kayhan.ir

رمز الخبر: 140052
تأريخ النشر : 2021October30 - 20:09

السودان: سلة غذاء العالم في مهب المصالح الغربية ـ «الإسرائيلية»

د. علي سيّد

   تُعرف السودان رسميّاً باسم جمهوريّة السودان، وتقع في الجزء الشمالي الشرقي من القارة الأفريقية، وتعتبر واحدة من الدول الأكبر مساحة على الصعيدين العربي والأفريقي، حيث تمتدّ مساحتها إلى أكثر من 1.865.813 كم². يعبر نهر النيل الأراضي السودانية ويقسمها إلى ضفتين شرقية وغربية، وتشترك السودان بحدود من الناحية الشرقية مع كلّ من إثيوبيا وإريتريا، أما حدودها من الجهة الشمالية فتأتي مع مصر وليبيا، كما تحدُّها كل من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى من الناحية الغربية، وأصبحت دولة جنوب السودان تحدها من الجنوب بعد الانفصال الرسمي عن بعضهما.

الاقتصاد السوداني

   يُصنّف الاقتصاد السوداني على أنّه مزدهر ونامٍ بالنسبة لدول العالم، ويُشار إلى أنّ وفرةَ الثروات الطبيعيّة، والحيوانيّة، والمعدنيّة قد ساهمت في تقدّم الاقتصاد السوداني، وبشكل أدق فإن القطاع الزراعيّ يستحوذ على الجزء الأكبر من نشاطات السكان ويأتي بعده القطاعُ الصناعيّ، ويشغلُ القطاع الزراعيّ ما نسبته 80% من حيث القوى العاملة. تشير الدلائل الاقتصادية إلى أن الإقتصاد السوداني قد شهد حركة ملحوظة من النموّ والازدهار عام 2008، نتيجة ارتفاع نسبة إنتاج النفط بالتزامن مع ارتفاع اسعارها أيضاً، كما ساهم الاستثمار الأجنبيّ في تحفيز الاقتصاد السوداني. احتل القطاعَ الزراعي مكانة هامة في الاقتصاد السوداني منذ فجر التاريخ، حيث حافظَ على أهميته كونه النشاط الأكثر امتهاناً في البلاد، إلا أن الوضع الاقتصادي قد بدأ بالتراجع تدريجياً، فأدخل ذلك عدداً كبيراً من السكّان في دائرةِ الفقر.

    السودان وما أدراك ما السودان هو سلة غذاء مليار إنسان أو العالم العربي أو أفريقيا والمقولة الأكثر شيوعاً هي سلة غذاء العالم، كثرت التعابير ولكن الواقع يقول بأن أميركا تطعم السودان «سلة غذاء العرب».

تساهم الزراعة، التي يعمل بها ملايين السودانيين، بـ 48% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان التي تمتلك قدرات تؤهلها أن تصبح سلة غذاء للعالم أجمع.

     اعتُبرت جمهوريّة السودان منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي بأنّها سلة غذاء العالم، ويُعزى السبب في ذلك إلى وفرة الأراضي الزراعية الصالحة والمياه، فأصبحت بفضل ذلك الزراعة وتربية المواشي واحدة من أهم مصادر كسب الرزق لدى أهل السودان، حيث احتلت السودان المرتبة الثالثة في إنتاج السمسم بعد الهند والصين، كما أنه يُدرج في قائمة الدول الأكثر إنتاجاً لمحصول الذرة. تصلُ مساحة الأراضي الزراعيّة في السودان إلى أكثرَ من 16.900.000 هكتار تتوزّع فوق ضفاف نهر النيل، وفي الأجزاء الشمالية من البلاد، ويذكر بأن السودان قد رفعت شعار «السودان سلة غذاء العالم» سعياً لتحقيقِ الاكتفاء الذاتي مما تمتلكُه من محاصيل غذائية، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي، ويشمل هذا الشعار ضرورة تطبيقه متطلباته للوصول إلى الهدف المراد، وهي أن نأكل مما نزرع، بالإضافة إلى الاستفادة من مياه الأمطار من خلال حصرها في السدود والأوعية الخاصة بتخزين المياه. ويمتلك السودان مقومات زراعية، هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية بحوالي 52 مليون فدان، كما تمتلك 103 مليون رأس من الماشية، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد عن 400 مليار متر مكعب.

