العراق.. كرة الرئاسة في الملعب الكردي
عادل الجبوري
بلورت تفاعلات وتداعيات النتائج الجدلية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق التي جرت في العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر من العام الماضي، تصورًا مفاده أن عقدة العملية السياسية خلال المرحلة الراهنة، تكمن في الخلافات والتقاطعات الحادة بين قوى المكون الشيعي، وتحديدًا بين التيار الصدري الذي حصد ثلاثة وسبعين مقعدًا، وقوى الإطار التنسيقي المتمثلة بالأطراف المشكلة لتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف قوى الدولة بزعامة كل من السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي، وكتلة السند الوطني بزعامة أحمد الأسدي، وحركة عطاء بزعامة فالح الفياض، الى جانب كيانات أخرى صغيرة.
بيد أن الانفراج الحاصل بقبول الإطار التنسيقي لمخرجات العملية الانتخابية، بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج، خفف من حدة الأزمة، ونزع فتيلها، رغم بقاء التباين في المواقف بين الطرفين، بخصوص صيغة تشكيل الحكومة المقبلة وأسلوب ومنهج ادارة الدولة، في ظل اصرار زعيم التيار الصدري على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، عبر التحالف الثلاثي بين التيار وتحالف السيادة المؤلف من تحالفي تقدم بزعامة محمد الحبلوسي، وعزم بزعامة خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني. في مقابل رؤية قوى الاطار التنسيقي بضرورة الذهاب الى خيار التوافقات السياسية، باعتبار أن طبيعة ظروف المرحلة وتحدياتها تستوجب تحقيق أكبر قدر من التفاهمات والتوافقات لاحتواء وتطويق المشاكل والأزمات، والنجاح بمواجهة التحديات والتغلب على المخاطر والصعوبات.
ذلك الانفراج النسبي في البيت الشيعي - إن صح التعبير - كشف عن أزمة حقيقية وعميقة داخل البيت الكردي حول منصب رئاسة الجمهورية، التي لاحت بوادرها وملامحها بصورة أوضح بعد عقد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد وانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه. فبينما أعلن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافيل الطالباني - نجل الرئيس الراحل جلال الطالباني - أن برهم صالح هو مرشحه الوحيد للمنصب، طرح غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني، اسم القيادي فيه ووزير الخارجية والمالية الاتحادي الأسبق هوشيار زيباري لتولي المنصب، وقد ترافق ذلك مع حراك متواصل لكلا الطرفين، لحشد أكبر قدر من التأييد لمرشحيهما، وبالتالي لضمان توفر دعم غالبية ثلثي أعضاء البرلمان، كما نص على ذلك الدستور العراقي بمادته السبعين، التي أشارت الى أنه "ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسًا للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه"، و"إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات ويعلن رئيسًا من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني".
وفي ظل التجاذبات والاستقطابات القائمة، يبدو أن تأمين أغلبية الثلثين، أي 220 نائبًا من مجموع أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائبًا، مهمة عسيرة وشاقة للغاية في حال غابت واستعصت التوافقات، ولو بحدها الادنى.
ولم تتوقف تداعيات وتفاعلات الصراع والتنافس على منصب الرئيس عند ذلك، بل ان قرار المحكمة الاتحادية العليا، بقبول الطعن المقدم اليها بإلغاء ترشيح زيباري على خلفية ادانته بالفساد وسوء استغلال المال العام حينما كان يشغل منصب وزير الخارجية بين عامي 2004 و2014، تسبب بالمزيد من تأزيم الموقف، بحيث انه مع تمسك الاتحاد الوطني بترشيح برهم صالح، اقدم الحزب الديمقراطي على طرح مرشح بديل عن زيباري، وهو وزير الداخلية الحالي في حكومة الاقليم ريبر احمد، مستفيدًا من فتح هيئة رئاسة البرلمان باب الترشيح للمنصب مجددا، في خطوة اثارت هي الاخرى جدلًا واسعًا بشأن مدى دستوريتها، الامر الذي استدعى تقديم طعن جديد الى المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص.
وتؤكد أوساط ومحافل سياسية من بغداد واربيل، أن إصرار الديمقراطي على التنافس على منصب رئاسة الجمهورية، جاء كردة فعل على اصرار الاتحاد الوطني على ترشيح برهم صالح تحديدًا دون غيره، لأسباب ودواع غير واضحة بما فيه الكفاية لدى الكثير من المتابعين والمراقبين.
وما هو معروف، وتم تداوله على نطاق واسع، هو أن الحزب الديمقراطي عرض جملة خيارات ومقترحات على الاتحاد لاحتواء الازمة، بيد أن الأخير بقي متشبثًا بموقفه وخياره. وبحسب أوساط مطلعة، فإن رئيس الحزب مسعود البارزاني، طرح تلك الخيارات والمقترحات بوضوح على الأمين العام للاتحاد بافيل الطالباني خلال اللقاء الذي جمعهما في مقر اقامة البارزاني بمنطقة سره رش بمصيف صلاح الدين في العاشر من شباط - فبراير الجاري، والتي تمثلت إما بقبول الاتحاد بالمناصب الوزارية التي هي من حصة الاكراد في الحكومة الاتحادية المقبلة مقابل التخلي عن منصب رئاسة الجمهورية، أو تقديم مرشح توافقي بديل، وسحب المرشحين الحاليين. وقبل ذلك كان متداولًا اسم القيادي المخضرم في الاتحاد الوطني ووزير الموارد المائية الأسبق في الحكومة الاتحادية عبد اللطيف رشيد لتولي المنصب كبديل توافقي، وهذا ما تحركت باتجاهه بعض الشخصيات القيادية في الاطار التنسيقي وحاولت اقناع الطالباني بهذا الخيار، بيد أنها لم تصل الى نتيجة ملموسة.
ويرى حزب الاتحاد أنه في حال خرج منصب رئاسة الجمهورية من حوزته وذهب الى الحزب الديمقراطي بخلاف الاتفاق المبرم بين الطرفين قبل بضعة أعوام، فإنه يفترض أن تتحول رئاسة الاقليم من الديمقراطي الى الاتحاد. وطبيعي أن حزب البارزاني لن يقبل بهذا الخيار مهما كانت الظروف، وسيحتج بالأرقام الانتخابية، سواء التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية العامة، أو الانتخابات المحلية في اطار الاقليم.
لا شك أن خيار "كسر العظم" بين الفرقاء الأكراد، لن يقتصر في أبعاده وآثاره السلبية على حدود المكون الكردي، بل سيمتد الى عموم المشهد السياسي للبلاد، وهذه المرة، قد تكون الأمور أسوأ مما تسببت به معركة الرئاسة عام 2018، وانتهت بفوز برهم صالح على حساب مرشح الديمقراطي فؤاد حسين.
وما هو مؤكد، أنه بقدر ما يؤثر موضوع رئاسة الوزراء المحصور بأطراف البيت الشيعي، ومعه آلية تشكيل الحكومة المقبلة على هوية رئاسة الجمهورية، فإن الأخيرة تؤثر هي الأخرى في تحديد هوية رئيس الوزراء. بعبارة أخرى، التوافقات بإطارها الواسع يمكن أن تحدد مسارات ومخرجات معينة، والتقاطعات والاختلافات كفيلة بفرض مسارات ومخرجات من نوع آخر. وكل ذلك متداخل ومتشابك ومترابط مع بعضه البعض سواء تحاور الفرقاء أو تصارعوا، وكلمة الفصل حتى وإن جاءت من هذا المكان أو ذاك، فإنها في نهاية المطاف ستكون نتاج حراك كل الأماكن والعناوين والاشخاص.