kayhan.ir

رمز الخبر: 137932
تأريخ النشر : 2021September20 - 19:59

أبطال نفق الحرية وخيبات المطبعين

أحمد فؤاد

"عندما يملأ الحق قلبك:

تندلع النار إن تتنفَّسْ

ولسانُ الخيانة يخرس"

لا تصالح - أمل دنقل

سواء كنت تنطقها ملعقة أو معلقة، خاشوقة أو كمچة، مهما تغير اسمها ومهما بلغ سعرها، فقد باتت تلك الأداة رخيصة الثمن ذات قيمة ودلالة هائلتين على سلاح قاهر يساوي -وربما يفوق- عشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها الحكومات العربية على تمويل ودعم صناعة السلاح الغربية.

بالأظافر وأقل القليل من الإمكانيات، لكن بعيون علقت بالسماء، وقلوب زادها الإيمان طهرًا فوق طهر، كتب زكريا الزبيدي وزملاؤه النصر على عدوهم وعدونا، وفتتوا الأبراج المشيدة من قبل الصهاينة، كسروا دروعهم وفتحوا قلاعهم ودكوا كل ما أعدوه من جدران وحصون، حوت خلاصة التكنولوجيا والقمة في ما وصل إليه البشر في مجال الأمن والحماية.

خلال أيام ما بعد هروب مناضلي فلسطين الستة من سجن جلعاد، الأشد حراسة والأكثر حداثة وتطورًا في منظومة السجون الصهيونية، حوّلت الملعقة التي حفرت نفقًا في قلب ورأس كيان العدو إلى السلاح الأكثر فتكًا بأعصاب الصهاينة، ومن ورائهم من حكام عرب، وقبلهم راعيهم الأميركي المنسحب من مواقعه بطول العالم وعرضه.

ولعل نصرنا الأهم، في الرواية البطولية الجديدة، التي قدمها الفلسطيني بيديه العاريتين، إلا من يقين سماوي وروح لا تعرف الهزيمة، هي أنها أعادت العالم العربي كله لتداول أسماء البلدات الفلسطينية، جنين وعكا وصفد والبيرة ورام الله واللد، حيفا والناصرة والجليل، والتي كادت تندثر تحت وقع خطوات التطبيع الرسمي العربي المشين.

في مقابل إمكانات معدومة، صارت بالرؤية والإيمان أسلحة ماضية، تهز العرش الصهيوني، وتكسر الجبروت والغطرسة، وتهز الأرض من تحت أقدام الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، قرأت الشعوب العربية الدرس الفلسطيني الجديد، والأروع، بينما استمر الحكام العرب في غيهم يعمهون، يبحثون عن تأشيرة الشرعية الأميركية من الحليف الصهيوني، وبئس الحكام هم وبئس الحليف هو.

بينما تتمتع الجيوش العربية بخزائن مفتوحة على مصراعيها، وخطوط تواصل لا تنقطع مع موردي السلاح في الغرب، وعلاقات متينة مع كل شركات الحديد والنار الأميركية والأوروبية، للوقوف أمام ما يسوقون أنه تهديد للأوطان، والتجربة لم تعلمنا أن هذه الجيوش لم تطلق النار سوى في الاتجاه الخاطئ، وعكس أمنيات الناس وتطلعاتهم دائمًا، التي أكدت قصة البطولة الأخيرة أن بوصلتهم الطبيعية هي فلسطين وأرضها وقدسها.

وللمقارنة فقط مع البطولة المتفردة، والعظيمة، لأبناء فلسطين، وما تتكبده الشعوب العربية، خصمًا من حقوقها وأحلامها البسيطة بوطن، يتمكنون فيه من الحلم بالترقي والإنجاز والحياة الجيدة، فإن مشتريات السلاح لأكبر دولتين عربيتين –طبقًا لحجم اقتصادهما مقومًا بتعادل القوة الشرائية، السعودية ومصر، قد سجلت أرقامًا قياسية جديدة في البؤس وفقر الخيال لدى حكامهما، في غياب مشروع وطني لدى محمد بن سلمان والسيسي من الأصل.

وخرج معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، سيبري "SIPRI"، أحد أبرز المعاهد الغربية المتخصصة في رصد وتتبع صادرات الأسلحة والسوق المفتوح لأنظمة العالم الثالث نحو الهاوية، خلال العام الحالي 2021، بتقرير مجمع لإجمالي صادرات الأسلحة إلى كل دول العالم خلال السنوات الخمس الماضية من 2016 حتى 2020، وضع المملكة العربية السعودية على رأس قائمة مستوردي السلاح، فيما وضع مصر بالمركز الثالث.

