نهوض سورية وانتصارها
غالب قنديل
ردّ الفعل الأميركي العصابي بل الهستيري على بعض الدعوات الغربية والدولية لإعادة التواصل مع دمشق، والرئيس بشار الأسد بالذات، يمثّل برهانا متجددا على انتصار سورية وثباتها قلعة للتحرر الوطني والمقاومة في الشرق العربي، يخشى المستعمرون من قيامتها وتعاظم قوتها بقيادة قومية تحرّرية، خبروا صلابتها وجذرية التزامها القومي بقضية تحرير فلسطين ورفض الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، وكذلك احتضانها لجميع "أخوة التراب" في المشرق وفي سائر البلاد العربية، وانحيازها المعلن لنزعة التحرّر والعدالة في كل مكان من العالم.
أولا: إن وضوح هوية القيادة الوطنية السورية ودرجة صلابة الرئيس بشار الأسد والتزامه المبدئي وثباته القومي التحرري، هي عبرة السنوات المنصرمة التي صفعت جميع المشاركين في خطة تدمير سورية، من مراكز التخطيط الاستعمارية العملاقة في الغرب، إلى الحكومات العميلة التابعة في المنطقة وسقط المتاع من عملاء صغار وأبواق وأقلام مأجورة، يترنحون ويتخبطون في الفشل والخيبة في ختام أعوام من الوهم والهلوسة حول إسقاط سورية وإطاحة رئيسها المقاوم.. وما أقبح ما يمثله في تلك الجوقة "جحوش" الاستعمار من الأقلام والحناجر المنفوطة والمثقوبة في لبنان.
يجب أن يصاب الحلف المعادي وعملاؤه بالرعب من ملامح انتصار سورية ونهوضها. فتكالبهم بقيادة الإمبراطورية الأميركية كان حصيلة إدراكهم لما تمثله القلعة السورية في المنطقة العربية كمركز تحرّري مشعّ بوصفها قلب المشرق والعروبة النابض.
ثانيا: تمثّل نهضة سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد رافعة قوية لنزعة التحرّر ولخيار المقاومة في المنطقة. والنيل من ذلك الدور التاريخي كان في صلب التخطيط الاستعماري الصهيوني الرجعي لتدمير سورية، واستهداف قيادتها القومية الصلبة ورئيسها العروبي المقاوم.
يدرك المخطّطون الاستعماريون والصهاينة مغزى هذا التحول ونتائجه الهائلة، وهم يتذوقون مرارة الخيبة. وبقدر ما كانت الحرب على سورية، بجميع فصولها وأدواتها، بؤرة استنزاف ومستنقعا دمويا موحلا في المنطقة، استثمره الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي، وأنس لحصاده من الدم والخراب والموت، فإن نهوض سورية يبعث لدى جميع هؤلاء شعورا عميقا وشاملا بخيبة مرّة وهزيمة مبرمة، وهم يدركون أن ما بعد نهوض القلعة السورية وتعافيها، هو بالتأكيد غير ما قبله، وأن هذا المنعطف النوعي في مسار الصراع سيدشّن تحولات عميقة في المحيط القومي وعلى مستوى المنطقة والعالم، وهذا هو أثمن عِبر التاريخ المعاصر عن سورية، التي لم تلقب عن عبث "قلب العالم القديم".
ثالثا: إن اهم المزايا النوعية للنهوض السوري، هي أن الجمهورية العربية السورية تمثّل واسطة العقد في محور إقليمي شرقي، يضم إيران والعراق ولبنان وفلسطين واليمن. وهذا التكتل الإقليمي القابل للتبلور والنهوض، ستتبادل أطرافه أسباب القوة مع القلعة السورية، ويتنامى حولها في جميع المجالات الاقتصادية وفي القدرات الدفاعية الرادعة كقوة هادرة، تفرض وجودها على مساحة المنطقة والعالم، والرئيس بشار الأسد بوعيه الرؤيوي التاريخي، هو من اطلق منذ سنوات دعوة إلى التشبيك الإقليمي بين بلدان المشرق، عندما قدم أطروحته عن البحار الخمسة.
هزيمة الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ضد سورية والشرق العربي ستولّد نتائج وتفاعلات نوعية، تنعكس على ميزان القوى، وتراكم المزيد من العوامل، التي ترجح كفة محور المقاومة والتحرر المشرقي. فما يبذله أبناء شعبنا من دماء وتضحيات، يؤسس لحصاد تاريخي عظيم، ما بعده غير ما قبله، بتوافر الإرادة التحرّرية والوعي، وفي ظل قيادات موثوقة مجرّبة. ولأن انتصار سورية يتزامن مع مزيد من التنامي في قدرة الشقيق الإيراني، وثبات حلف المقاومة على ميثاق فلسطين المنتفضة، فإن شرقا جديدا يرتسم في الأفق، والغد لناظره قريب.