بايدن وتسريبات "بيغاسوس" واستعادة المحور التقليدي!
إيهاب شوقي
رغم أن برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" ليس جديدا، إلا أن فضائحه والتركيز عليها إعلاميا، تُظهر، وكما علمتنا السياسة، أن وراء الأمر حدثًا ما أو نقلة سياسية ما على رقعة الشطرنج الدولية. ونحن ممن يرون أن الحدث يرتبط بأحداث أخرى، مثل الاستقبال الأمريكي الحافل لملك الأردن، كأول زعيم عربي يلتقي بايدن، وكذلك تصفية اللوبي الإماراتي بالولايات المتحدة.
بات من المعلوم في السياسة بالضرورة، أن للغرب خططًا وخططًا بديلة، وأن المخططات الاستعمارية تعتمد على محاور متعددة، تفعّل البعض وتعطل البعض، وفقا للظروف والتوازنات، ولكنها تحاول إبقاء الخطط الرديفة دوما ولا تترك الأمور للمصادفات.
والشاهد هنا هو أننا أمام ظواهر تفيد بعودة محور تقليدي تفضل إدارة بايدن الاعتماد عليه، بعد محاولات أمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، جربت تغيير قواعد اللعبة التقليدية، ولكنها دفعت العربة بسرعة كبيرة في طريق زلق ومتعرج، كادت معه أن تنقلب.
ويحاول بايدن الذي يسعى للخلاص من ارث ترامب، الخلاص بالتالي من العربة ومن الطريق والعودة لمسار آخر يتوسم أنه سيكون أكثر أمانا وتحكما في المكابح!
باختصار شديد، حاول ترامب استغلال الفراغ السياسي العربي بتراجع وتواري القوى التقليدية واحتلال الخليج لعرش العمل العربي الرسمي، في الحصول على تصفية تاريخية للقضية الفلسطينية، يحاول معها ترامب أن يقدمها كإنجاز باعتبارها حلا لقضية اعتلت عناوين القضايا الدولية وعبرت من قرن لآخر دون حل نهائي، فتصور أن صفقة التصفية هي بالفعل "صفقة القرن"!
واعتمد ترامب على الحل من طرف واحد، وهو الطرف العربي، والذي سيعلن تنازله عن كافة الحقوق ويعلن الاستسلام والتطبيع الكامل، وقد بدأ بالخليج، وركز على الامارات بما برز لها من دور في رعاية الانظمة وتقديم الرشاوى للنخب الثقافية والاعلامية، وركز على طموح العرش السعودي للأمير الشاب الهابط بالمظلة على الأسرة الحاكمة متجاوزا تقاليدها الملكية في التوريث، لإدخال السعودية في هذا المسار رغم حساسيته المفرطة لوضع المملكة الديني والاقليمي.
ورغم انكشاف اتصالات السعودية وعلاقاتها السرية القديمة مع العدو، إلا أن الإعلانات الرسمية لها وقع ووضع آخر.
هنا تجاوز ترامب المحاور التقليدية التي عرفت بـ"الاعتدال العربي"، باعتبار أنها لن تقدم الحل التصفوي المرضي لليمين الصهيوني والامريكي، وباعتبار أن غاية ما سيقدمه هذا المحور، تنازلات عن الحقوق التاريخية ولكنها ستكفل دولة ولو شكلية، وهو ما يتطابق مع ما يعلنه اليسار الاسرائيلي.
الا ان ترامب في سبيل ذلك، فوجئ بصواعق كبرى للتفجير، منها ما يتعلق بالمقاومة ومحورها ومنها ما يتعلق بالمحاور القديمة ذاتها وتناقضاتها مع المحاور الجديدة التي همشتها وحاصرتها وأوصلتها لأوضاع مزرية وخطرة.
ومع مجيء بايدن ووراثته لوضع أمريكي حرج بالداخل وبالخارج، واجه بايدن اختبارات عملية لما فعله ترامب، حيث فوجئ بمحاولة الانقلاب في الأردن وهو ملف غاية في الحساسية في السياسة الامريكية، وفوجئ بالصواريخ المنهمرة على العمق الاسرائيلي في معركة سيف القدس، وفوجئ بتنامي المقاومة في العراق وسوريا ومحاولات الطرد الجادة للوجود الامريكي، ناهيك عن ظواهر جديدة تتعلق بالموانئ الاماراتية ونذر تفجير كبيرة للأوضاع.
المراقبون لكواليس الإدارة الأمريكية ينشرون بشكل متواتر أن بايدن يريد تهدئة الوضع الفلسطيني عبر هدنة طويلة، وأنه يفضل المحور الكلاسيكي (مصر ـ الاردن ـ "اسرائيل" في التهدئة، دون ذكر لتسويات الوضع النهائي.
ومن المعلوم أن بايدن يريد التفرغ بالفعل للصراع مع روسيا والصين ويريد تحييد الشرق الأوسط وتجميد الصراع فيه باعتبار الاولويات الامريكية العاجلة تتعلق بالحفاظ على الوضع العالمي لامريكا وهو ما يتطلب التركيز على اوروبا واسيا في محيط منافسيه الرئيسيين.
ومن هذه المنطلقات يمكننا قراءة بعض المشاهد التي نراهما مرتبطة كما يلي:
1ـ مشهد استقبال بايدن الحافل لملك الاردن وما قيل من تصريحات تكاد تكون أبياتًا شعرية في قصيدة غزلية.
2 ـ مشهد كشف فضائح تجسس البرنامج الاسرائيلي "بيغاسوس" وعلاقته بمحور ترامب المغضوب عليه من ادارة بايدن!
3ـ سقوط ما يطلق عليه "صائد الفيلة"، توم باراك، احد عمالقة الاستثمار الاميركي، والذي يعتبر ثاني عنصر من فريق الضغط الاماراتي الذي يتلقى ادانة لسلوكه لدرجة وصفتها وزارة العدل بالخيانة، وذلك بعد اليوت برودي. وتوم باراك، هو مهندس علاقات ترامب بمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ومن التهم الموجهة اليه تهم تلمح بالتجسس لصالح الامارات.
وقد كان من ابرز من حضر اعلان نيوم في السعودية عام ٢٠١٧ وحاول اقناع ترمب بالسماح للرياض بامتلاك برنامج نووي.
4ـ الغزل الأمريكي لقطر وظهور اصوات امريكية تدين محاولات الامارات لتخريب العلاقات الامريكية بقطر.
يمكننا هنا أن نستخلص أن إدارة بايدن تفضل قواعد اللعب التقليدية القائمة على الاعتماد على مصر والاردن سياسيا وقطر اقتصاديا لتهدئة الصراع بعيدا عن تفجيره بشكل غير محسوب عبر الاندفاعة الخليجية في التحالف الصريح مع العدو وما يترتب على ذلك من التعجيل بالمواجهة الكبرى.
إلا أن المسكوت عنه هو العجز الأمريكي حيث يتساءل الحلفاء عن مستقبل التسويات، باعتبار أن التهدئة لمجرد التهدئة لم تعد حلا وأن حصار المقاومة بغرض تقليص الصراع، يقود إلى انفجار وشيك محتمل، وأن الاقليم يبحث عن التوازن عبر محاور تقليدية ادمنت التبعية والاعتماد على المحاور الجديدة التي لن تتخلى عن مكتسباتها بسهولة دون صراع داخلي بين محور الخليج ومحور مصر والاردن من جهة، وصراع بين دول الخليج نفسها من جهة اخرى، وهو ما بدت نذره جلية، وكشفته ايضا تسريبات "بيغاسوس" من تجسس الحلفاء على حلفائهم!