   لطالما أدركت دول الغرب والكيان الصهيوني القيمة التي يختزنها السودان، نظراً إلى غناه بالموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والذهب والفضة والكروميت والزنك والحديد. فقد استوردت الإمارات خلال العقد المنصرم كميات هائلة من الذهب بلغت قيمتها مليارات الدولارات، علماً أن السودان هو الدولة الثالثة المصدّرة للذهب إلى الإمارات، بعد ليبيا وغانا على التوالي. وقد استمر هذا التبادل الاقتصادي ضمن إطار العلاقات التي أقامتها الإمارات مؤخراً مع الفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي تولّى زمام الحكم في البلاد عَقِب عزل البشير. ونتيجةً لهذه العلاقات، بلغت صادرات السودان من الذهب إلى الإمارات ما قيمته 16 مليار دولار سنوياً منذ العام  2019.

وفي أعقاب سقوط نظام البشير، بدأت عدة دول في تجهيز خططها وأجنداتها الخاصة بالسودان. فبدءاً من أيار  2020، استضافت الإمارات مسؤولين سودانيين بارزين مرات عدة، وجمعتهم مع مسؤولين إسرائيليين، وفي العام نفسه، اتفق السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقة بينهما.

خلال عهد عمر البشير، استخدمت حركة حماس السودان كممر لتهريب الأسلحة إلى غزة، إذ يُذكر أن الأسلحة المُرسلة من إيران كانت تمر عبر السودان، قبل تهريبها عبر مصر إلى داخل الأراضي الفلسطينية. لكن يبدو أن احتمال إعادة إحياء هذا المسار بات شبه معدوم بعد تطبيع العلاقات بين السودان و»إسرائيل».

أطماع “إسرائيل” بالقارة الأفريقية…
موارد السودان أولاً

حددت “إسرائيل” 4 مصالح أساسية واضحة للتطبيع مع السودان تتلخص في الأمن والهجرة والسياحة والزراعة، وتطمح تحقيقها، من خلال الاستثمار بهذا البلد الذي يتشارك حدوديا مع 7 دول أفريقية، وربطه بالطرق. ويستخدم ميناء بورتسودان لإيصال المنتجات الزراعية، في وقت وصفت تل أبيب السودان بأنه “سلة غذائية” للقارة الأفريقية.

وأظهرت التجارب أن تل أبيب دأبت على إفساد “السلة الغذائية” الأفريقية والموارد الطبيعية لبعض الدول العربية وخاصة المُطبعة.

فثمة تقارير أشارت إلى أن الأسمدة والمبيدات التي استخدمتها “إسرائيل” في مصر كانت مسرطنة وأصابت في مقتل صادرات هذا البلد المميّزة من البطاطس والفراولة لأوروبا والشرق الأوسط، حيث سربت “إسرائيل” معلومات أدت لحظر الصادرات الزراعية المصرية مما أثر على الاقتصاد المصري.

وخلافاً للتجربة المصرية، تسابق تل أبيب الزمن للهيمنة على مقدرات الخرطوم، وهو ما تجلى بزيارة وزير المخابرات “الإسرائيلية”، إيلي كوهين، للسودان، مؤخرا، والذي كشف عن المصالح والأطماع الإسرائيلية، عبر الاستثمار بالقطاعات التجارية والصناعية والزراعية، وإنشاء مصنع للأسمدة والكيماويات بالخرطوم، ليكون أول مصنع “إسرائيلي” يقام في دولة عربية أو إسلامية.

    تنظر تل أبيب إلى الخرطوم على أنها بوابة إسرائيل إلى أفريقيا، عدا الأطماع باستغلال الموارد الزراعية والطبيعية لتوسيع نشاط الشركات الإسرائيلية في القارة، ولتضع موطئ قدم لها بأفريقيا وعلى البحر الأحمر، لمنافسة أي محاولات استثمارية للسعودية ومواجهة النفوذ والاستثمار التركي.

وتطمع الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال اليهود التوغل بالسودان، من خلال الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والصحة والطيران والزراعة، حيث تشجع المؤسسة “الإسرائيلية” ـ ولإحكام سيطرتها على السودان ـ الشركات اليهودية على تنفيذ هذه المشاريع من قبل مبادرات وشركات قطاع التجارة والأعمال الخاصة.

وتجلت الخطوة الإسرائيلية الأولى، لوضع موطئ قدم بالسودان، بإعلان شركة داشان لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية استعدادها لتمويل كامل واستثمار بنسبة 100%، لإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم.

المنظور “الإسرائيلي”

    أكد حكام السودان المدنيون في عدة مناسبات عزمهم إقامة «علاقات خارجية متوازنة» وتوطيد علاقاتهم مع الأنظمة الديمقراطية، ومن منظور واشنطن، فإن أفضل طريقة يُظهر بها السودان أنه لم يعد من الدول الراعية للإرهاب هو تطبيع العلاقات مع الدولة الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق. بالنسبة لـ «الإسرائيليين»، تفتح العلاقات الدبلوماسية مع السودان قنوات لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتعطيهم فرصة الاطلاع على الملف الغامض لمكافحة الإرهاب في السودان.

