kayhan.ir

رمز الخبر: 145799
تأريخ النشر : 2022February01 - 20:23

مطار بغداد في لعبة خلط الارواق!

عادل الجبوري

إذا كان البعض يرى ان استهداف مطار بغداد الدولي بالصواريخ، يأتي في سياق التصعيد والتأزيم الامني والسياسي المتواصل في العراق، لتحقيق غايات وأهداف معينة، فإن البعض الاخر يذهب الى ان استهداف المطار، وبما تحمله تلك المنشأة الحيوية من اهمية ورمزية سيادية وطنية، يعد تطورا خطيرا ومقلقا للغاية، ارتباطا بطبيعة التبعات والاثار السلبية، اقتصاديا وامنيا وسياسيا وحتى معنويا.

كلا الرؤيتين تحمل قدرا كبيرا من الصحة والواقعية، اذا ما قاربناهما مع مجمل المعطيات والحقائق الشاخصة والماثلة على الارض.

وفيما يتعلق بالرؤية الاولى، فإن مراجعة سريعة واجمالية لمسيرة احداث ووقائع الشهور الستة المنصرمة او العام الماضي بأكمله تقريبا، تكشف وتؤكد ان الاستهداف الاخير لمطار بغداد، مثل حلقة من سلسلة طويلة من الاستهدافات والعمليات المختلفة التي يبدو من ظاهرها انها مختلفة في ادواتها واهدافها ودوافعها، الا ان التدقيق والتعمق فيها يفضي الى نتيجة مفادها، ان التخطيط والاهداف والدوافع واحدة، فمن التفجيرات الارهابية التي طالت المدنيين الابرياء في مناطق من العاصمة بغداد، كمدينة الصدر والباب الشرقي، ومحافظات اخرى، الى عمليات القصف بالصواريخ والهاونات والطائرات المسيّرة للمطارات ومقار البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية، الى الهجمات المسلحة على مواقع الجيش والحشد الشعبي والبيشمركة الكردية، الى عمليات اغتيال وتصفية ناشطين ومسؤولين حكوميين في اجهزة امنية وعسكرية وادارية متعددة، الى استهداف مقرات حزبية وشخصيات سياسية، الى الاحتقان السياسي الحاد، الذي ارتفعت وتيرته الى حد كبير في ظل اجواء الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في العاشر من شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، وما افرزته من مخرجات ونتائج، ساهمت بتعقيد وتأزيم الامور الى اقصى المستويات، الى اسقاطات ملف الانسحاب الاميركي من البلاد وتجاذباته الشائكة.

اما بالنسبة  للرؤية الثانية، التي تقول ان استهداف مطار بغداد الدولي، يختلف عما سواه من استهدافات، تبدو هي الاخرى واقعية جدا ومقبولة، لان المطار، لا سيما في العاصمة، يعد احد معالم ورموز السيادة الوطنية في اي بلد، ويفترض ان يحظى بالحماية الامنية والتحصين الكامل، لان تعرضه او تعريضه للمخاطر والتهديدات الامنية، يعني فيما يعنيه حصول ارتباك كبير على مختلف الصعد والمستويات، ارتباطا باهتزاز ثقة الاخرين بقدرة السلطات المعنية على توفير الامن المطلوب لحركة الملاحة الجوية، وضمان حياة المسافرين من والى البلد، وكل ذلك من الطبيعي جدا ان ينعكس على الجوانب الاقتصادية والسياسية والامنية العامة. ولن يكون غريبا ولا مفاجئا، حينما تبادر بعض الدول الى تعليق رحلاتها الجوية في ظل مثل تلك الظروف والاحوال.

والملاحظ من مجمل مواقف وردود افعال القوى والشخصيات السياسية المختلفة، الرسمية منها وغير الرسمية، حول قصف مطار بغداد، ان هناك تقديرا وادراكا حقيقيا لخطورة الانزلاق الى الحافات الحرجة، ولما يمكن ان يفضي اليه ذلك الانزلاق من تبعات ونتائج كارثية وخيمة. وهذا يؤشر الى ان هناك قراءات ورؤى استشرافية منسجمة لكل الاطراف، رغم تباين الاتجاهات والمتبنيات الاستراتيجية فيما بينها.

