المصالحة الفلسطينية وصراع الإرادات على أرض الجزائر
إسراء البحيصي .
من القاهرة الى الدوحة.. وصولا الى موسكو والرياض ومخيم الشاطئ وليس انتهاءً عند السنغال .. هذا هو السياق التاريخي الذي سارت فيه حوارات المصالحة الفلسطينية لإنهاء الانقسام ولكنها كانت تنتهي بوعود وتصافح وفي أحسن الأحوال انتهت بوثائق وُقّعت وسط تصفيق الجميع .. لكن ما أن بدأ التنفيذ حتى تعثر المنقسمون وعادوا إلى نقطة الصفر.
هذه المرة باب عاصمة جديدة يفتح ليستقبل الفرقاء فتح وحماس فقد أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالتزامن مع لقائه بمحمود عباس في السادس من الشهر الماضي عن استضافة بلاده لمؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية لإنهاء الإنقسام ، وبالفعل رحبت حركتي فتح وحماس بالدعوة وبدأت بتجهيز وفودها بحيث أرسلت حركة حماس وفداً يرأسه عضوي المكتب السياسي للحركة خليل الحية وحسام بدران، في حين يضم وفد حركة فتح أعضاء اللجنة المركزية للحركة عزام الأحمد ومحمد المدني ودلال سلامة .. كما سيشارك في حوار الجزائر أربعة فصائل فلسطينية أخرى هي : الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية – “القيادة العامة”.
وقد تقرر أن تأخذ الحوارات نهج التفرد بكل فصيل على حدة ثم الوصول لحوار جامع حيث ستبحث الجهات السيادية العليا في الجزائر، مع كل وفد (بشكل منفصل) الرؤية الفصائلية لإمكانية إحداث اختراق حقيقي في ملف المصالحة ثم الوصول الى مؤتمر يتم الإعلان فيه عن مصالحة فلسطينية شاملة ..
الفكرة من حيث المبدأ فتحت نافذة أمل جديدة عند الشعب الفلسطيني لاسيما وأن الجزائر تحظى بمكانة عالية ومرموقة لدى الفلسطينيين ومعروفة بمواقفها الوطنية، ولها رمزيتها التاريخية بالنسبة للقضية الفلسطينية على مدار سنوات طويلة، ولكن علينا أن نجزم بأن مشكلة الطرفين لم تكن في مكان الاستضافة ولا فيما يطرح من نقاط ولا في الأسلوب بقدر ما هي في إرادتهم التي تتعثر عند التنفيذ ، فالطرفان بحاجة لقرار لا رجعة فيه لكنه قرار يبدو أن اتخاذه ممكن ولكن تنفيذه صعب في ظل الفجوات الواضحة في البرامج السياسية ل”فتح” و”حماس” على الرغم أن بعض المراقبين حذروا من عدم إنجاز المصالحة في ظل حياة محمود عباس، لأنهم يرون أن المرحلة التي ما بعده ستدخل القضية الفلسطينية في حالة من الغموض وسيناريوهات متعددة ولا يمكن لأحد أن يعلم ما ستؤول إليه التطورات، بينما يرى آخرون أنه هو نفسه من ضيع فرصة ذهبية للمصالحة الفلسطينية حينما قام بتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية العام الماضي والتي كان من الممكن أن تطوي الصفحة الأخيرة في ملف الانقسام .. وأيا كانت الفروض الصحيحة فإن الحقيقة هي أن الوضع الفلسطيني صعب جدًا وبحاجة ماسة لإنهاء الانقسام في ظل الأوضاع السياسية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، وفي ظل حكومة اسرائيلية متطرفة تعزز نظام الفصل العنصري من خلال بناء المستوطنات ومكونات النظام الإسرائيلي الحالية تؤكد عدم وجود أي أفق سياسي للوصول لأي حل عبر المفاوضات وبالتالي فالوضع الفلسطيني بحاجة لإنهاء الانقسام لمواجهة الاحتلال والسياسات الاستعمارية الاستيطانية والمخاطر الجسيمة التي تمس بالقضية الفلسطينية لاسيما وأن هناك غياب للإرادة الدولية الداعمة للوحدة الفلسطينية ، فالإدارة الأميركية الحالية تشجع فقط على تقديم تسهيلات اقتصادية ليس اكثر ويقرأه البعض على أنه دعم لتعزيز طرف على حساب الآخر وتعميق للخلافات الفلسطينية ..
وفي حال لم ينته الانقسام في هذه المرحلة بشكل عاجل سنكون أمام حالة سياسية تفضي إلى انفصال كامل ما بين قطاع غزة والضفة الغربية وهي رغبة اسرائيلية قديمة ويدعمها الان حلفاؤها المطبعون وأصدقاءها المخلصون وبالتالي في ظل كل ما سبق طرحه من مخاطر تحدق بالقضية الفلسطينية فإن إنجاح حوار الجزائر ضرورة وليس رغبة .. وهذا ما يجب أن يدركه الطرفان ، أما عدم ادراكه أو تجاهله فهو إهدار للوقت في حوارات جديدة لن تسمن ولن تغني من جوع ..