كشف تقرير معهد سيبري عن استحواذ المملكة على حصة تبلغ 11% من سوق السلاح العالمية، متفوقة على كل دول العالم في مجال الشراء، وهو النشاط المحبب لولي العهد، ليرفع حصة البلاد التي كانت تبلغ بالكاد 7.1% من تجارة سوق السلاح العالمية في السنوات الخمس السابقة (من 2011 – 2015).

بالطبع زادت مشتريات السلاح السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، بنسبة 61% بالمقارنة مع السنوات الخمس التي سبقتها، لتنزف الخزينة 273 مليار دولار، وجدت طريقها للطيران إلى حسابات أضخم وأكبر شركات السلاح الأميركية كالعادة، حيث كانت أميركا في طليعة مصدري السلاح للمملكة بنسبة 79%، وتلتها بريطانيا بحصة تقارب 10% ثم فرنسا 4%.

وتمول المشتريات السعودية من السلاح ربع كعكة صادرات الولايات المتحدة الأميركية من السلاح بشكل إجمالي! لتوفر أموال آل سعود الرفاهية لمصنعي وعمال شركات السلاح الأميركية الضخمة، في ظل التقتير الواضح على الإنفاق في مجالات الصحة والتعليم ودعم القطاعات المتضررة من أزمة جائحة كورونا، والحجة الداخلية هي ضغط النفقات.

لكن حين صارت الضربات اليمنية ضيفًا دائمًا في السماء والمدن السعودية، سكت الحديث عن السلاح والجيش، وحدها بدأت المناشدات للحليف الأميركي للقدوم وتحمل مسؤوليات الحماية عن المملكة المكشوفة في عراء العجز.

الطرفة المبكية في التقرير، جاءت على شكل مقارنة بين إنفاق كل من السعودية ومصر على المشتريات من السلاح مقارنة بالإنفاق الصيني الذي ترتفع وتيرته من عقد تقريبًا، وتبلغ واردات الدولتين 3.6 أمثال واردات التنين الصيني، الصاعد بسرعة الصاروخ اقتصاديًا وعسكريًا، في مشهد يليق به وصف ولكنه ضحك كالبكاء.

النظام المصري، هو الآخر، سار على الدرب لكنه لن يصل، فقد رفع الجنرال مشتريات من السلاح الغربي بنسبة 136%، خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، في ظل قيادته لشعب يعاني الأمرين من الفقر والديون المتعاظمة، والتشرذم الحاد نتيجة غياب الإنجاز في أي مجال.

تكبدت مصر، المصابة بإدمان الديون، نحو 136 مليار دولار، عبر مدفوعات وقروض هائلة وفي الغالب غير معلنة، في ظل بنية تحتية تعاني الأمرين، وشعب سقط تحت نير الضرائب والرسوم، التي لا تكاد تفارق أي خدمة تقدمها الحكومة، رغم قلتها وسوئها الشديد.

من الولايات المتحدة إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا وصولًا إلى روسيا، يعقد السيسي صفقاته المذهلة، والتي شملت حاملتي طائرات من فرنسا، وعدد غير محدد من الغواصات الهجومية من ألمانيا، وطائرات من الولايات المتحدة وفرنسا، في سبيل ما يقول إنه لدرء التهديد التركي عن حقوق مصر في حقول الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، والتدخل الأجنبي في ليبيا، وبالطبع الخطر الوجودي الذي يمثله سد النهضة الإثيوبي.

لكن حين حلت ساعة الحقيقة، وبدأت إثيوبيا في منتصف العام الحالي ملء سد النهضة للمرة الثانية، وبات على النظام المصري التحرك العسكري العاجل، لحماية شريان الحياة لمئة مليون مصري، كانت الخطوة سياسية، تعكس هزيمة كاملة أمام الإرادة الإثيوبية، ورفض الرئيس المصري اتجاه إعلامه لترديد كلمة حرب بشكل مستمر، مؤكدًا أنه يسعى لحل سلمي، أما عن تركيا، فقد صدرت الأوامر الأميركية بالصلح، واستجاب الجنرال على الفور، كالعادة.

الحكومات العربية الغارقة في ملف تمتين العلاقات التي يطلقون عليها إستراتيجية مع العدو الصهيوني، كلها سقطت في ملف الحكم أصلًا، وباتت أقرب لقوى مسيطرة على جموع شعوبها، لا تقرأ، وإن قرأت لا تفهم، وإن فهمت فهي أسيرة لوهم القدرة الأميركية غير المحدودة، والتي تثبت تطورات الشرق الأوسط كم هي مرتعشة وتتراجع باستمرار وسرعة مذهلين.