مرارة تتجرعها اميركا على مضض
كلما اقتربت المفاوضات بين دول (4+1) في فيينا بشان رفع الحظر عن ايران الى مراحلها الحاسمة والنهائية كلما اشتدت معركة كسر العظم خاصة وان اليوم الكرة في الملعب الاميركي الذي يتوجب عليه معالجة ما آلت اليه الامور نتيجة خطأها الفادح والتاريخي بالانسحاب من الاتفاقية النووية التي صادق عليه بالنهاية مجلس الامن الدولي.
واليوم نرى الادارة الاميركية الحالية وبسبب ما ورثته من تركة ترامب الثقيلة في حالة تخبط وارتباك شديدين لمواجهة هذا الملف الذي اصبح عليها عبئا كبيرا ومعقدا تحاصرها من كل الجهات وليس امامها من حل او خيار سوى الانصياع للارادة الايرانية والدولية بالعودة الى الاتفاقية وتنفيذها بالكامل وفقا لما تؤمن مصالح ايران الاقتصادية ومتطلباتها من التحقق والضمانات.
وما صرح به بالامس مسؤول في ادارة بايدن حول تمديد اعفاءات متعلقة بانشطة البرنامج النووي الايراني السلمي مجرد خطوة استعراضية لا اكثر ولا اقل وقد رد عليها السيد شمخاني امين عام مجلس الامن القومي في تغريدة له على تويتر "استفادة ايران الاقتصادية الحقيقية والفعالة والتي يمكن التحقق منها شرط ضروري للتوصل الى اتفاق".
على ما يبدو ان هذه الخطوة المبتورة تاتي في سياق التظاهر برفع العقوبات وهي بالتالي تعتبر عملا غير بناء على طريق معالجة هذا الملف الشائك الذي يحتاج الى ارادة قوية وفي دفعة واحدة وبشكل كامل.
واليوم ثبت للعالم وللاميركيين خاصة مدى جهل وحماقة ترامب في الخروج من الاتفاقية النووية للضغط على ايران ودفعها لتقديم المزيد من التنازلات عبر استخدامه للعقوبات القصوى التي توهم انها سيأتي اُكلها خلال اشهر لا اكثر واذا به اليوم يندب حظه ومعه الاميركيون جميعا لما ارتكبه من خطأ فاحش أضر باميركا ومصالحها وسمعتها ومكانتها في الوسطين الاقليمي والدولي.
واليوم فان الكثير من ساسة اميركا والسيناتورات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يقرون بخطأ ترامب الفادح في الخروج من الاتفاقية النووية وفشل سياسة العقوبات القصوى التي فرضها ضد ايران، لدرجة ان الناطق باسم الخارجية الاميركية "ند برايس" " أقر بأنها هزيمة امام ايران" وما ذكره السيناتور الجمهوري "كريس مورفي" عضو الشيوخ الاميركي كان مرا للغاية حين يعترف بان اميركا لم تحصل من عقوباتها القصوى ضد ايران على اي شيء سوى ان الامور ساءت اكثر فاشتدت الهجمات على القوات الاميركية، فيما توسع البرنامج النووي الايراني."
اما القادة العسكريون والاستراتيجيون الاميركيون فقد ذهبوا الى ابعد من ذلك حين اقر ماكنزي قائد القيادة المركزية الاميركية بان "ايران غيرت المعادلة لصالحها الاوضاع تشكل اكثر خطورة على اميركا."
أما ما عبر عنه بعض الخبراء الاستراتيجيين كشف بوضوح مدى ضعف وهوان اميركا امام ايران عندما يقرون بان "ستراتيجية ايران قائمة على اخراج اميركا من المنطقة، لقد فقدنا قدرة الردع".
ومع كل ما سردناه فقد تساءلت مؤخرا كبريات الصحف الاميركية امثال نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال وغيرها "عن جدوى الاستخدام الزائد عن الضرورة للعقوبات القصوى من قبل الحكومات السابقة". وهذا اعتراف مرير وفي نفس الوقت انتقاد لاذع لسياسات الحكومات السابقة التي تجيد الصرف وقد فرطت بسياساتها الخاطئة والحمقاء تجاه ايران لتجد نفسها اليوم مهزومة ومحرجة.
لكن في النهاية ليس لدينا ما نقوله للادارة الاميركية الحالية سوى ان الابواب غلقت جميعا وليس امامكم خيار سوى ان تتجرعوا مرارة الهزيمة ولو على مضض لتعودوا الى الاتفاقية النووية وتطبقوها بحذافيرها.