نحو مؤتمر وطني شعبي عام
من الخطير أن يجري، سياسيا، التعامل مع أحداث اليومين الماضيين بضمّ الوقائع والمستندات والوثائق إلى أرشيفنا، الذي تحتشد في يومياته المنسية عشرات الملفات عن سجلات مذابح وصور ضحايا. وقد نبش ما جرى ذاكرة منسية، ونكأ جراحا مندملة من مآثر عصبات القتل المنظّم والعمالة الفاجرة.
أولا: بدا في صدارة الحدث الخطير أن حركة أمل وحزب الله يخوضان المجابهة منفردين مع خطة جهنمية، تستهدف الوحدة الوطنية، وتهدّد السلم الأهلي. واقتصرت المواقف السياسية الأخرى على التعاطف والتنديد والتننويه بحكمة أولياء الدم المفجوعين المكلومين. وهذا التنويه بذاته، ليس سوى أقلّ الواجب الأخلاقي في لحظة تعرُّض السلم الأهلي لتهديد خطير، ولفتنة قتل دموي مع سبق الإصرار، تعصف بالوحدة الوطنية، وبما هو أدهى في تداعياتها. وقد برهنت قيادتا الحركة والحزب على حكمة عالية ووطنية منزّهة عن شوائب الانفعال والغضب الأعمى، وأظهرتا مع جمهورهما الأبي الشجاع قدرة على الترفّع عن الغرائز في مصيبة مثيرة ومؤلمة، ورغم وضوح مصادر العدوان الظالم والهمجي على حياة المسالمين. فمصادر نيران الغدر القاتل لم تكن معرّفة بالموقع الجغرافي، بل بهوية حزبية سياسية، رغم محاولة التخفّي في التباس طائفي، لم يقع في براثنه جمهور المقاومة المعصوم من رد الفعل الغريزي بوعي وطني يستحق التنويه والتحية.
ثانيا: إن التردّد والتلعثم في إعلان الموقف الصريح والحازم من جانب بعض المواقع القيادية الحليفة يدعو إلى التساؤل والريبة، ويظهر خللا خطيرا في حساباتها، وتأثّرا واضحا بجنوح سياسي واهم لمسايرة الأميركي ومشيئته في هذه الظرف بالذات، وحرصا على عدم إغضابه أو اثارة غضب عملائه الأقربين، بحيث بات الصمت على الجريمة من مقتضيات استرضاء السفارة وأزلامها على حساب الشراكة وأخلاقيات التحالف وموجبات الوفاء للقيم الإنسانية والوطنية. ومن المثير للريبة أن يتأخّر الاستدراك الطبيعي لهذه النقيصة، التي تصبح، كلّما مرّ الزمن، أخطر من مجرّد هفوة أو فجوة أو وقوعا في أسر التباس، يقتضي استجلاء الحقائق. ونأمل ألّا يطول انتظار الصحوة المرجوّة عند بعض الأطراف، التي سرعان ما غابت عن الصورة، ولم تطلّ برأسها، وتلعثمت في اتخاذ موقف بصياغات أضعف الإيمان القاصرة عن الوفاء لشراكة لم تبخل فيها المقاومة بفائض تضامنها ومساندتها لجميع أصدقائها في الملمات.
ثالثا: تلفتت جماهير حركة أمل وحزب الله في لحظة محنة سوداء، فوجدت الفراغ في مقاعد بعض أقرب الحلفاء والشركاء المفترضين. وتستحق التنويه والإشادة مواقف كل من الوزيرين طلال إرسلان وسليمان فرنجية والحزب القومي والشخصيات والقيادات التي كانت في جدارة التحالف والشراكة، فهي أكدت أصالة الحلف الوطني العابر للطوائف والمناطق.
إننا نقترح الدعوة لمؤتمر وطني عاجل، يضم الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والنقابات المهنية، لمناقشة الوضع الاستثنائي الخطير، وإصدار التوصيات والقرارات لقيادة المواجهة في المرحلة المقبلة. ويُفترض أن تنبثق عن المؤتمر هيئة تنسيق تنفيذية لترجمة التوصيات، ولإدارة المعركة الوطنية في المرحلة المقبلة، لفتح صفحة جديدة، تنهي مسار الاستنزاف، وتطلق مرحلة جديدة من النهوض والتعافي. وهذا أقلّ الوفاء للأرواح والدماء، التي باتت في رصيد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. ولتكن البداية من تعرية القتلة ومحاسبتهم، ومن بعد ذلك كلام آخر، وحساب آخر، وإعادة تقويم مستحقّة.
الشرق الجديد