ترجلوا فالوكالة ناقة خرقاء!
حسين شريعتمداري
1 ـ كنت قد حذرت حينها، وذلك عام 2003 إثر التعامل غير القانوني للوكالة الدولية للطاقة الذرية مع برنامج ايران النووي والمقاربة التي وضعت بخصوص الانتهاك الفاحش لمعاهدة "الحد من انتشار الاسلحة النووية" NPT، من قبل الدول الاعضاء، فكتبت المقال المعنون "ما الذي اختمر في اذهانهم؟" ودونت فيه: "كل القرائن تدلنا على ان مؤامرة جديدة خطرة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية والشعب الايراني المظلوم تعمل اميركا وحلفاؤها بالتنسيق مع الامم المتحدة واعتماد تيار متخاذل اوملوث في الداخل على حياكتها. وما الاعراب عن قلقهم من حصول ايران على السلاح النووي إلا غطاء لطمس المؤامرة".
ورغم ان بعض المسؤولين المحترمين حينها قد صدقوا ما ادعته الوكالة من اهتمام ايران في نشاطاتها النووية بانتاج السلاح النووي، وان شكوك الوكالة ستنجلي اذا سمح لمفتشيها بتفقد المنشآت النووية، الا ان ادلة كثيرة تعكس بان نشاطات ايران النووية والاعراب عن القلق بهذا الخصوص ليس الا ذريعة، فالخصم تعتلج في صدره نفثات مسمومة!
2 ـ في وقتها تساءلنا اعتمادا على نماذج رسمية من نقض معاهدة "الحد من انتشار الاسلحة النووية NPT" من قبل اميركا، وبريطانيا، وفرنسا ودول اخرى، انه لماذا التزمت الوكالة الصمت حيال هذه الامثلة البارزة من نقض NPT والتي دونت في تقارير رسمية للوكالة، ولم تتخذ اي اجراء ؟! فالتزم مدير الوكالة حينها السيد محمد البرادعي السكوت! ولم يتم متابعة الامر للاسف الشديد من قبل المسؤولين المحترمين! او في الاقل لم يتعامل مع التساؤل بجدية!
3 ـ ان نماذج انتهاك معاهدة NPT من قبل اميركا وبريطانيا وفرنسا و... قائمة طويلة، ولاسيما خلال العقدين الاخيرين اضيفت له امثلة عدة. سنشير هنا لمثالين، ولمن اراد المزيد يراجع المقال المذكور، ولنقرأ!
الف: حسب المادة 9 لمعاهدة NPT فان دول العالم تنقسم لقسمين؛ الدول المالكة للسلاح النووي والدول التي لا تملك السلاح النووي، وتصرح هذه المادة بان الدول المالكة للاسلحة النووية هي الدول التي اطلقت قبل يناير 1967 سلاحا نوويا او انتجت وسيلة انفجارية نووية.
باء: كما ان المادة الاولى من المعاهدة قد صرحت بان اي من الدول المالكة للسلاح النووي لا يحق لها ان تضع تحت تصرف الدول التي لا تملك السلاح النووي بشكل مباشر او غير مباشر سلاحا نوويا او سائر الوسائل الانفجارية النووية، ولا يساعدوا الدول غير المالكة في انتاج السلاح النووي باي نحو من الانحاء.
4 ـ ان اميركا وبريطانيا وفرنسا وحسب اعترافهم قد جهزوا نظام الكيان الصهيوني بالسلاح النووي. فقد كتب الجنرال ديغول في مذاكرته: سأرقد هذه الليلة قرير العين، فا خيرا تم تجهيز اسرائيل بالسلاح النووي! كما كان لهذه الدول المذكورة الدور الفاعل في انتاج باكستان والهند للسلاح النووي.
اذ اعلن جورج بوش (ابن) في مؤتمر صحفي خلال زيارته عام 2007 للهند (وخضم السجال النووي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية)، ان واحدة من اهداف زيارته للهند، ابرام عقود نووية لتعزيز القدرة النووية لهذا البلد. فلم يجب على سؤال المراسل حول مخالفة هذا العقد مع نص NPT!
