تحالف إسرائيلي - خليجي ضد إيران: ماذا عن المخاطر والمصالح؟
شارل ابي نادر
أعلن الإسرائيليون موخرًا عن مشروع مرتقب يحضرون له، يقوم على بناء تحالف عسكري بمواجهة ايران، يجمعهم مع دولٍ خليجية، من التي سارت في اتفاقات التطبيع معها، أو مع غيرها من التي طبّعت معها عمليًا أكثر من غيرها، إنما ما زالت تخجل من الإفصاح عن ذلك. وبينما يسوّق رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو للمشروع بشكل كبير، تتعامل الدول الخليجية المقصودة مع الإعلان عن الموضوع بصمت، وبدون أي تعليق، لا ايجابي ولا سلبي، بل تتابع فقط تبادل الزيارات العلنية وغير العلنية مع "تل ابيب"، مع ملاحظة ارتفاع منسوبها مؤخرًا، تحت مختلف العناوين، الديبلوماسية والعسكرية والثقافية والسياسية.
أساسًا، كان منتظرًا أن تعلن "اسرائيل" عن مشروع التحالف مع عدة دول عربية، ومع الخليجية منها بالتحديد، فمن الطبيعي أن لا تكون أهداف الاتفاقات التطبيعية مع تلك الدول محصورة فقط في الصور التذكارية والإعلانات الترويجية والمحاضرات الثقافية، لأن أهداف العدو واضحة منذ البداية، وهي خرق كامل وفاعل لأغلب مجتمعات الدول العربية والإسلامية، والدخول شيئًا فشيئًا نحو علاقة عادية وطبيعية، تماثل او حتى تضاهي في تداخلها، علاقاتها مع أغلب الدول الغربية، الأميركية والأوروبية، سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا، وذلك ضمن مخطط متكامل، تهدف من خلاله الى إنهاء فكرة اغتصابها للحقوق الفلسطينية والعربية (الإسلامية والمسيحية) من ذهن كل العرب، ودفعهم الى شطب فلسطين وسائر الأراضي المحتلة من ذاكرتهم ومن تاريخهم ومن جغرافيتهم.
فعلى ماذا يقوم هذا التحالف بشكل عام؟ وما هي خصوصيات إنشائه في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية من الاشتباك الإقليمي والدولي الحساس؟ وأين ايران منه، خاصة أنه يستهدفها بشكل رئيس؟
كل تحالف عسكري يقوم بأساسه على عدة مقومات أهمها: العدو المشترك والمصلحة القائمة للأطراف المشاركين والجدوى من اشتراكهم، والأهم، على الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها كل طرف مشارك، لهدف التحالف بشكل عام.
لناحية العدو، من البديهي أن تعتبر "اسرائيل" ايران عدوًا لها، وهذا العداء واضح وثابت وعلني، والاشتباك الحساس قائم بين الطرفين وعلى كافة المستويات بشكل كامل.
لناحية الدول الخليجية المرتقب مشاركتها في هذا التحالف المعادي لإيران، فإن ايران بالأساس لا تعتبر هذه الدول عدوة لها، فحتى الأمس القريب كانت العلاقات كاملة مع أغلبها، وحتى الآن ما زالت بعض خطوط التواصل الاقتصادي والاجتماعي والنقل وغيرها مفتوحة بشكل شبه عادي. ودائمًا كانت إيران تنادي بالتقارب والتواصل والتفاوض مع تلك الدول العربية الجارة لها، وهناك الكثير من النقاط الأساسية المشتركة معها، دين واحد وتاريخ وقيم مشتركة وعلاقات اجتماعية وعائلية متشابكة وبقوة معها، ولكن أن تجرّ "اسرائيل" وبدفع وتوجيه من أغلب الإدارات الأميركية المتعاقبة، تلك الدول لأن تضع نفسها في خانة العدوة لإيران، فهذه إستراتيجية معروفة تاريخيًا، وكانت دائمًا بهدف إضعاف العرب والمسلمين وتبديد قدراتهم وجهودهم ومواقفهم بمواجهة "اسرائيل".
