kayhan.ir

رمز الخبر: 140764
تأريخ النشر : 2021November10 - 19:49

الحرس الثوري الإيراني يفرض معادلات جديدة في المنطقة

 

عميرة أيسر

شكلت عملية التصدي التي قامت بها زوارق حربية تابعة للحرس الثوري الإيراني في خليج عدن القريب من باب المندب، للمحاولة التي قامت بها   القوات الأمريكية لقرصنة ناقلة نفط إيرانية كانت في منطقة بحر عمان، حيث قامت القوات الأمريكية البحرية بمصادرة تلك الناقلة التي كانت تحمل مشتقات نفطية وحوّلت كل شحنتها إلى ناقلة أخرى، وقامت بتوجيهها لوجهة مجهولة، ولكن طيران الجيش التابع للحرس الثوري الإيراني قام بعملية معاكسة ونفّذ عملية إنزال على الناقلة آنفة الذكر وتم الاستيلاء عليها وتوجيهها إلى المياه الإقليمية الإيرانية، ولكن بادرت القوات الأمريكية                                                                                                                                                لملاحقة ناقلة النفط باستخدام عدّة مروحيات وبوارج حربية، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل بالرغم من إقحام البحرية الأمريكية في المنطقة لعدّة بوارج حربية أخرى، لقطع الطريق على حاملة النفط الإيرانية، إلاّ أن تلك المحاولات كلها باءت بالفشل، وعادت ناقلة النفط إلى إيران دون أن تصاب بأذى. مثلما ذكر موقع CNN عربي بتاريخ 3أكتوبر/ تشرين الأول 2021م، في مقال بعنوان ” قناة العالم الإيرانية: إحباط محاولة قرصنة أمريكية لسرقة النفط الإيراني ببحر عمان”.

هذه العملية النوعية التي نفذتها قوات الحرس الثوري الإيراني في عرض البحر، والتي كانت ستؤدي لإشعال فتيل حرب إيرانية أمريكية كبرى في المنطقة، ولكن بالرغم من ذلك برهنت قوات الحرس الثوري الإيراني بأنها لن تسمح لأيّة دولة معادية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بأن تملي عليها شروطها أو تضغط عليها بسرقة ناقلة نفط، وفي وضح النهار، وهذه ليست العملية الأولى من نوعها التي تتصدى فيها قوات البحرية الإيرانية لقوات البحرية الأمريكية التي لها تواجد دائم في المنطقة عن طريق قوات الأسطول السادس.

فعملية تحرير ناقلة النفط الإيرانية تعتبر ضربة موجعة للجيش الأمريكي الذي لطالما تباهى بأنه الجيش الذي يستطيع الوصول إلى أيّ مكان في العالم، وإخضاع كل الدول التي تصنف ضمن دول محور الشر كما وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، والتي من ضمنها إيران أو تتحدى الهيمنة والغطرسة الأمريكية التي لا تزال تعتبر نفسها قوة عظمى، بالرغم من هزائمها المتكررة.

فالولايات المتحدة الأمريكية  قامت بإجراء مناورات بحرية كبيرة في بحر العرب وخليج عمان، مع كل من البحرية البلجيكية واليابانية والفرنسية على خلفية التوترات التي خلفها برنامج إيران النووي، مثلما ذكر موقع RT الروسي بتاريخ 21مارس/ آذار2021م في مقال حمل عنوان ” وكالة: الولايات المتحدة الأمريكية وثلاث دول أخرى تجري مناورات كبيرة في الشرق الأوسط”.

فهذه المناورات البحرية الضخمة والتي أعقبها قيام أمريكا بتنفيذ مناورات بحرية بالذخيرة الحية مع باكستان شمالي بحر العرب، تضمنت تدريبات مختلفة على الملاحة البحرية والحربية، وذلك خلال زيارة قوات البحرية الأمريكية لباكستان على متن سفينة يو أس أس مونتيري (سي جي 61)، وهي السفينة التي استقبلتها البحرية الباكستانية بحرارة كبيرة لدى وصولها لميناء كراتشي الواقع على ساحل بحر العرب، كما ذكر موقع وكالة الأناضول بتاريخ 10 جوان/ يونيو 2021م في مقال بعنوان ” الولايات المتحدة وباكستان تجريان مناورات بحرية مشتركة”.

