السيِّدة زينب (عليها السلام) والدور الرسالي
سيرة السيِّدة زينب (عليها السلام) العطرة ومواقفها العظيمة الجليلة نموذجاً للمرأة المسلمة، تأكيداً من أنّ الإسلام احترم جهاد المرأة وحركتها الرسالية، ولم يمنعها من أن تقف مع الحقّ وتدافع عنه، وتكون جديرة بأن تصل إلى أن تؤدي دور خلافة الله في أرضه، وأنّ المرأة يمكن لها أن تصل إلى درجة التكامل مع الحقيقة الإنسانية. إنّ دور زينب (عليها السلام) البطولي يجعل الإنسان – كلّ إنسان – يحترم ويعظّم هذه المرأة التي يعجز عن مماثلتها كبار الرجال وعظماء الأبطال، وأن يقف المجتمع أمام هذه التجربة الرائعة والدرس المعبِّر والموجِّه، بأنّه كما يمكن للرجل أن يكون الحسين (عليه السلام)، فالمرأة المسلمة يمكن لها أن تكون زينب (عليها السلام).. وإذا كان الحسين (عليه السلام) نموذجاً للأبطال وغاية لسير الرجال، فزينب (عليها السلام) أيضاً هي نموذج للنساء.. وكما الرجل المسلم يتمكّن من أن يكون بطلاً ومجاهداً، المرأة المسلمة أيضاً تتمكّن أن تكون بطلة ومجاهدة؛ ولكن كلّ ما في الأمر أنّ هذا وذاك بحاجة إلى الإيمان وإلى القوّة التي كانت عند الحسين (عليه السلام)، وعند زينب (عليها السلام)، وبحاجة إلى أن يشعروا بأنّهم بقُرب الله حتى لا يخافوا ولا يحزنوا (أَلا إنّ أولِياء اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يحزَنُون) (يونس/ 62). وانطلاقاً من واقعة كربلاء يجب الانتباه إلى كلّ كلمة من كلمات الحسين (عليه السلام)، فهو حينما خرج وقال: «لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي ما استطعت، أريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وهو بهذه الكلمات اختصر مهمّته، وغاية خروجه واستشهاده، وفي هذه الكلمات اتضحت الحقيقة والغاية النبيلة لمهمّة الحسين (عليه السلام)، فهي حركة الإصلاح التي أرادها بالكلمة الطيِّبة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هي ثورة الحقّ التي بدأها حتى نال الشهادة، وأتمت المسار والطريق، وسارت على دربه أخته الحوراء زينب دون أن تحيد عنه، حاملة إرث جدّها وأُمّها وأبيها وأخويها، إرث الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يثنها عن ذلك إنّها امرأة، بل كان جلّ أمرها تحقيق أهداف الحسين (عليه السلام)، والوصول إلى رضى الله سبحانه وتعالى، ونصرة الحقّ والوقوف معه. السيِّدة زينب (عليها السلام) قبلت المهمّة والدور الذي أراده الله لها، الدور الذي صرّح عنه سيِّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، حين سُئل عن اصطحابه النساء حين قال: «شاء الله أن يراهنّ سبايا»، فهي مشيئة الله التي كانت في جهاد زينب (عليها السلام) في سبي زينب (عليها السلام)، والنسوة اللواتي قمن بالدور المطلوب منهنّ، وهذا الدور الذي حملته زينب (عليها السلام) ورفيقات الدرب، هو أسمى الأدوار بعد شهادة الحسين وأهل بيته وأصحابه، هو دور كشف النقاب عن هذه الواقعة الغريبة في تاريخ الإسلام، هنّ أردن أن تكون رسالتهنّ كشف النقاب عن هذه الواقعة أمام العالم كلّه، فصارت زينب (عليها السلام) القدوة والقائدة الرائدة. هي مهّدت ووجّهت ودعت النسوة أن يرفعن صوت الحقّ في وجه السلطان الجائر مهما علا شأنه ومهما ملك من قوّة. هذه الدعوة التي وجهتها زينب (عليها السلام)، وحملت رايتها قامت بها راضية مرضية، قانعة بمشيئة الله، هي أدت بذلك الدور الإعلامي الكبير في إخبار العالم الإسلامي كلّه عن حقيقة واقعة كربلاء ومأساة كربلاء، وحقيقة ثورة الحسين (عليه السلام). كان دور السيِّدة زينب (عليها السلام) أن تكمّل ما بدأه الإمام الحسين (عليه السلام)، وكيف هو أثر الإيمان، وما معنى العزّ والجهاد. فكانت كأخيها الحسين تقف موقف القوة واللامبالاة بالموت والجرح والعطش، هذه