لناحية المصلحة، مصلحة "اسرائيل" من التحالف معروفة وواضحة وثابتة، وهي تربح الكثير من هذا التحالف على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والمالية والاقتصادية، بمواجهة ايران، وفي إطار تقوية عناصر التطبيع مع دول عربية، تُعتبر فاعلة نظرًا لما تملكه من قدرات غير بسيطة في الإعلام والمال والعلاقات الدولية.
ولكن أين مصلحة الدول الخليجية المرتقب مشاركتها في هذا التحالف؟ وهل من مصلحتها أن تتحول من دول لديها أعمال مزدهرة وتجارة نفط وعلاقات اقتصادية واسعة، ستكون جبهة مواجهة وخط دفاع استباقيا لـ"اسرائيل" بمواجهة ايران، مع ما يحمله ذلك من تداعيات خطرة، ومن تراجع اقتصادي نتيجة الخوف وفقدان الثقة بسبب التوتر الأمني والعسكري، والذي سوف ينشأ في الخليج حتمًا بعد سريان هذا التحالف العسكري.
لناحية الجدوى، أمر مفهوم ان لـ"إسرائيل" جدوى من هذا التحالف، وتشمل هذه الجدوى بالتأكيد المصلحة الإسرائيلية الواضحة، والموقف القوي سياسيًا وعسكريًا بمواجهة ايران، ولكن لا جدوى بتاتًا للدول الخليجية من انخراطها في هذا التحالف، فهي في ذلك تبدو وكأنها تشتري المشكل وتستجلب الخطر لبلادها، في الوقت الذي لا يؤمن لها هذا التحالف المعادي لايران، لا المصلحة ولا الهدوء ولا السلام ولا الأمن ولا الازدهار، بل بالعكس، سوف تخسر نسبة كبيرة من هذه الميزات، ودون أي هدف ممكن أن تحققه من هذا التحالف.
بالنسبة لإيران، من الطبيعي وبكل موضوعية، أن هذا التحالف سيكون لديه تداعيات سلبية على ايران، حيث تصبح بحاجة لجهود ضخمة لمواجهة أكثر من دولة، كانت بالأمس القريب صديقة أو شقيقة، فأصبحت مع هذا التحالف عدوة لها، تتمركز على حدودها الإقليمية وتتداخل مياهها الاقتصادية الخالصة وجزرها معها، وتحضن (الدول الخليجية) قواعد عسكرية، برية وبحرية وجوية، لـ"اسرائيل" نفوذ أو وجود غير بسيط فيها، بالإضافة لما سوف تستفيد منه "اسرائيل" على صعيد التنصت والمراقبة والرصد ومتابعة الحركة العسكرية الإيرانية، في الخليج أو في العمق الإيراني، عن كثب ومن مسافات مناسبة وغير بعيدة.
من هنا، وحيث ظهرت بشكل واضح المصلحة الإسرائيلية الكاملة من هكذا تحالف معادٍ لايران، على كافة الصعد العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، مقابل اللامصلحة بشكل كامل وواضح أيضًا، للدول الخليجية المنتظر مشاركتها، أو التي ذكرت "اسرائيل" أنها سوف تشارك في هذا التحالف.
وانطلاقًا من تداعيات هكذا تحالف على إيران من كافة النواحي، ومن قدرة الأخيرة على مواجهته، وهي تواجه حاليًا تقريبًا منظومة معادية تشبه هكذا تحالف بشكل كبير، وبينما أصبح شبه مؤكد لناحية إمكانية فتح باب التفاوض المباشر أو غير المباشر، بين إيران وبين الولايات المتحدة الأميركية، وفيما اقتنعت الأخيرة بفشل أسلوب الضغط على إيران، بهدف إرغامها على الرضوخ لما هو بغير مصلحتها ومصلحة الأمن القومي الإيراني.. انطلاقًا من كل ذلك، لم يعد مستبعدًا أبدًا أن تنتهي وتتبخر فكرة هذا التحالف المعادي لإيران من قبل أن تبدأ، وأن لا يكون أكثر من فقاعة إعلامية وسياسية، تدخل أيضًا في إطار مسلسل الضغوط الفاشلة ضد ايران.