قبل 10 سنوات، كانت المقاتلات الإسرائيلية تقصف شبكات التهريب عبر المنطقة الصحراوية الشمالية الشاسعة في السودان، لمنع وصول الأسلحة عبر البحر الأحمر إلى حركات المقاومة الفلسطينية في غزة. ومن المؤكد أن العلاقات مع الخرطوم ستساعد في قطع شريان الحياة عن هذه الشبكات وتعزز جهود محاصرة الفلسطينيين دبلوماسيا.

وللإمعان في السيطرة على خيرات وموارد السودان، تتطلع «إسرائيل» لانتداب وفودها وبعثاتها المختصة إلى الخرطوم بغية تحديد الطرق الممكنة للهيمنة على الثروة الحيوانية والزراعية وتربية الأبقار والمواشي، ووضع اليد على هذا القطاع الذي يتميز به السودان، ليكون تحت وطأة الشركات الإسرائيلية التي ستستغل موارد السودان لمضاعفة الأرباح والتوغل بالقارة الأفريقية.

وبافتراض حدوث توغل “إسرائيلي” بالسودان اقتصاديا وتجاريا، فإن الخرطوم من وجهة نظر تل أبيب، وفق الصحافي الإسرائيلي، المختص بالإقتصاد داني زاكين “قصة مختلفة تماما عن دول الخليج. فالصناعة الرئيسية في السودان، هي الزراعة في حوض النيل الذي يمر عبر السودان، وعلى طول الطريق ذي الاتجاهين من إثيوبيا وكينيا في الجنوب إلى مصر، توجد مناطق زراعية ضخمة، إذ من المحتمل أن تكون المياه والتربة الخصبة القادمة من الجبال الإثيوبية حظيرة حبوب وسلة غذائية في أفريقيا تتحكم بها “إسرائيل”.

وبحسب الصحافي “الإسرائيلي”، فإنّ وجود تل أبيب سينافس أي مبادرات للسعودية وأي محاولات لتركيا للاستثمار في السودان، لتكون الهيمنة التجارية والاقتصادية في المكان مستقبلا لـ “إسرائيل”.

الخطط «الإسرائيلية»

لكن في ظل تكشف الأطماع الإسرائيلية بالموارد الطبيعية، ينظر بدر الدين حسين علي المدير التنفيذي للقوى الشعبية لمقاومة التطبيع بالسودان بريبة لخطط إسرائيل لإدارة مصالحها مع الخرطوم مما يتطلب من الحكومة الانتباه، متسائلا: لماذا تبدأ إسرائيل تعاونها بالزراعة؟

ويرى أن تجارب الدول المُطبعة مع إسرائيل غير مبشرة لجهة أن تل أبيب في مصر قضت على سلالات القطن المصري بإدخالها القطن المحور، كما استصلحت الأراضي وروتها بمياه الصرف الصحي واستخدمت أسمدة إسرائيلية ضارة.

ويضيف، إن “إسرائيل” طرحت منتجات ملوثة ورخيصة أغرقت السوق الأردني، مما أثر على المنتجين المحليين وتراجع الإنتاج الزراعي واضطرت المملكة لخفض واردات إسرائيل لحماية المنتج المحلي.

ويشير إلى أنّ “إسرائيل” أواخر 2020 دمرت أراضي زراعية فلسطينية على الشريط الأمني، بعد إغراقها بمياه ومبيدات سامة لتهجير المزارعين والتأثير على الأمن الغذائي في قطاع غزة.

يقول المدير التنفيذي لقوى مقاومة التطبيع إنّ “إسرائيل” تورطت سابقاً في تسرّب أسمدة غير شرعية في اليمن، اتضح بعد الفحص أنها مسرطنة، وذات تأثير عال على الجهاز العصبي والكلى والكبد.

ورأى علي أن “إسرائيل” ستتجه إلى الزراعة بالسودان في خطين، أولهما محاولة توقيع عقود طويلة الأجل لاستصلاح واستغلال الأراضي بشروط جزائية صعبة لتشكل ضغطاً على الأمن القومي المصري جنوباً، وربما تقحم نفسها شريكاً رابعاً في قضية سد النهضة، وأن يكون لها مستقبلا حصة من مياه النيل.

أخيراً، بعد أن انتظر السودانيون المن والسلوى، فإذا بهم يواجهون أعلى معدل تضخم في العالم بلغ 254.23% في تشرين الثاني 2020 أي بزيادة 24.49% خلال شهر واحد، ما أشبه الذي يجري في السودان من أساليب حرب اقتصادية ناعمة بما يجري العمل عليه من ذات الدول في لبنان، كان الله بعون البلدان لبنان والسودان.