الانتخابات السورية في الخارج وعلامات تحول كبير
ناصر قنديل
على إيقاع المشهد الفلسطيني المتفجر تجري اليوم الانتخابات الرئاسية السورية خارج سورية، وحيث لم يعُد ممكناً لأحد إنكار الصلة بين الحرب التي شنت على سورية وجيشها ورئيسها، وبين موقف سورية وجيشها ورئيسها من القضية الفلسطينية والصراع مع كيان الاحتلال وخيار المقاومة، بعدما شكلت سورية العقدة المركزية التي تقف عائقاً أمام ما خطط وتم إعداد المسرح لتظهيره لتصفية القضية الفلسطينية ومحاصرة خيار المقاومة، وتعميم التطبيع.
– كذلك لم يعُد ممكناً الفصل بين النهوض الجديد لخيار الانتفاضة والمقاومة في فلسطين، وبين الروح المعنوية التي بثتها انتصارات محور المقاومة وتنامي قوته، وقد شكلت انتصارات سورية العنصر الحاسم في هذا التحوّل المعنوي في صورة محور المقاومة بعيون الفلسطينيين، وكان الصاروخ السوري الذي بلغ ديمونا واحتفل به الفلسطينيون آخر علامات هذا الحضور.
– السوريون خارج سورية وقد تعدّدت أسباب نزوحهم عن بلدهم يعيشون زمن التحوّلات أيضاً، وقد برزت بداياتها قبل سنوات، وكان لبنان مسرحاً لتظهير مبكر لها مع انتخابات الرئاسة السورية عام 2014 ومشهد الطوفان البشري أمام مقر السفارة السورية، وما قاله فيه الكثيرون على مستوى صناع القرار العالمي كمؤشر على وجهة الرأي العام السوري، وتسبّب بهيستيريا المتورّطين بالحرب على سورية من رموز بقايا النظريات الفاشية العنصرية المتصهينة، والذين يكرّرون عصابهم مجدداً، لكن التحوّل في الرأي العام السوري هذه المرّة سيكون أوضح وأشمل، وليس المشهد الفلسطيني العامل الوحيد في منح الزخم لهذا التحول، بصفته التعبير الجديد عن صعود محور المقاومة الذي تشكل سورية قلعته، بل لأن ما تشهده عواصم عربية وغربية تموضعت على ضفاف العداء لسورية، يقول للسوريين إن العالم يتغيّر.
– عندما تجري الانتخابات الرئاسية في السفارات السورية، في فيينا واستكهولم وابو ظبي والقاهرة وعمان وموسكو ومينسك وبكين ونيودلهي وبيونس آيرس ومسقط ويرفان وإسلام أباد وطهران وبيروت وتنضمّ باريس الى المشهد الإنتخابي، فهذا ليس أمراً عادياً، لأن أكثر من نصف السفارات السورية التي ستشهد الانتخابات، كانت ممنوعة من استضافة الناخبين في الاستحقاق الرئاسي السابق، والأهم أنها في عواصم لدول لعبت دوراً فاعلاً في الحرب على سورية، ويشكل موقفها بالسماح باستضافة السفارات للعملية الانتخابية تعبيراً قاطعاً عن حجم التحول الجاري في المشهد العربي والدولي من حول سورية، وفي الحصيلة يشكل اعترافاً ضمنياً بشرعيّة العملية الانتخابيّة وما ينتج عنها، وإلا لماذا منعت العملية سابقاً وسُمح بها اليوم؟ وهذا يعني أن التشكيك بشرعية الانتخابات ونتائجها سيتراجع عن المشهد السياسي، ولو بقي بالنسبة للبعض من باب رفع العتب، أو توزيع الأدوار.
– من الطبيعي أن يترك هذا التحول العربي والدولي أثراً على تزخيم التحول الجاري في الرأي العام السوري خارج سورية، لجهة إعلان نهاية مرحلة الابتزاز السياسي لسورية بملف النزوح، الذي كان أصل الاستثمار فيه بخلفية توظيف النازحين ككتل ناخبة، بربط عودتهم بالحل السياسي الشامل ومشاركة المعارضة في الانتخابات، وبسقوط هذا العامل واقعياً تسقط مبررات الاحتفاظ بموقف دولي سلبي من عودة النازحين، كان يترجم بربط أي مساعدة مالية للنازحين ببقائهم في بلدان النزوح، بينما طالبت سورية دائماً بالسماح بتوفير هذه المساعدة للعائدين منهم، وهو ما طالب به لبنان مراراً، وكانت ترفضه مع الأصوات الخارجية أصوات نشاز في الداخل اللبناني، هي الأصوات ذاتها التي تهدّد النازحين بترحيلهم إذا شاركوا بالانتخابات، كتعبير عن الغيظ الناتج عن الرهانات الخاسرة التي اعتادها أصحاب هذه الأصوات النشاز، بدلاً من أن تنطلق حساب المصلحة الوطنية، وترى في كثافة المشاركة الانتخابية مؤشراً على رغبة النازحين بالعودة، فتضمّ صوتها للمطالبة بتحويل المساعدات التي يتلقونها في لبنان كنازحين، ليحصلوا عليها في سورية كعائدين، لكن البعض يرتكب الحماقات ليفضح حقيقة موقفه الذي يريد تخيير السوريين بين استضافة مشروطة بالعداء لبلدهم والتوطين من بعده، أو التهجير القسري، بينما الطبيعي أن يقول للعالم، انظروا إليهم ها هم راغبون بالعودة ويثقون بدولتهم فلم لا تعطونهم المساعدات في بلدهم فيرتاحون من ظلم النزوح ويرتاح لبنان من عبء الاستضافة؟