شجرة المقاومة تنمو بدماء زعيم المقاومة
عشية الذكرى الثانية لعودة اللواء الحاج قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني شهيدا مع مجموعة من رفاقه المخلصين، تشهد جغرافية المقاومة المتنامية نقطة تلو الأخرى فعاليات لإحياء ذكرى الشجعان، وبطولة وخدمات هذا الرجل العظيم والمتواضع دائمًا من إيران.
في غضون ذلك إعادة قراءة دور أفعال الحاج قاسم في تشكيل وتقوية محور المقاومة باعتباره الفاعل الأهم في تحديد التطورات الإقليمية وأيضاً قراءة ثمار دماء هذا الشهيد المجيد في نمو شجرة المقاومة وإذلال الأعداء، بقيادة حكومة الإرهاب الأمريكية، هو عمل ذو فائدة منقطعة النظير، يمكن تلخيصه فيما يلي:
- إعادة قراءة دور اللواء سليماني في تشكيل محور المقاومة
بعد انتصار الثورة الإسلامية، أصبح دعم حركات التحرر في العالم، وخاصة في دول غرب آسيا بهدف محاربة الغطرسة، من أولويات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي هذا الصدد، أوكلت هذه المهمة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذي قدم في السنوات التي أعقبت إنشائه المساعدة الاستشارية واللوجستية لجماعات وحركات المقاومة في المنطقة. مع تعيين اللواء قاسم سليماني قائداً لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي عام 1997، دخلت أنشطة هذه المجموعة مرحلة جديدة. خلال 22 عامًا من قيادة فيلق القدس، تمكن اللواء سليماني، على الرغم من تشكيل جبهة واحدة تسمى محور المقاومة، من توسيع دائرة نفوذ إيران من أفغانستان في الشرق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في الغرب واليمن في الجنوب. في الواقع، ظهر محور المقاومة كسلسلة واحدة من الدول والجماعات ضد عدو واحد - الولايات المتحدة والکیان الصهيوني - بعد أن رد جورج دبليو بوش على الدور الإيجابي لجمهورية إيران الإسلامية في مساعدة البلاد على قتال طالبان بوصفها بأنها جزء من محور الشر. في غضون ذلك، استطاع الشهيد سليماني، بحضوره الميداني والمادي في فترات مختلفة، أن يوطد قوى المقاومة في أفغانستان واليمن والعراق وسوريا وفلسطين بعد تعزيز جبهة المقاومة في لبنان (حزب الله) وقياداتها. إذ يلعب الفاطميون وأنصار الله والزينبيون والحشد الشعبي والمقاومة الفلسطينية دورًا استراتيجيًا في المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال حسين كناني مقدم، أحد القادة السابقين في الحرس الثوري، في يناير 2017: إن سليماني حدد أولاً وتواصل مع نوى المقاومة التي تشكلت في المنطقة والتي كانت عفوية، وعزز الجماعات التي كانت على طريق النضال والجهاد، ومن ثم بربط هذه النوى داخل المناطق وتحويلها إلى دوائر مقاومة استطاعت أن تكون أكثر فاعلية في مواجهة الغطرسة العالمية والصهيونية ومحاربة الاحتلال. بعد أن وضع اللواء سليماني هذه الدوائر داخل بعضها البعض وتحويلها إلى سلاسل، شكلت جبهة المقاومة، التي تبدأ في البحر الأبيض المتوسط ، وكان هذا العمل بمثابة حلقة وصل بين حركات التحرير ودوائر المقاومة، والتي هي عملياً المكون الأكثر فاعلية في المنطقة بمعارضة الهيمنة الامريكية. وساعد تشكيل جبهة المقاومة إلى جانب الوجود الميداني للواء سليماني في حرب لبنان التي استمرت 33 يومًا عام 2006، ومحاربة داعش والإرهاب التكفيري في العراق وسوريا وتدميرها في الحفاظ على موقع جبهة المقاومة وتعزيزه، بينما عام 2014 80٪ من الأراضي السورية احتلت من قبل الجماعات الإرهابية والمعارضة، ولولا مبادرة اللواء سليماني في إقناع روسيا بالحضور في سوريا، وكذلك أعماله الاستشارية في العراق وسوريا، فإن خطر الإرهاب الوهابي التكفيري كان قد انتشر اليوم في جميع أنحاء المنطقة، وعلى نطاق واسع.
