بكين تُسقط واشنطن عن عرش البحار: أساطيل أميركا هَرمت
د. علي دربج
منذ حوالي قرنين، كتب ألكسيس دي توكفيل في كتابه "الديمقراطية في أمريكا" أن أمريكا "ولدت لتحكم البحار". في الواقع حققت أمريكا هذه السيطرة، في زمن ما، لكن لا شيء يدوم إلى الأبد، فبحريتها الآن قد هرمت وأصبحت متعبة.
في السنوات القليلة الماضية، قيل الكثير عن حصول الصين على لقب "أكبر بحرية في العالم"، الى أن وصل الوقت الذي اعترف فيه مكتب الاستخبارات البحرية بالولايات المتحدة أن "بحرية جيش التحرير الشعبي" الصيني قد تجاوزت البحرية الأمريكية في إجمالي سفن القوة القتالية، حيث تعوم الصين الآن على أكبر بحرية في العالم.
لتكوين فكرة أوضح، فلنحتكم الى الأرقام الأميركية للتعرف على القطع البحرية لكل من الصين وأميركا.
كشف تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونجرس في آذار 2021 أن البحرية الأمريكية، تمتلك أسطولًا من القطع السطحية يتكون من الآتي: 11 حاملة طائرات، 92 طرادًا ومدمرة، 59 مقاتلة سطحية صغيرة، وسفن لوجستية قتالية، إضافة الى أسطولها من الغواصات المؤلف من: 50 غواصة هجومية 14 غواصة للصواريخ الباليستية، وأربع غواصات صواريخ كروز. وعلى هذا النحو، تحتفظ الولايات المتحدة بأسطول سطحي قوامه حوالي 162 سفينة، وأسطول غواصات مكون من 68 غواصة (فضلًا عن الزوارق الصغيرة لخفر السواحل).
ماذا عن قوة الصين؟
بالمقابل، أكد مكتب الاستخبارات البحرية بالولايات المتحدة أن بحرية "جيش التحرير الشعبي" (PLAN) قد تجاوزت البحرية الأمريكية في إجمالي سفن القوة القتالية، حيث بلغ عديدها ما يقرب من 360 قطعة بحرية، مع توقعات مستقبلية تنذر باتساع الفجوة. فبحلول عام 2025، من المتوقع أن يقوم الجيش الصيني بإدخال ما يصل إلى 400 سفينة في الخدمة، في حين تخطط الولايات المتحدة لرفع عدد سفنها الى 355 فقط.
تتكون القوة السطحية للصين، من حاملتي طائرات، وطراد واحد، و32 مدمرة، و49 فرقاطة، و37 طرادًا، و86 سفينة دورية ساحلية مسلحة بالصواريخ. في حين يضم أسطول الغواصات الصيني: 46 غواصة هجومية تعمل بالديزل، وست غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية، وأربع غواصات للصواريخ الباليستية. إضافة الى القطع البحرية الصغيرة (وعددها كبير نسبيًا) التي تعود لخفر السواحل الصيني. علاوة على ذلك، تمتلك جميع هذه القطع البحرية أجهزة استشعار حديثة ومتعددة الأدوار ومضادة للسفن والطائرات والغواصات.
وفيما، أوقفت البحرية الأميركية تشغيل بعض السفن القتالية الساحلية في وقت سابق من العام الماضي، فإن الصين على النقيض من ذلك، أنتجت حوالي 120 قطعة قتالية صغيرة.
لكن، ثمة ميزة تتقدم فيها واشنطن على بكين، وهي تتعلق بالقدرة والحمولة. فالبحرية الأميركية، لديها ضعف حمولة نظيرتها الصينية. فالحمولة الصينية تقدر استنادًا لتقرير عام 2019 من قبل مركز الأمن البحري الدولي بمليوني طن، بينما تتفوق البحرية الأمريكية بما يقدر بـ 4.6 مليون طن.
ما هي دلالات التفوق الصيني؟
عمليًا، لم تعد الصين مجرد قوة بحرية إقليمية. لقد مدت نفوذها البحري في عمليات متسقة وبعيدة تمكنها من التدريب والتعلم والعمل. منذ عام 2009، أرسلت الصين 39 مجموعة عمل بحرية لمكافحة القرصنة إلى خليج عدن، كل منها تتألف من قطع قتالية سطحية وسفينة تجديد على الأقل، وقد اكتسبت خبرة تشغيلية حيوية.
