التحالف السعوديّ الإماراتيّ والبيت الأبيض الديمقراطيّ
مصطفى أرشيد
بعد سنوات من التحالف والشراكة بين سعودية محمد بن سلمان وإمارات محمد بن زايد، وقد كان يجمع في ما بينهما الولاء والتبعية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصقور الحزب كما رئيس الوزراء (الإسرائيلي) السابق نتنياهو، وجمع بينهما عداء إيران لأسباب تتعلق بهم أو بمشغليهم في الغرب، كذلك مع أذرع إيران الطويلة الممتدة من جبال صعده وباب المندب إلى غزة وما بينهما. وتشمل مروحة العداء دولاً وجماعات متخاصمة، تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين وسورية وحزب الله الشيعي وحركة حماس السنية ـ إنْ جاز الدخول بالأزقة المذهبية ـ ولدى كلّ منهما رغبة عارمة في لعب دور في الإقليم يفوق قدراتهما وذكاءهما، في وقت تآكلت به دول الزعامة في العالم العربي، مصر المنقسمة على ذاتها والمرتهنة بالديون والغارقة بالفساد والفوضى، والمهدّدة بالعطش، العراق المحتلّ يداهمه العطش وخطر تناقص مياه رافديه، والذي تحطمت فيه الدولة المركزية لصالح قطع اثنية ومذهبية وعصابات من ناهبي ثروات العراق النفطية وحتى آثاره الحضارية، وأصبح ينتظر الإعلان عن تقسيمه، سورية التي تعاني جراء حرب كونية تستهدف تقسيمها وتحطيم إرادتها، حرب أكلت أحشاءها من الداخل، وكلما شارفت على نهايتها تعود من جديد إلى خط البداية .
هذا التحالف وهذه الشراكة افترضا أنّ ترامب ونتنياهو باقيان كلّ في مكانه، واستثمر الشركاء مالياً وسياسياً في دعم هذا البقاء مالياً وسياسياً وعلى حساب أمنهما القومي، ولكن النتيجة كانت أن رحل ترامب ونتنياهو ومعهما ما تمّ استثماره، وعادت قطر لتلعب دور الحليف الأقرب والمدلل للإدارة الديمقراطيّة…
هنا كانت السعودية الأسرع في التقاط المتغيّرات الأمر الذي دعا ولي العهد السعودي للمبالغة في حفاوة استقبال خصم الأمس اللدود الشيخ تميم بن حمد في قمة العلا الخليجية، ومن ثم الانفتاح على قطر بعد سنين من الحصار السعودي الإماراتي عليها، هذا ما جعل من بذور الخلاف الكامنة بين حليفي الأمس تنشط وتخرج أوراقها .
للسعودية مخزون من الخلافات مع الجميع، فقد اعتادت منذ تأسيسها على أن تتصرّف كدولة توسعيّة تملك شرعية المقدسات ومال النفط والحجم الأكبر في جزيرة العرب، لم تكن علاقاتها مستقرة مع أيّ من جوارها، الأردن وعرشها الذي هُزم أمام السعوديين في الحجاز في أعقاب الحرب العالمية الأولى، العراق الذي حاولت السعودية في السابق سلبه أراضي ومنها البصرة، الكويت التي دعمت آل سعود واستضافتهم عند هزيمتهم على يد آل الرشيد صارعوها على منطقة الخفجة، وصارعت الإمارات على واحة البريم وبذلت جهوداً لتحول دون اتحاد الإمارات، وجهوداً أخرى لتفكيكه، واليمن التي لا تزال ترى في جبال عسير أرضاً يمنية، وقطر التي حاولت احتلال جزء من أراضيها بالقوة العسكريّة قبل عقدين من الزمن، وحاصرتها في سنوات التحالف مع الإمارات .
العقلية السعودية لا تتغيّر، هذا وإنْ استطاع محمد بن زايد وضعها تحت عباءته لفترة من الزمن كان فيها مرتاحاً، إذ لم يعانِ من مشاكل داخليّة، أو أزمات ماليّة كالتي عانى منها شريكه، الذي يناوئه آلاف من الأمراء، لم تكن لإبن زايد مغامرات غير محسوبة كعملية اغتيال خاشقجي في تركيا، لم يضطر لاعتقال أبناء عمومته وكبار أصحاب رؤوس الأموال في فندق الريتز كارلتون وابتزازهم، ثم انه كان أسرع بالتطبيع والانفتاح على (إسرائيل) والتحالف معها علناً، فيما يضطر ابن سلمان للقاء نتنياهو سراً في مدينة نيوم، العقلية السعودية ترى أنها لا يمكن السماح بدخول جزيرة العرب إلا عبر بوابتها، وهي لا تجيز لمن تراهم صغاراً بالتطاول على مرجعيتها وشرعيتها الدينية والسياسية.
لكن كلّ هذه الشرعيّات كانت قد تهاوت مع تصريحات ترامب في مناسبات حكوميّة وانتخابيّة، لم يحترمهم عندما ذكر مكالمته الهاتفيّة مع الملك السعودي الذي قال له نحن نحميكم وعليكم دفع 500 مليار دولار، وهو الأمر الذي نفّذ فوراً بشكل أسهل من أخذ 100 دولار من مستأجر سيئ في نيويورك، هؤلاء لا يملكون إلا المال وعلينا أن نأخذ منهم بهذه الطريقة. المهمّ هنا أنّ ترامب قد أرسى بذلك قاعدة جديدة للتعامل مع السعودية سيأخذ بها كلّ رئيس أميركي سيليه، في التعامل مع السعودية أو غيرها من دول البترودولار. وها هو الخليج يسمح للقواعد الأميركية بالانتشار، وهي لخدمة الاستراتيجية الأميركية أولاً ولحمايتهم أخيراً، وعليهم الصرف على تلك القواعد طعاماً وشراباً وترفيهاً، إذ يكفي رفع العلم الأميركي في تلك البلاد لحماية تلك العروش، بالطبع لا مانع عند الأميركي من التحرّش بتلك الدول فذلك يدعوها نحو مزيد من الانبطاح، ولكن على أن لا تمثل تلك التهديدات خطراً وجودياً لا يعود على تلك العروش بالخطر، فحسب وإنما على المصالح الأميركيّة أولاً…