المهمة المستحيلة ـ اليمن وقف الخسارة ربح…
مصطفى أرشيد
اليمن بدورها مهمة مستحيلة مثلها مثل أفغانستان، والتي يجمعها معها عدد من القواسم المشتركة، منها صلابة شعبها، وقدرته على القتال المتواصل بإمكانيات متواضعة، وفي ظروف غير متكافئة .
عرف اليمن عبر التاريخ، باسم بلاد العرب السعيدة، وجذر العرب الأقحاح إذ يدّعي كلّ عربي بأصله اليماني (ألا أنّ كلّ كريم يماني)، واليمن بالرغم من علوّ جبالها ووعورتها، إلا أنها اشتهرت بطيب هوائها، وغزارة أمطارها الموسمية، بأعنابها وثمارها الطيبة وعسلها، وببهاراتها وعطورها من لبان وبخور ومسك…
لليمن حضارتها المغرقة في القِدَم، والتي أنتجت الأنماط المعمارية بالغة الجمال والروعة، وأنظمة الري الدقيقة في توزيع المياه وحساباتها، ومؤسسات الحكم الملكية والملوك من ذوي التيجان، إذ أنهم أول من ميّز ملكه بالتاج. أنتجت اليمن معارف وأدياناً وخط المسند وهو أصل الخط العربي المعروف، كما كانت على الدوام مصنعاً لا يتوقف عن إنتاج الإنسان، الذي كلما فاض البلد بعدده، هاجر قسم منهم إلى جزيرة العرب وسورية ومصر وشمال أفريقيا وشرقها (القرن الأفريقي).
تعاني اليمن اليوم، من عدوان مثل امتداداً للربيع العربي الزائف وشكلاّ من أشكاله، عدوان اتسم بالحماقة، من جانب من لا قِبل لهم بالانتصار، ومن القواسم المشتركة التي تجمع اليمن مع أفغانستان، أنّ أحداً لم يستطع عبر التاريخ الواضح والجلي ان ينتصر في نهاية حربه على أيّ منهما، حاولت الإمبراطورية الفارسية وفشلت، جرّب الرومان حظهم دون نتيجة، إلى أن حرّضوا حلفاءهم الأحباش، وخرج القليل الذي بقي منهم على قيد الحياة، الدولة العثمانية قاتلت في اليمن لأربعة قرون ونيّف، دون أن يستقرّ لها حال، وكانت آخر حملاتها عام 1904، عندما اقتيد آلاف الشبان من بلاد الشام عنوة ليقاتلوا هناك فلم يعد منهم إلا آحاد، اليمن كانت المصيدة التي وقع بها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، فأكلت عساكره واقتصاده وقضمت من هيبته، وكانت سبباً رئيساً في هزيمته عام 1967، فهل يستطيع التحالف السعودي – الإماراتي أن يحقق ما عجز عنه هؤلاء جميعاً؟ حتى الآن استطاع هذا التحالف هدم عشرات آلاف المساكن على رؤوس ساكنيها ولا تكاد المدارس ورياض الأطفال والمستشفيات ان ينجو منها إلا القليل من هذا القصف الدموي والذي قالت عنه مصادر الأمم المتحدة ان عدد ضحاياه قد قارب على نصف مليون مدني، الأمر الذي يصل إلى مستوى الجرائم ضدّ الإنسانية، هذا إضافة إلى المجاعة وسوء التغذية وانتشار الأمراض بما فيها جائحة كورونا التي لم تكن في الحسبان.
ليس سراً أنّ السعودية والإمارات تخوضان حرب اليمن كذراع غربي، وبالنيابة عنه، هذا وإنْ كان اليوم هو واجهة الحروب السعودية – الإماراتية، إلا أنّ العراق وسورية هما جزء من هذه الحرب وهذا الاستنزاف.
تصل تكاليف الحرب اليومية على اليمن إلى حدّ أدنى يتجاوز مائتي مليون دولار أميركي، ما بين أسلحة ومرتزقة وتموين، يشمل الوجبات الساخنة والمشروبات الغازية وغير الغازية المثلجة، فإلى متى تستطيع هاتان الدولتان الاستمرار باحتمال هذه التكلفة الباهظة، والتي تستنزف كلّ عائداتهما اليومية من البترول وتمسّ مدّخراتهما الموجودة في صناديقهم السيادية الاحتياطية؟ في حرب لا تبدو لها نهاية وها هي قد دخلت سنتها السابعة .
في الجانب المقابل، يعتمد اليمني على عناده وصلابته، على صبره واعتياده على الحياة وصعوبتها والحرب وضراوتها، يستطيع الصمود في موقعه ببندقية قديمة صدئة، وفي جيبه بضع حبات من التمر وقليل من الماء، يعتمد على حليف استراتيجي (إيران) أكثر مصداقية من حلفاء خصومه، وأكثر حاجة لصمود اليمن، وهذا الحليف لا يزال يحقق نجاحات ويقيم قواعد ارتكاز في سورية والعراق ولبنان وغزة، إضافة إلى قاعدته اليمنية، ما يجعله بوضع القوي المحاصِر (بكسر الصاد)، ويجمع من الأوراق ما يجعله قوياً في مفاوضاته مع الغرب، وبأقلذ التكاليف .
متى تنتهي هذه الحرب؟ لا بدّ أنّ أمامها رحلة طويلة، وأوقاتاً إضافية، اليمن الشرعي اليوم بحوزته أكثر من ثلاثة أرباع منطقه مأرب، وفي الطريق إلى إحكام سيطرته على ما تبقى ـ وهي معركة ستطول لأنّ في نهايتها الهزيمة المطلقة للتحالف السعودي – الإماراتي، هذا التحالف لن يقتنع بهزيمته إلا ان وصل الاستنزاف إلى مداه، إلى أن يعجز هؤلاء عن الاستمرار في تمويل هذا العبث، وله في الأميركي القوي مثل وعبرة، فقد وصل الأمر بالأميركي في أفغانستان إلى إدراك أن لا نهاية لحربه الطويلة، إلا بإجراء حوار والوصول إلى تفاهمات مع خصمه لعشرين عاماً، حركة طالبان، وانّ في ذلك السبيل لوقف خسارته، والخروج من المصيدة التي كان يرى الصيني والروسي سعيدين بمشاهدة عذاباته داخلها، فقرّر أنّ وقف الخسارة هو ربح .
للحرب قوانينها وقواعدها المعروفة، ومن هذه القوانين أن من أعلن الحرب وبادر بها ليس هو من يوقفها، إلا إنْ حقق بها نصراً حاسماً، وهو الأمر المستحيل في الحالتين الأفغانية واليمنية، أمر لم يستطع من هو أقوى وأذكى وأمهر من محمد بن زايد ومحمد بن سلمان أن يحققه، فمتى يدرك هؤلاء أن لا مخرج لهم من هذه الحرب إلا بالوصول إلى تفاهمات مع اليمن المنتصر، ومع حليفه الاستراتيجي على الجانب الآخر من الخليج الفارسي؟