المواقف بحد ذاتها بارزة عند زينب (عليها السلام) والنساء. السيِّدة زينب (عليها السلام) خرجت في واقعة كربلاء في المقدمة والنسوة يسرن خلفها، والأعداء ينظرون إلى زينب (عليها السلام) ما هو فعلها أمام الشهداء، فقد وصلت إلى جسد سيِّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) المقطع، المغطى بالسهام والسيوف والرماح والحجارة، جاءت وقفت عنده ونفضت الحجارة، وأزاحت الرماح والسيوف، ثم رفعت جسده الطاهر بكلتا يديها وقالت: «اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان». هذا الموقف العظيم لزينب (عليها السلام) جسدت من خلاله أسمى معاني البطولة، فالحسين (عليه السلام) هو كلّ شيء بالنسبة إليها. وأمام هول ما رأت، وعظيم ما حصل، تراها أمام هذا الموقف تقوم بما يعجز عنه الرجال والأبطال والجبال، أمّا هي فأبداً لم تعجز ولم تهن ولم تضعف، وما يؤكد ذلك قولها: «اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان». أرادت السيِّدة زينب (عليها السلام) أن تعلن للعالم، وللتاريخ، وللأجيال، أنّ موقفنا هذا كان بملء إرادتنا، لم يفرض علينا أحد، نحن قدّمنا الحسين (عليه السلام) ومَن معه قرباناً لأجل دين الله، ونطلب من الله أن يقتبل هذا الدور، وغير ذلك ليس مهماً أبداً. هذه رسالة أرادتها زينب (عليها السلام) أن تكون خالدة تجسد فيها أسمى معاني القوّة والصلابة والإيمان، هي رسالة للعالم كلّه، إعلام للأجيال، بأنّنا جئنا هنا وكنّا نعرف ماذا سيجري علينا، أردناها ومشيناها وسعينا إلى هذه الموقف بكلّ ارتياح، ونحن نطلب من الله أن يتقبل منّا جهادنا في سبيله، وإذا أردت المعركة المزيد من هذه الضحايا فنحن مستعدون أن نقدم، هذا الموقف الذي وقفته أرادته مدرسة تعلّم الأجيال والمجتمعات كيف يكون طريق العزّ والكرامة الذي بدأه الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي أكملت المسير وأتمت مهمّته في إبراز المعركة بمظهرها الحقيقي، مظهر الكرامة والعزّ والعنفوان، مظهر الإيمان كلّه في وجه الشرك كلّه. مواقف زينب (عليه السلام) جليلة وعظيمة، فهي دروس وعبر لكلّ امرأة عبر التاريخ ولكلّ إنسان رجلاً كان أم امرأة، أن لا يهن ولا يحزن وأن يقتدي بزينب (عليها السلام) أمام المصائب والأهوال التي احتسبت وتوكلت على الله سبحانه وتعالى في مصائبها وأحزانها، فقدّمت نموذجاً لا مثيل له عن إرادتها ومواقفها أمام نساء الحسين (عليه السلام). زينب، المرأة، القدوة، القائدة، أدت دور المحافظة على الكرامة، وعلى العزّ المتين بعد استشهاد الحسين (عليه السلام)، ومن ثم أنجزت مهمّته فراحت تبلغ المأساة والمعركة التي حاولوا الأعداء أن يجعلوها في الصحراء، فتنقلها إلى أوساط العالم الاسلامي. وفي قلب المصائب، وقفت وقفة عز قلَّ نظيرها. ومع ذلك، كانت السيِّدة زينب (عليها السلام) في المواقف كلّها التي وقفتها تحسبها جالسة في البيت، تدرس وتراقب كلّ كلمة تلقيها، فلا تجد في الخُّطب كافة التي توجّهت بها إلى جموع الناس كلمة بكاء ولا ويل ولا ثبور، ولا كلمة خارجة عن الاعتدال أبداً، تجدها رغم كلّ ذلك تبدأ كلّ خطبة بالحمد لله، والشكر لله، والثناء على الله، والمدح والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى آل بيته، بكلّ منطق وهدوء، ومن ثمّ تبدأ بإيضاح وشرح القضية بشكل موجز وقيم، وتحرك الناس وتجعلهم يندمون ويبكون ويندبون ويتأثرون ممّا جرى. دورها الجهادي لم يكن بالسلاح، بل بالكلمة، مأساة زينب (عليها السلام) ومَن معها -رغم المصاب- تركتها جانباً، والآن عليها أن تقف وقفة عزّ أمام صفحات التاريخ التي لا ترحم الضعفاء، بالرغم من المصائب، كانت قويّة وصلبة وثابتة وحازمة.. فهي متسلحة بسلاح لا يمكن لأحد أن يملكه، سلاحها إيمانها بالله القدير، إيمانها بصدق دعوتها.