وبالرغم من تأكيد البنتاغون بأن إجراء هذه المناورات البحرية بالقرب من المياه الإقليمية الإيرانية لا يعني بأن أمريكا وحلفائها يخططون للقيام بأعمال عدائية ضد طهران، إلاّ أن كل المؤشرات والمعطيات المتوفرة تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتبع استراتيجية عسكرية بحرية تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على المجال الحيوي البحري لطهران والتأثير على البحرية الإيرانية، من خلال الاستفزازات المستمرة والمتكررة والتي تريد أمريكا من ورائها دفع إيران للقيام بعمل عسكري ضد السفن والبوارج الأمريكية في بحر العرب أو مضيق هرمز، لتجعل من ذلك ذريعة لفرض حصار بحري بموافقة المجتمع الدولي على إيران، لمنعها من تصدير نفطها عن طريق البحر للأسواق العالمية.

فقوات الحرس الثوري الإيراني التي أشرفت بالكامل على عملية نقل شحنات من الوقود والمازوت عبر سفن إيرانية إلى لبنان مروراً بميناء طرطوس السوري، وكسرت الحصار الطاقي الذي كان يعاني منه لبنان لأشهر طويلة وبضوء أخضر من واشنطن، وبتواطئ من دول الخليج الفارسية التي بالرغم من أنها دول نفطية، ولكن لم توجه سفينة نفط أو غاز أو مازوت لنجدة لبنان الذي يعاني من تداعيات أزمة اقتصادية خانقة مدبرة لإغراقه في وحل الاقتتال والحرب الأهلية.

فقوات البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني التي قامت باعتقال العسكريين الأمريكيين في المياه الإقليمية الإيرانية قبل 5 سنوات خلت، عندما تم احتجاز 10 بحارة كانوا على متن زورقين قرب جزيرة “فارسي” داخل المياه الإقليمية بمسافة كيلومترين، وكان من بين هؤلاء البحارة امرأة واحدة وتم احتجازهم لمدة 15 ساعة، وتم إطلاق سراحهم مع ما كان لديهم من عتاد وسلاح، بعدما قام جون كيري وزير الخارجية الأسبق في عهد أوباما بالاتصال بنظيره الإيراني محمد جواد طريف لأكثر من 5 مرات متتالية.

وبرهنت إيران مرة أخرى على أنها قوة إقليمية كبرى لا يمكن لأحد أن يستهين بقدراتها العسكرية أو الاستخباراتية، أو تجاوز حدودها البحرية دون أن يتم اعتقاله، وهي الرسالة التي يبدو بأن واشنطن لم تفهمها جيداً على ما يبدو، إذ أنها تحاول في كل مرة جسّ نبض قوات الحرس الثوري الإيراني وفي مناسبات عدّة كان أبرزها قيام سلاح الجو الأمريكي بقصف موكب الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس السّابق وأبو مهدي المهندس الذي كان يشغل منصب نائب هيئة الحشد الشعبي، بتاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 2020م، مما أدى لاستشهادهما رفقة 8 من مرافقيهم إثر قصف استهدف سيارتيهما على طريق مطار بغداد بالعاصمة العراقية، وكان ترامب الرئيس الأمريكي وقتها من أصدر أوامر بتصفيتهما مثلما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية حسبما ذكر موقع الجزيرة مباشر بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020م، في مقال بعنوان ” صحيفة: السلطات الأمريكية اعتقلت 80 مواطناً عقب مقتل سليماني”.

وهو ما ردت عليه إيران بقصف صاروخي استهدف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، وهي الغارة التي خلفت العديد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الأمريكي هناك، بالإضافة الى استهداف القوات الأمريكية في دير الزور شرق سوريا من طرف جماعات مسلحة مدعومة من إيران، وقيام البرلمان العراقي بالتصويت لصالح انسحاب القوات الأجنبية من العراق، وهو ما عدّ انتصاراَ سياسياً وعسكرياً لطهران، الحليف الأوثق لبغداد في المنطقة.

فالحرس الثوري الإيراني الذي يعد القوة الضاربة للجيش الإيراني استطاع فرض معادلات استراتيجية وعسكرية جديدة في المنطقة، وخاصة في أعالي البحار وأثبت أنه قادر على حماية السفن وناقلات النفط الإيرانية من الهجمات الأمريكية التي تستهدف الإضرار بالمصالح الإيرانية، والضغط على إيران من أجل التراجع عن تنفيذ كل مراحل  برنامجها النووي والسماح لفرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة المفاعلات النووية الإيرانية، فهناك دول عدّة حليفة لواشنطن تملك السلاح النووي، ولكن لا تٌفرض عليها عقوبات اقتصادية أو سياسية مثلما فعلت  واشنطن ولا تزال مع إيران ولا يقوم مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارات تدينها، أو التلويح بالقيام بضربها عسكرياً، في عالم لا يعترف إلا بلغة القوة ويكيل بمكيالين ولا يفرض قواعد ومواثيق القانون الدولي إلا على الدول التي ترفض الخضوع والخنوع للهيمنة الأمريكية الغربية وتدعم الشعوب المضطهدة والمظلومة.

كاتب جزائري