الجدير ذكره ان الوكالة الدولية وفي تقرير منفصل قد اشارت الى عشرات الامثلة لانتهاك نص NPT وعدم التفات الدول المذكورة حيال توصيات الوكالة ـ والتي يصطلح عليها الدولية! ـ اذ يطول بيانها.
5 ـ وهنا يطرح التساؤل الآتي انه اذا لا يتعرض الكيان الصهيوني ـ حسب عذر اميركا وحلفائها ـ للمساءلة بسبب عدم انضمامه لمعاهدة NPT، فلماذا وضعت دول؛ اميركا وبريطانيا وفرنسا الاعضاء في المعاهدة الدولية تحت تصرف الكيان الوحشي الغاصب للقدس السلاح النووي بمايخالف النص الصريح للمادة الاولى للمعاهدة؟!
من هنا وطبقا للبنود الصرحية لمعاهدة NPT فانه مادامت اميركا وبريطانيا وفرنسا لم يستردوا الاسلحة النووية من الكيان الصهيوني او يدمروها، فينبغي ان لا يطالبوا بتطبيق نص المعاهدة على سائر الدول الاخرى ومنها ايران.
6 ـ وهكذا اوردنا في الصحيفة؛ "لما كان اطار المؤامرة التاكيد على حضور الجمهورية الاسلامية الايرانية في معاهدة NPT، فان الحل الوحيد والاقرب للصواب يرتكز على خروج ايران من المعاهدة. ومن البديهي ان اقل شك في لابدية الخروج من المعاهدة سيعني الخضوع للفتنة الاميركية الاوروبية وتهيئة الارضية لاضرار اكبر لا تحتمل الاصلاح في المستقبل القريب".
وقد برهنت الايام تطابق توقعات الصحيفة حينها وبشكل كامل. فاقتراح "كيهان" انسجم مع المادة (10) من المعاهدة NPT بحذافيرها اذ جاء في المادة العاشرة؛ "مع تشخيص اي عضو من اعضاء المعاهدة ان الاحداث المذكورة سلفا المتعلقة بهذه المعاهدة قد تعرض مصالح بلده العليا للخطر، فيحق لها ان تنسحب من المعاهدة نزوعا لسيادتها القومية". لكننا لم نخرج!
7 ـ وكان لمقال صحيفة "كيهان" الاصداء الواسعة لدى وكالات الانباء ووسائل الاعلام الاجنبية. فمع وكالات فرنسا الى الاسوشيتدبرس ورويترز ويونايتد برس وكيودر اليابانية، وقنوات التلفزة الروسية، وبي بي سي والجزيرة وسي بي اس والكثير من النشريات الاميركية والاوروبية وضمن بثهم لمقاطع من المقال الذي نشرته كيهان، اعتبروا خروج ايران من معاهدة NPT مقلقة للغاية!
كما واتضح القلق الشديد لاعداء ايران من احتمال خروج الجمهورية الاسلامية الايرانية من معاهدة NPT ومبينا ان اقتراح الخروج بمثابة اطلاقة للقدم العرجاء للعدو و وأد لمؤامرة قد تسالموا عليها!
يذكر ان بعض وكالات الانباء وفي اشارة الى استخدام اميركا لآلية الوكالة للضغط على ايران، اعتبرت اقتراح كيهان طبيعيا، لاسيما وان الخروج من NPT مطروح في المادة العاشرة من المعهدة مما يدلل التصريح بها. فكتبت يونايتد برس بهذا الخصوص "ان السيد شريعتمداري قد اكد في مقاله، وضمن الاشارة الى قضية غزو اميركا للعراق، بان الاميركيين في عام 1991 كانوا على ابواب العاصمة بغداد إلا انه بسبب المعلومات الخاطئة التي كانوا يمتلكونها عن قدرات العراق العسكرية، قدعلقوا الهجوم للحؤول دون تحمل خسائر كبيرة في قواها البشرية، فكانت خطة اميركا حينها، ان يعاد التفتيش للمراكز العسكرية العراقية،ويتم تدمير هذه المراكز بيد العراقيين انفسهم وبذريعة تفتيش اسلحة الدمار اشامل". واضافت "يونايتدبرس". "ان صحيفة كيهان تدعي ان البروتوكول الاضافي غرضه كسب اميركا لمعلومات ادق عن قدرات ايران العسكرية".
