استهداف الإمارات… بين الميزان الاستراتيجي ومعادلات الردع
د. حسن مرهج
ميزان استراتيجي لا يمكن تجاهله، ومعادلات ردع صاخبة وقوية؛ هاتان الجزئيتان هما السياسة الجديدة التي عنونت استهداف الإمارات من قبل أنصار الله في اليمن، إذ لم يكن من السهولة بمكان، أن تقوم هذه الجماعة، باستهداف العمق الإماراتي، وفق عنصري السرية والمفاجأة، فالهجوم في عنوانه العريض، لم يكن تكتيكياً، بقدر ما هو هجوم ردعي بمضامين بعيدة المدى، وعلى الرغم من بدائية الأسلحة اليمنية «إنْ صحّ التعبير»، مقارنة بالترسانة العسكرية لدول العدوان على اليمن، إلا أنّ الاستهداف النوعي للإمارات في توقيته ومضمونه، وكذا في معادلات الجغرافيا، كان عبارة عن رسالة سياسية، لكن بمضمون عسكري مفاجئ وصادم، للإمارات وكذا للسعودية، وباقي دول العدوان على اليمن الجريح.
في ذات الإطار، فإنّ استهداف الإمارات، وسم مشهد الخليج العربي، بضرورات بات من الأهمية بمكان، السعي وراء وضع حدٍّ لمعاناة اليمن واليمنيين، ولا بدّ أيضاً، من إنهاء هذه الحرب العبثية، أما في العمق، فإنّ الاستهداف كانت له رسالتان، الأولى هي إنذار لقوى العدوان بضرورة إيقاف الحرب على اليمن واليمنيين، والابتعاد عن مأرب وشبوة، والأهمّ، أنّ استهداف الإمارات بهذه الدقة العالية، يُعدّ في البعد العسكري، تأطيراً لمشاريع الإمارات في اليمن، وتحديداً لجهة تأسيسها ما يُسمّى، قوات العمالقة اليمينة، ليكون هذا الاستهداف في مداه البعيد أيضاً، أن أنصار الله قادرة على نسف هذه القوات.
أما الرسالة الثانية، فهي بأبعاد إقليمية ودولية، اذ لا يخفى على أحد، بأنّ أنصار الله واللجان الشعبية اليمنية، تتلقى الدعم من إيران، وهذا في المضمون والمحتوى، هو دعم مشروع، إذا ما نظرنا لطبيعة التحالفات السياسية، الاصطفافات الاستراتيجية، وبالتالي، فإنّ الاستهداف هو أيضاً رسالة ردع بأنّ إيران قادرة على خلط أوراق الشرق الأوسط، سواء وقّعت اتفاقاً نووياً ـ في فيينا أم لا، والاستخدام لهذه الأوراق يستهدف ليس فقط الإمارات، وإنما أيضاً الدول التي تقف في مقاومة المشروع النووي الإيراني، وذلك لمنع ضرب المفاعلات النووية الإيرانية مستقبلاً، لذلك هو عملية مصغرة واستباقية للردع المستقبلي لإيران لمتابعة مشروعها النووي، فقد تمّ انتقاء أهداف دقيقة ترتبط بهدفين حيويين، وهما «النفط» و»المطار»، وليس مواقعَ عسكرية، مما يوضح الهدف الردعي للهجوم وليس التعبوي، كما بدا واضحاً من خلال الخسائر البسيطة، وبالرغم من وجود خسارة بشرية، إلا أنّ الهدف كان ردعياً بحتاً.
حقيقة الأمر، لا يمكن فصل استهداف الإمارات، عن مسار المعارك في اليمن، وتحديداً في شبوة ومأرب، وزيارة المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام إلى إيران، قبل يوم من استهداف الإمارات، ولقائه برئيس وأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وفي اليوم نفسه، وصل الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني إلى العراق، الأمر الذي يشي بأنّ هناك تحركات استراتيجية جديدة، سيكون لها الأثر الأكبر في هندسة عناوين المنطقة، من اليمن وحربها العبثية، إلى لبنان ومحاولات إغراقه بالأزمات، مروراً بالدولة السورية التي تنفض غبار الحرب عنها، وتستعدّ للنهوض سياسياً واقتصادياً، وصولاً إلى إيران، ورسائلها القوية إقليمياً ودولياً.
إذن، ودون مواربة، سيكون هناك تصعيد وتصعيد مضاد، للوصول إلى الأهداف والنتائج المرجوة من سياسات محور المقاومة عموماً، وعلى الرغم من إيماننا بضرورة تغيير العديد من سياسات المحور، إلا أن السياسات الجديدة والتي تتمثل، في استهدافات مركزة ونوعية وعميقة، قد يحقق المطلوب والذي ترغب به شعوب وجماهير المقاومة، خاصة أنّ استهداف المصالح الأميركية في الإقليم، أو ضرب منشآت حيوية في دول العدوان على عموم دول المحور، سيكون له أثر إيجابي هامّ، ستتبلور نتائجه خلال الآتي من الأيام.
وفي النهاية، استهداف الإمارات، سيضع جميع أعداء محور المقاومة، أما ميزان استراتيجي جديد، ومعادلات ردع صاخبة وقوية، فاليوم هناك معادلات جديدة ترتسم في مشهد الشرق الأوسط، وعلى الجميع قراءة هذه المعادلات بمنظور جديد، ورؤية جديدة وواضحة، ما يعني، أنّ دول المحور باتت أمام انتصارات جديدة، ستؤتي ثمارها قريباً.