ولأنه من الناحية المنطقية والعقلائية، ليس هناك من بين الاطراف والقوى السياسية العراقية المختلفة، ايا كانت طبيعة تحالفاتها وامتداداتها الاقليمية والدولية، من له مصلحة في ارباك الاوضاع وخلط الاوراق الى  مستوى استهداف المنشآت والمؤسسات الحيوية السيادية كمطار بغداد الدولي، فمن غير الصحيح  مسارعة البعض الى توجيه اصابع الاتهام لهذا الطرف او ذاك دون دليل وبينة، لان ذلك من شأنه فتح الباب واسعا للمزيد من التأزيم والتصعيد في خضم مرحلة حساسة وحرجة تتطلب التزام اقصى درجة الهدوء والتعقل والحكمة والحذر.

ضمنا او صراحة ـ وكالمعتاد ـ وجهت اصابع الاتهام الى فصائل قريبة من الحشد الشعبي، وقوى الاطار التنسيقي، لكن مجمل المعطيات حتى الان تذهب باتجاه اخر، فالمنطقة التي انطلقت منها الصواريخ، وهي ابو غريب، بعيدة عن تواجد ونفوذ الفصائل المسلحة، والشخص الذي القي القبض عليه بتهمة اطلاق الصواريخ، وهو اكرم القيسي، والذي كان متوجها الى محافظة صلاح، لا يبدو من خلال المعلومات الاولية انه ينتمي الى ـ او محسوب على ـ اي من الجهات التي غالبا ما يوجه اليها الاتهام في عمليات كهذه.

وترى بعض الاوساط السياسية والامنية، ان قصف مطار بغداد اريد منه "إظهار المقاومة التي تستهدف قوات الاحتلال الأميركي بمظهر المسؤول عن زعزعة الأمن في العراق، وخاصة بعد تسليط الضوء على خسارة او تراجع القوى والأحزاب السياسية الموالية لإيران في الانتخابات البرلمانية الاخيرة". وتؤكد تلك الاوساط، "ان الاستهداف حمل بصمات جديدة ومشبوهة نوعاً ما، ففصائل المقاومة العراقية وعبر بيانات رسمية واضحة، تبنّت أكثر من هجوم سابق، إلا أنها لم تتبنّ الصواريخ والمُسيّرة التي سقطت في منطقة بين الشقّ المدني للمطار والشقّ العسكري الذي تقع ضمنه قاعدة فيكتوريا العسكرية الأميركية، ولا حتى الصواريخ، وهي من نوع كاتيوشا، هي المستخدمة من قبل الفصائل، ناهيك عن أن المنطقة التي عُثر فيها على منصّة الإطلاق في قضاء أبو غريب غير محسوبة على المقاومة".       

لعل التصور الاقرب للواقع، كما طرحه الرئيس الاسبق لشبكة الاعلام العراقي حسن الموسوي، "ان الاستهداف الجديد، هو بمثابة خلط للأوراق، وإحياء للمشروع الأميركي والخليجي في إعادة صياغة النفوذ والمصالح في العراق، لمواجهة ما سموه النفوذ الإيراني في البلاد. وكذلك يمكن اعتبار الاستهداف بمثابة إعطاء مبررات لاستمرار تواجد القوات الأميركية في العراق وتدويل الأزمات التي تواجهه".

بعبارة اخرى، قد تكون البصمات الاميركية على عملية قصف المطار هي الاوضح، لان خلط الاوراق، وافتعال الفوضى، واحداث المزيد من التصدعات في العملية السياسية، يمكن ان يحقق لواشنطن وحلفائها عدة اهداف، من بينها خلق المبررات والذرائع لاستمرار وتعزيز وجودها العسكري، وفرض معادلات سياسية معينة تضمن مصالحها ونفوذها وتأثيرها في الساحة العراقية، واضعاف وتحجيم القوى القريبة من طهران.

ولعل الملاحظة او الاشارة الجديرة بالانتباه هي ان مرحلة مخاضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وتوزيع المواقع والمناصب العليا، ربما تشهد المزيد من العمليات والاستهدافات المشابهة لقصف المطار وسابقاتها.