انتصار الثورة الإسلامية.. البوصلة فلسطين
شرحبيل الغريب
يُسجّل للإمام الخميني قبل ثلاثة وأربعين عاماً، أنه جعل قضية فلسطين في قلب الشعب الإيراني وروحه ووجدانه.
تحتفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مثل هذه الأيام من كل عام بإحياء ذكرى انتصار الثورة الإسلامية. وعند النظر في أهمية هذا الانتصار ونتائجه والتوقف عند تأثيراته وارتباطه، سنجد أن فلسطين حاضرة كقضية عقائدية مركزية فيها، إذ يسجل، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أنها سخّرت كل قدراتها في خدمة القضية الفلسطينية وشعبها ومقاومتها ومقدساتها، بل وضعت تحرير الأقصى والقدس كجزء مهم من مبادئ الثورة الإسلامية، ومنذ تلك اللحظة تُعدّ إيران الحاضنة والرافعة الأساسية في دعم فلسطين والمقاومة ونصرتهما.
مثّلت القضية الفلسطينية في فكر الإمام الراحل الخميني ونهجه مساحة كبيرة عبر المواقف الإيرانية الثابتة تجاه فلسطين، وكانت على الدوام نصب العين وفي القلب؛ فتاريخياً ارتبط اسم الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية قبيل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية من خلال إصداره أول فتوى عام 1968، التي حثّ فيها على أهمية تقديم الدعم المالي والإسناد للثورة الفلسطينية، وضمان استمرار جذوة المقاومة والالتحاق بها ضد الاحتلال الإسرائيلي، انطلاقاً من قاعدة أساسية هي أن فلسطين قضية محور الصراع، وهي في قلب إيران الثورة، وستبقى ثابتة راسخة بعيداً عن أيّ حسابات سياسية أو طائفية مذهبية أو عقائدية أو أيديولوجية، وأن تحريرها واجب لا يجوز التخلي عنه، وكأنه يرسل رسالة مفادها أن القضية الفلسطينية منذ تلك اللحظة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثوابت إيران تجاه فلسطين وقضيتها، بإعلانها الانحياز لفلسطين المقاومة.
يُسجّل للإمام الخميني قبل ثلاثة وأربعين عاماً، في ذكرى انتصار ثورته، أنه جعل قضية فلسطين في قلب الشعب الإيراني وروحه ووجدانه. ومن أهم إنجازات الثورة نقله مسار التبعية للغرب في عهد الشاه، إلى شعب داعم للقضية الفلسطينية محبّ لفلسطين ومقاومتها، حتى باتت العلاقة بين الشعبين علاقة القضية الواحدة والمحور المقاوم الواحد، أمام عدوّ مشترك واحد.
أربعة عقود ونيف على انتصار الثورة الإيرانية، تأكد فيها أن إرادة الشعب الإيراني استطاعت أن تصنع الانتصارات، فتمثّلت شرارة الانتصار الأولى تجاه فلسطين في إغلاق السفارة الإسرائيلية على نحو نهائي، ورفع العلم الفلسطيني فوقها، مروراً بمحطات فارقة استطاعت إيران فيها أن تواصل مسار الثبات والدعم المطلق للقضية الفلسطينية بأشكاله كافة، رغم كل الظروف، إذ يُسجّل لإيران، منذ انتصار الثورة، أنها تقدّمت الصفوف الأولى على دول كثيرة في تقديم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته، وما زالت مستمرة في النهج ذاته الذي خطّه الإمام الخميني، واضعةً نصب عينيها نصرة فلسطين وقضيتها.
مثّل انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية مفاصل مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية. وفي كل مفصل أو محطة تاريخية، كانت إيران حاضرة بقوة في المشهد، من خلال وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ودعم مقاومته غير المحدود، حتى استطاع الشعب الفلسطيني أن يبني بفضل الدعم الإيراني مقاومة قوية فاعلة ومؤثرة، إذ يُسجّل للثورة الإسلامية أنها رسّخت وثبّتت دعائم نهضة المقاومة في فلسطين، بنحو خاص، وفي محور المقاومة بنحو عام، كما أن أشكال الدعم الإيراني للشعب الفلسطيني كانت وما زالت مستمرة على المستويات السياسية والعسكرية والمالية والاجتماعية كافة.
وفاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقضية الفلسطينية لم ينحصر في المواقف الإعلامية كغيرها من الدول في المنطقة، بل كان ترجمة حقيقية وعملية، انطلاقاً من ثوابت راسخة عبّرت فيها السياسة الخارجية الإيرانية الثابتة عن مواقف مهمة تجاه فلسطين ومقاومتها، تمثّلت في إعلان الإمام الخميني، رحمه الله، تخصيص يوم للقدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، عُرف باسم "يوم القدس العالمي"، تعبّر فيه إيران وكل دول محور المقاومة عن حبّها ووفائها لفلسطين والقدس، وعن تأكيد أهمية دعم الشعب الفلسطيني حتى تحرير القدس من الاحتلال.
حتى بعد وفاة الإمام الخميني، وبعيداً عن تغيّر الرؤساء، واصل الإمام الخامنئي احتضانه للقضية الفلسطينية وللمقاومة، عبر سياسة خارجية راسخة، وعلى النهج والطريق نفسيهما، وفي كل مواقفه وخطاباته، لا تزال فلسطين حاضرة وتحتل نصيباً ومساحة كبيرين في العقل والوجدان الإيراني، فالدعم الإيراني لفلسطين والمقاومة نابع من عقيدة ونهج وأيديولوجيا ما زالت تتوارثها أجيال ما بعد انتصار الثورة.
وظفت إيران موقعها في المنطقة للدفاع عن فلسطين في كل المحافل الدولية، ولفضح وجه "إسرائيل" وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، ولمطالبة المجتمع الدولي بمحاكمة قادتها وتقديمهم إلى المحاكم الدولية كمجرمي حرب، فضلاً عن دورها الاجتماعي البارز في تقديم المساعدات العينية والإغاثية وكفالة الأيتام وأسر الشهداء الفلسطينيين ورعاية الجرحى، على مدار تاريخ الثورة الفلسطينية، وما زالت مستمرة في النهج ذاته.
إيران في ذكرى انتصار ثورتها الــــ43، نجحت في فرض نفسها قوة إقليمية كبيرة لا يُستهان بها، وحافظت على مبادئ الثورة رغم محاولات أطراف أجانب وعرب حرف البوصلة عبر تأجيج صراعات طائفية تشعل المنطقة ولا تخدم إلا "إسرائيل" وأعداء فلسطين وقضيتها. فالثابت أن إيران دولة لا يمكن إخراجها من تموضع القضايا الخاصة بالمنطقة، سواء القضية الفلسطينية أم القضايا المحيطة بها، كما أنها نجحت في تمسّكها بسيادة قرارها وأهدافها، وأثبتت في كل المفاصل والمحطات التاريخية أنها دولة لا تتقهقر أو تتراجع رغم الصراعات أو الحصار أو العدوان والمؤامرات.
تمرّ علينا الذكرى سنة تلو أخرى، ويُثبت التاريخ أن كل الرهانات على سقوط الثورة الإيرانية أو اندثارها قد فشلت، تتراكم الأحداث وتكتب إيران تاريخاً مشرّفاً مختلفاً عن فلسطين وقضيتها ودعمها لمقاومتها، فيما يحاول المطبّعون تغييره بشتى الطرق والوسائل، عبر الهرولة إلى الارتماء في الحضن الإسرائيلي.
رحل الإمام الخميني بعد أن غرس البذرة وأثمرت الفكرة، وما زالت الثورة الإسلامية الإيرانية في ذكراها الـــ43 حامية لكل الحقوق والثوابت الفلسطينية، ماضية في دعم فلسطين والمقاومة، وهذا ما أثبتته على مدار ثلاثة وأربعين عاماً، وهو أن محورية الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني ستبقى قائمة إلى يوم تحرير فلسطين، كل فلسطين.