صرخة دياب
الكلام الذي قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن الحصار الذي تسبب بدفع لبنان إلى الانهيار لا يسقط من الحساب دور الحكومات المتعاقبة برداءة السياسات ورعاية الفساد، والرئيس دياب ليس مَن يحتاج تسميعه أمثولة الحديث عن البعد الداخلي من الانهيار ودور السياسات الخاطئة والفساد فيه، وهو الذي قال قبل أيام إنه فشل أمام الفساد لأن الفساد أقوى من الدولة، وإنه فشل في تغيير السياسات لأن الدولة العميقة أقوى من رئيس الحكومة. فالكلام الذي قالته السفيرتان الأميركية والفرنسية في هذا المجال مردود لحكومتي باريس وواشنطن، اللتين قاطعتا وحاصرتا دياب وحكومته أملاً بعودة الذين تحملوا ويتحملون مسؤولية السياسات الرديئة التي تحدثت عنها السفيرتان، ومسؤولية الفساد الذي أرادت التذرّع به للرد على دياب.
مثال بسيط على الحصار هو موقف باريس وواشنطن من عودة النازحين السوريين، فالسفيرتان وحكومتا باريس وواشنطن تعرفان كلفة هذا الملف على الاقتصاد اللبناني، كما تعلمان أن لبنان وسورية يقدران على التفاهم على أطر العودة إذا وافقت باريس وواشنطن على تحرير لبنان من أسر قانون قيصر، ومن حظر تقديم المعونات للعائدين داخل سورية بالمستوى نفسه لتقديمهما لهم وهم في حال النزوح في لبنان، فهل تستطيع السفيرتان الإنكار؟
في قضية الاختناق الاقتصادي، ألا تعلم السفيرتان أن رئة التنفس الوحيدة للبنان هي سورية، وأن تقييد لبنان بحظر التعاون مع سورية منع لبنان من النجاح في تحقيق تفاهم لبناني عراقي سوري على تشغيل خط كركوك طرابلس الذي أنشأ منذ الثلاثينيات لضخ النفط الخام، والذي يؤمن تشغيله تفعيل مصفاة طرابلس وتخفيف عبء الفاتورة النفطية الباهظة على لبنان، كما أن هذا الحظر منع تفاهماً لبنانياً مع سورية والأردن ومصر لنقل الغاز المصري، والكهرباء من سورية والأردن، وتجارة الترانزيت إلى العراق التي كانت دوماً نقطة الثقل في تدعيم الإقتصاد اللبناني؟
أمام لبنان الآن عروض روسية وصينية لاستثمارات تنعش اقتصاده، وتخفف أزمة السيولة النقديّة عنه، فهل تنكر واشنطن أنها هدّدت بعقوباتها على لبنان ومسؤوليه الذي يوقعون اتفاقات مع الشركات الصينية والروسية، وأن باريس تضغط لمنع هذا التوقيع، لأنها ترغب ببقاء لبنان تحت المعاناة أملاً بالحصول على هذه العقود لشركاتها بأقل العائدات على لبنان؟
حبذا لو يترجم الرئيس دياب وقفة العز بتوقيع تفاهمات مع الشركات الروسيّة والصينيّة، فيكون في تاريخ لبنان رجل دولة يسجل التاريخ أنه تجرأ على وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار واتخذ موقفاً يتجاوز مجرد المواجهة الكلاميّة مع السفراء والقناصل الى اتخاذ قرارات إنقاذية وتحمّل تبعاتها.
البناء