- الفضيحة الأمريكية في اغتيال الشهيد سليماني
في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ركزت الجهود الأمريكية على إضعاف الفكرة الثورية والقضاء عليها في المنطقة والعالم، لأن فكرة الثورة الإسلامية هي قبل كل شيء تعمل على تحرير الأمم من الاستغلال والظلم ومحاربة الغطرسة وتحرير فلسطين. في هذا الصدد، ومن أجل منع تحقيق هذا الأمر المهم وأيضًا لإحداث حالة من انعدام الأمن في المنطقة، وخاصة في البلدان الإسلامية، تقدم الولايات المتحدة الدعم المالي والمعدات للنظام الصهيوني، مما يؤدي إلى إنشاء مشروع كبير في الشرق الأوسط، وغزو أفغانستان والعراق وخلق الإرهاب وتقويته في المنطقة وأخيراً اغتيال اللواء سليماني. في غضون ذلك، قام النظام الصهيوني والولايات المتحدة، من خلال محاولتهما تقديم صورة إرهابية للشهيد سليماني وأفعاله في المنطقة، بتهديده ومحاولة اغتياله بشكل متكرر، وأخيراً في صباح يوم الجمعة 4 كانون الثاني / يناير 2017 في مطار بغداد. تم اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما بغارة جوية. في الواقع، فإن التصرف الأمريكي في اغتيال الشهيد سليماني، مع إظهار نهجها في زعزعة الاستقرار والقضاء على موفري الأمن في المنطقة، تسبب في إثبات عداءها لدول المنطقة وإثبات أن دعواها بمحاربة الإرهاب هو كلام بلا معنى. ويؤكد اغتيال الشهيد سليماني الذي كان في ساحة المعركة بضربة جوية ودون مواجهة مباشرة معه، والذي لعبت فيه ألمانيا وبريطانيا والنظام الصهيوني دورًا أيضًا إلى جانب الولايات المتحدة، يؤكد حقيقة أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على مقاومة سياسة إيران بحضور اللواء سليماني، وعلى الرغم من إنفاق ترامب 7 تريليونات دولار في المنطقة، إلا أنه رأى في إزاحته واغتياله الخيار الوحيد أمامه.
- أثر دماء الحاج قاسم في تسريع هزيمة الولايات المتحدة في المنطقة ونمو محور المقاومة
المقاومة فكرة وخطاب ترسخت جذوره في الـ 42 عامًا الماضية مع تركيز عمل الجمهورية الإسلامية وتوجيهات واستراتيجيات اللواء قاسم سليماني في غرب آسيا. لهذا السبب، مع اغتيال الولايات المتحدة للشهيد سليماني، وعلى الرغم من توقعاتهم بإضعاف المقاومة، فإن هذه الفكرة والخطاب لم يصبحا أكثر اتساعا فحسب، بل أدخلت شرعية طريق الشهيد سليماني وأبو مهدي المهندس المقاومة في المنطقة إلى مرحلة جديدة، إذ تشكل وجه المقاومة بشكل عفوي من قبل الناس، وأعلنوا في جميع أنحاء المنطقة عن انتمائهم للحركة على الرغم من تنوعهم الديني والعرقي. كما أن تشييع جنازة الشهيد سليماني وردود الفعل الدولية على هذه الحادثة كانت بمثابة ختم تصديق على شعبية ومكانة للواء سليماني، واستطاعت أن تظهر خطاب المقاومة وقوتها من جهة، والتوجه المتعجرف والإرهابي للولايات المتحدة من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، استنكرت حركات المقاومة المسلحة في المنطقة وقادة هذه الحركات في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن، هذا العمل، مؤكدين استمرار المقاومة في المنطقة، وكذلك الانتقام لدماء شهداء المقاومة. وفي الواقع كان إعلان الجهوزية للانتقام بمثابة جرس إنذار للولايات المتحدة، حيث أصبحت هذه الحركات تحارب الوجود الأمريكي في المنطقة بشكل أكثر ضراوة، وخلافًا للغرض الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، أصبحت المنطقة أكثر خطراً من أي وقت مضى على القوات الأمريكية، وأصبح حلفاؤها في المنطقة غير آمنين. في هذا الصدد، وبعد استشهاد اللواء سليماني، تكثفت عملية طرد الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة في العراق وأفغانستان. وفي أيار / مايو من هذا العام، تمكنت المقاومة الفلسطينية من تقديم وجه جديد لقوتها ونتيجة لذلك، وبعد عامين من استشهاد اللواء سليماني، وُضعت استراتيجية الانتقام الشديد كمسار جديد للمقاومين، وإعطاء معنى ومفهوم جديدين للمقاومة.
الوقت