أن هذا اليوم هو يوم عيد ليس فقط للأمة الإسلامية ولكن للبشرية جمعاء فبعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمت بركتها الكائنات.
عيد المبعث هو اليوم الذي بُعث النبيُّ الأكرم(ص) لهداية الناس، ودوّى في سمعه الشريف نداء إنك لرسول اللّه الصادر عن ملاك الوحي أُلقيت على كاهله مسؤولية كبرى وثقيلة جدّاً، على نمط الوظيفة الهامة التي أُلقيت على كاهل من سبقه من الأنبياء والرسل صلوات اللّه عليهم أجمعين، منذ ذلك اليوم اتضح هدف أمين قريش، أكثر فأكثر، وتجلت خطته أكثر فأكثر. أن المبعث النبوي الشريف هو بداية الإعلان الإلهي لبلوغ الإنسان مرحلة الرشد والنضوج التي تؤهله لمتابعة المسيرة بدون واسطة مباشرة أي بدون رسل وأنبياء يقومون بمهمة القيادة لهذه المسيرة البشرية. وهذا لا يعني أن انقطاع النبوة يعني انقطاع الرعاية الإلهية للبشر والحياة والكون. ولكن يعني أن الدرجة المطلوبة ليغدو الإنسان قادراً على التصرف بما يحقق الغاية من خلقه قد تحققت كما أشار القرآن الكريم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً...).
لذلك اختار الله تعالى أكمل خلقه للقيام بهذا الإعلان من خلال قيامه بإبلاغ البشر آخر رسالات ربهم إليهم والرسول الأعظم كان لابدَّ أن يكون أكمل البشر ليقوم بأعباء هذه المسؤولية الكبرى فهو إذ يؤدي إلى الناس أكمل رسالات ربه لابدَّ له أن يكون النموذج البشري الكامل من حيث تمثله الكامل لهذه الرسالة والتجسيد التام لها ليكون بعد ذلك نموذجاً وقدوة للناس من جهة وحجة عليهم من جهة أخرى.
لقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالنبوة، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث تلقی الرسول المصطفی (ص) اول کلمات الوحي الذي کان ينتظره ليحمل الی البشرية مشعل النور والهداية والرحمة. وكان أول من آمن بالرسول (ص) من الرجال علي (ع)، ومن النساء زوجته خديجة(ع)... وعن أبي ذرانه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: «أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق و الباطل....».
ثم أن الله سبحانه أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) ثم قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل أني بريء مما تعملون). الشعراء/214.
لقد بعث الله تعالى الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع يعتقد بالخرافة ويعبد الأصنام ويسجد للأوثان، فقد كان في كل بيت من بيوت مكة صنم يعبده أهل ذلك البيت، بل كان في جوف الكعبة نفسها وعلى سطحها أكثر من 360 صنما يُعبدون من دون الله، وقد كان العربي آنذاك يستبق سفره بالتمسح بالأصنام تبركا والتماسا للخير، كما يفعل ذات الأمر إذا عاد من سفره.
لقد كانت العصبية والنزاعات وحالات الاحتراب تسود في ذلك المجتمع ولأتفه الأسباب، كما جرى في حرب البسوس حيث أصاب شخص ضرع ناقة بسهم فقامت إثر ذلك حرب استمرت لأكثر من أربعين سنة قتل فيها الألوف. وعلى ذات المنوال جرت حرب داحس والغبراء بسبب خلاف على سباق بين فرسين، واستمرت هذه الحرب عشرات السنين هلك خلالها الحرث والنسل.
جاء النبي الأكرم وسط مجتمع كانت حياته حياة احتراب وعصبية وجهل وتخلف في مختلف المجالات وبحسب وصف الآية الكريمة (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ)، لقد كان مجتمعا معرضا للانتهاء والإبادة ومهددا بالعيش خارج التاريخ والحياة، فخلق منه هذا النبي العظيم مجتمعا جديدا وأمة متقدمة استطاعت أن تقود العالم خلال فترة قياسية من الزمن. إن في ذلك دلالة كبيرة على عظمة هذا الدين وهذا الرسول .
وفي هذا الصدد ايضا، قالت الصديقة فاطمة عليها السلام في خطبتها: «وكنتم علی شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسه العجلان، وموطئ الأقدام، وتشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله». وقالت عليها السلام: «فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عايدة لأوثانها، منكرة الله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، جلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم».
ولقد تحمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصيب كبير من التعذيب والاذى في سبيل ابلاغ الدعوة الاسلامية، فإنه كان كلما سمع أنَّه عُذِّب أو أوذيَ أحدٌ في سبيل دعوته تألَّم وتأثَّر، ولربما فاضت عيناه بالدموع إضافة إلى ذلك فقد كانت قريش تتعرض للنبي بالذات!
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقابل كلّ ذلك بصبر حكيم، وحلم قائد، وأناة نبيّ، فإذا جاءت إليه طائفة من الكفّار استقبلهم بكل طلاقة، ودعاهم إلى الدِّين بأحسن طريق، فإذا لبّوا دعوته يكون ذلك خيراً وإلاّ فإنه كان يطلب منهم أن يأتوا بمثل ما أتى به من القرآن ثم يتلو عليهم: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً « الاسراء/88 .ولطالما كانوا يسخرون منه ويستهزئون بدعوته، فكان يعظهم ويدعو الله لهم بالهداية دون أن يغضب أو يثور .وكان في بعض الأحيان يتجوَّل في العشائر والمجامع، ويدعو الناس إلى ربهم بيد أن كفار قريش كانوا يعرقلون طريق دعوته.
من هنا فإن ذكرى المبعث النبوي الشريف سوف تظل الذكرى المتجددة التي لا تنتهي حاجتنا منها إلى التأمل والاعتبار .. وبناء النفس وتربية الذات والانابة الى الله تعالى لتتحول هذه الذكرى في حياة المسلمين إلى محطة سنوية فيها لصاحب الذكرى نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كشف حساب انجازاتنا في سبيل قيام الأمة الاسلامية المظلومة التي أرسى صلى الله عليه وآله وسلم قواعدها.
نبارك للامة الاسلامية جمعاء ذكرى مولد النور ومبعث الرسالة عيد المبعث النبوي الشريف