سمح الأسطول المتنامي للصين، بالقيام بالمزيد من عمليات الانتشار دون إلحاق الضرر بسفنها. بالمقابل كافحت الولايات المتحدة للحفاظ على سفنها التي تنتشر بمعدل أعلى لفترات طويلة، زد على ذلك، يتطلب الأسطول الأمريكي المتقادم مزيدًا من الأموال للصيانة، ومدة زمنية أطول في حوض بناء السفن لإجراء إصلاحات معقدة بشكل متزايد، ووقت أقل لممارسة التكتيكات وتجربتها لردع أو محاربة خصم مهم.
على المقلب الآخر، استمر أسطول الصين الشاب في النمو مع إظهار الصين التزامها بتعزيز قدرات أكبر بحرية منتشرة في العالم. وفي حين تبني بكين أسطولها بوتيرة سريعة، شهدت السفن الرائدة من الفئات البحرية الأميركية الجديدة تأخرًا ملحوظًا.
وما هي أسباب تراجع البحرية الأميركية؟
يعتبر عسكريون أميركيون أن الجيش الأمريكي وصل إلى هذه النقطة للأسباب نفسها التي لم يستطع رؤية فشله في أفغانستان وهي : الإيمان برؤيته الخاصة وعدم وجود استراتيجية قابلة للتحقيق.
وتعقيبًا على ذلك، قال كلود بيروب (مؤرخ بحري لديه 30 عامًا من الخبرة في البحث والتطوير البحري، كما عمل مع اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ) إن "جزءًا من السرد الذي لا بد من تبديده هو البحرية الصينية باعتبارها قوة صاعدة، بل إنها نهضت بالفعل. وتعكس الإعلانات التي تفيد بأن كل شيء على ما يرام نفس العقلية التي أظهرها وزير مشاة البحرية الإسباني سيجموندو بيرميجو في عام 1898، عندما أرسل الأدميرال باسكوال سيرفيرا لمواجهة البحرية الأمريكية قبالة سانتياغو خلال الحرب الإسبانية الأمريكية. آنذاك اعتقد الوزير أن الأسطول الاسبانى أفضل نوعيًا من السفن الامريكية. وفي حين لم يوافق سيرفيرا على ذلك، لكنه قام بواجبه كما أمر. والنتيجة أنه فقد كل سفينة تحت قيادته.
من هنا، وبسبب رؤية الصين والتزامها، تجاوزت الولايات المتحدة في حجم قاعدتها الصناعية لبناء السفن، وبأسطولها التجاري، والبحري. فبينما أقامت الصين قاعدة صناعية ضخمة لبناء السفن، فقدت الولايات المتحدة بالمقابل، ريادتها منذ فترة طويلة، وحتى الآن لا تزال الجهود الرامية إلى إصلاح ما تحظى بدعم فاتر من الإدارة الأمريكية، وتواجه بالمماطلة في مبنى الكابيتول هيل".
وفقًا لتقرير سنوي صادر عن مجلس "التفتيش والمسح التابع للبحرية الأميركية" قدم إلى الكونغرس في وقت سابق من هذا العام، أظهرت عمليات التفتيش أنه على مدى خمس سنوات، تم تسجيل الأسطول السطحي على أنه "متدهور" في أكثر من نصف "المناطق الوظيفية مثل أنظمة الدفع الرئيسية - المحطات التي تنتج الطاقة لدفع السفينة عبر الماء - وكذلك في الأنظمة الكهربائية وأنظمة الطيران. كما أظهرت أنظمة Aegis، وهي مجموعة من أجهزة الاستشعار والبرمجيات التي تحمي السفينة بشكل أساسي من التهديدات الجوية، بعض علامات التدهور على مدى نصف العقد الماضي.
في المحصلة أدت المناقشات حول هذا الفارق بين بكين وواشنطن، الى حصول نوع من الهستيريا في وسائل الإعلام الأمريكية وحتى المؤسسات المعنيّة بالسياسة الخارجية والدفاع. وبخلاف ما كتبه دي توكفيل ربما يكتب مؤرخ بحري آخر قريبًا، أنه حان وقت حكم الصين للبحار.