الى ذلك قيم البروفيسور "ساشينا" المستشار الفني لوكالة الطاقة الذرية الروسية، وباعلانه ان مقال صحيفة كيهان يدرج كوثيقة في اجتماع الاتحاد الاوروبي، فيم اقتراح الصيحفة بخصوص خروج ايران من معاهدة NPT من زاوية الضغوط الاميركية لاجبار ايران القبول بالبروتوكول الاضافي والحصول على معلومات عن قدرات ايران العسكرية.
8 ـ كما والتفتوا الى هذا الاقرار وهو غيض من فيض؛ ما قاله المدير العام لوكالة المعلومات والاشراف الستراتيجي الاميركي،ومستشار الجيش الاميركي في الشؤون الدفاعية والامن القومي، اضافة لتدريسه لمدة عشرين عاما في اكاديمية "ديكينسون" الاميركية للعلوم السياسية "جورج فريدمن" في الرد على مراسل صحيفة "يو اس اي تودي" الاميركية والذي سأله عن التوتر النووي بي ايران واميركا، قائلا: "ليست مشكلة اميركا مع ايران متعلقة بالقضية النووية لايران، وانما المشكلة تكمن في ان ايران برهنت انها ليست دون قطع العلاقة مع اميركا وحسب بل بامكانها حتى في حال الخصومة والعداء مع اميركا ان تتحول الى اكبر قوة عسكرية وتكنلوجية في المنطقة، وهذا ما لا تتحمله اميركا بان تكون ايران دولة يحتذى بها"!
9 ـ وهنا يطرح هذا التساؤل نفسه؛ ما الذي كسبته ايران الاسلامية خلال عقدين من الجدل النووي (بدءا مع الترويكا الاوروبية ومن ثم من مجموعة 5+1)؟ فبعد المصادقة على خطة العمل المشتركة ودراسة نصها، اوردنا: "اعطينا الفرس بخرجه لنأخذ اللجام المهترئ"! وقلنا في مقال: "اعطت معادلة ربح ـ ربح ثمارها بخسارة للنووي وكسب للعقوبات"! وحينها تعرضت كيهان لسيل الهجمات و...
واليوم شهد الجدل النووي تغييرا في مساره مع مبادرة مجلس الشورى الاسلامي بالمصادقة على الخطوة الستراتيجية لالغاء العقوبات وحفظ حقوق الشعب الايراني، وليخرج من حالة الانفعال.
فيما الخصم يصر على مفاوضات فيينا مع تعنته في ضغوطه غير القانونية، بينما يضع الجانب الايراني شرط الغاء جميع العقوبات واختبار مصداقية هذا الاجراء.
وما لا ينبغي التغافل عنه هنا، ان اميركا تستغل العقوبات كوسيلة ضغط لمواجهة ايران الاسلامية، ومن البديهي هي غير مستعدة لتضييع هذه الالية. من هنا فان استمرار السجال النووي خسارة للوقت وتحميل الشعب والنظام خسائر جمة.
فمنعطفات الجدل النووي العقيم قد بين مع مرور الزمن، ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ـ حسب ما عبر عنه الشاعر مولوي ـ ناقة خرقاء فلا تصل الى ديار ليلى ... واليست المادة العاشرة من معاهدة NPT قد عبدت لنا الطريق؟ نقرأ معا:
"وفيما اذا توصلت اي دولة عضو في المعاهدة الى ان المجريات غير الطبيعية المتعلقة بهذه المعاهدة، بمثابة مجازفة لمصالحها القومية فلها الحق الخروج من المعاهدة نزولا عند اولوية سيادتها الوطنية".