عن النفط ومعادلة "السيد" وناكري الجميل المرتهنين
شارل ابي نادر
أمّا وقد وصل النفط الايراني الى لبنان عن طريق سوريا بعناية ورعاية وحماية حزب الله، وأصبح متوفرا في السوق اللبناني وبالأفضليات التي حددها سماحة السيد حسن نصر الله بين المجاني أو منخفض التكلفة، والمنظم توزيعه بالتفاصيل الواضحة للعيان، فمن واجب كل متابع اليوم معني أو غير معني (غير المعني هو معني حتمًا ولكنه لا يريد أن يظهر بأنه معني)، قول ما له وما عليه، وعلى الاقل اعطاء رأيه بموضوعية - اذا استطاع - عن معطيات هذا الانجاز الذي لم تتوصل إليه أي دولة لا اللبنانية ولا غيرها بما يحمل من تحدٍ، ليس طبعًا لأطراف داخلية، فهي غير مؤثرة بتاتًا وكلامها غبار ليس أكثر، انما التحدي عمليًا هو لأطراف إقليمية ودولية، كانت وما زالت، تمارس حصارًا وضغوطًا على دول كبرى ومتوسطة، وتنجح إلى حد ما.
بداية، كان التحدي للولايات المتحدة الأميركية التي راهنت من خلال الضغط غير المسبوق على لبنان اقتصاديًا وسياسيًا، أن يستسلم بكل مكوناته صارخًا بوجه حزب الله: "كفى، ارضخ لما يريده الأميريكون وانخرط في لعبة الخنوع والتطبيع والاستسلام، وانسحب من المعادلات الاقليمية التي تدعمها أو التي كنت صانعها أساسًا، وارحم شعبك ومواطنيك فها هم على شفير الانهيار، ودخلوا في نفق الجوع والعطش والمرض ..".
والتحدي الثاني كان لـ"اسرائيل" التي راهنت أيضًا على تردد حزب الله في التجرؤ والاقدام على نقل النفط الايراني، ليس فقط رغمًا عن واشنطن، بل في نقله عبر مسار بحري حساس ومحفوف بالمخاطر المرتفعة، حيث تسيطر "اسرائيل" وحلفاؤها الى حد ما على قسم كبير منه عسكريًا، بين بحر العرب وباب المندب والبحرين الأحمر والمتوسط. اعتبرت "إسرائيل" أن حزب الله سوف يخشى اطلاق ولو سفينة واحدة في هذا المسار البحري الذي دأبت فيه مؤخرًا على الاعتداء على أكثر من سفينة ايرانية تفاجأت بجرأة حزب الله والنقطة الصاعقة كانت لها، عندما اعتبر ( الحزب) أن السفينة أو السفن التي ستنقل نفطًا ايرانيًا الى لبنان هي أرض لبنانية وسوف تسري عليها قواعد الاشتباك تمامًا مثلما تسري على الأرض والمنشآت اللبنانية، وأن أي اعتداء عليها بعد أن تُحمل بالنفط حتى ولو كانت ما زالت في المرافىء الايرانية هو بمثابة اعتداء على الأرض اللبنانية.
التحدي الآخر، ورغم كونه غير ذي أهمية ودون أي تأثير ولا يحمل أي بعد أو خطر عسكري مثل التحدي بمواجهة واشنطن أو "اسرائيل"، هو تحدي بعض الداخل الذي راهن - وكما عادته - على موقفي واشنطن و"اسرائيل"، بأنهما على الأقل سيعرقلان تدفق النفط الايراني الى لبنان وتخفيف الحصار عنه، وبقي هذا القسم المرتهن مطمئنًا، حتى تيقّن بدء تسرب النفط الايراني الى لبنان عبر الصهاريج السورية، وبدء تنشقه لرائحته الذكية، فذُهل وخَرِس وانعقد لسانه، بعد أن كان نشطًا وصداحًا، عن استحالة وصول النفط الايراني.
هذا القسم الذي انعقد لسانه بعد أن تنشق أنفه رائحة النفط الايراني وسمعت أذناه كلام السيد عن خطة التوزيع التي ستطال كل اللبنانيين - من يرغب منهم طبعًا وليس بالغصب فالنفط بالغصب له تداعيات صحية ونفسية ضخمة - من الطبيعي أن يخرسوا ولا يتفاعلوا ايجابًا مع الحدث وأن لا يشكروا حزب الله على انجازه هذا، لأن هؤلاء أساسًا، وعندما كان حزب الله يضحي بدماء أبنائه بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي أو بمواجهة الارهاب التكفيري، دفاعًا وحماية عن أبناء هؤلاء المرتهنين الجاحدين ناكري الجميل، كانوا يهاجمون حزب الله ويتآمرون عليه مع أسيادهم في الاقليم والغرب، فمن الطبيعي أن تكون ردة فعلهم هكذا، وهذا ما كان منتظرًا منهم وليس غير ذلك.
اللافت أيضًا في ردة فعل هؤلاء الجاحدين أن وسائل اعلامهم خرست عن التفاعل والاشارة بالشكل المناسب الى الحدث لا بل تغاضت عن نقل كلمة السيد المعنية بالحدث وبتفاصيل النقل والتوزيع، ملتزمة بأوامر أسيادها وولاة نعمتها ومموليها.
وأخيرًا، ربما سوف ينتهي حدث النفط الايراني بعد وقت غير بعيد، وربما يطول قليلًا إذا تأخرت الحكومة الجديدة عن القيام بواجباتها الأساسية، ولكن سوف يبقى حزب الله صمام أمان لبنان والذراع اليمنى لقواه العسكرية الشرعية، اذا تقاعست السلطة السياسية عن القيام بواجباتها في حمايته، أو اذا تقاعست عن واجباتها في حماية أمنه الاقتصادي، وأيضًا، سوف يبقى قسم من اللبنانيين المرتهنين الجاحدين ناكري الجميل، تمامًا كما تعودنا عليهم، بيادق وأبواق أسيادهم الخارجيين.