القضية الفلسطينية والطعنات المفصلية 3/3
إيهاب شوقي
بعد استعراض الانحراف اللاحق بالصراع والوهن وأسبابه في الجزءين السابقين من هذا المقال، وبعد إلقاء الضوء على بعض المحطات المفصلية للقضية، نحن على موعد مع إلقاء الضوء على باقي المحطات وصولًا لـ"صفقة القرن" المزعومة وحقيقتها وجوهرها الى التطبيع / العار المجاني وإرهاصاته.
ويمكن القاء الضوء على باقي المحطات كما يلي:
4- انتفاضة الحجارة كمحاولة للإنقاذ
ساهمت منظمة التحرير الفلسطينية مع غيرها من فصائل المقاومة الأخرى في انتفاضة 1987 التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية من جديد بعد سنوات من الإهمال السياسي. وكان من أهم نتائج هذه الانتفاضة إلى جانب الخسائر المادية التي ألحقتها بالعدو الإسرائيلي، هو عودة الزخم والحماسة للشباب الفلسطيني وإعادة خيار المقاومة المسلحة إلى صدارة الحلول المطروحة لحل القضية الفلسطينية.
وقد استمرت انتفاضة الحجارة عدة سنوات، حيث إن بداية تلك الانتفاضة كانت تلقائية، بينما نهايتها كانت بقرار سياسي، إذ أصبح 13 سبتمبر 1993 آخر أيامها، حينما وقعت اتفاقية إعلان المبادئ في العاصمة النرويجية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الاسرائيلي أو ما يطلق عليه اتفاق أوسلو، وعادت بعدها طلائع القوات الفلسطينية إلى غزة والضفة الغربية.
5- انقسام العمل الفلسطيني
تعد اتفاقية أوسلو شاهدًا حقيقيًا على ما لحق بالعمل الفلسطيني من انقسام ومقدمة لما تلاه من انقسامات أكبر بل وصراع داخلي.
وتنص الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، مقابل اعتراف منظمة التحرير بـ"إسرائيل".
ومن المفترض، وفقًا للاتفاقية، أن تشهد السنوات الانتقالية الخمس، مفاوضات بين الجانبين، بهدف التوصل لتسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338. ونصت الاتفاقية أيضًا، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، وهو ما لم يحدث الى اليوم!
6- مبادرة الاستسلام العربية
إن كان يؤرخ لكامب ديفيد ومحادثاتها بأنها بداية الانقسام الرسمية رغم الخيانات والتخاذل العربي السابق والتواطؤ بين أنظمة عربية وأمريكا والصهاينة في مرحلة الكفاح المسلح وفي مرحلة المد القومي ومرحلة مصر الناصرية، وان كان يؤرخ لاتفاقية اوسلو بأنها بداية التفريط الفلسطيني الرسمي في القضية وأعمدتها وثوابتها بمجرد الاعتراف بالعدو وكيانه ودولته، فإنه يؤرخ لما عرف بـ"مبادرة السلام العربية" بأنها بداية انهيار النظام الرسمي العربي وخروج العرب جميعهم من الصراع واعتراف جماعي بالعدو ودولته، ومقدمة للتطبيع الراهن وتصفية القضية تصفية كاملة.
والمبادرة العربية، وهي بالأصل مبادرة سعودية، أطلقها عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين بذريعة إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين البلدان العربية مع العدو الإسرائيلي وكانت في عام 2002 في القمة العربية في بيروت، وقد نالت هذه المبادرة تأييدا عربياً رسميا.
7- خارطة طريق التصفية:
بالطبع كانت المبادرة العربية ايذانا بانطلاق عملية التصفية للقضية بخطوات عملية وفق خارطة عرفت بـ"خارطة الطريق"، وهو الاسم الذي تعرف به "خطة السلام في الشرق الأوسط"، والتي أعدت بواسطة ما عرف باللجنة الرباعية الدولية، التي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا استنادا الى "رؤية الرئيس الأمريكي بوش" التي أوضحها في كلمة ألقاها في 24 يونيو 2002.
وتدعو "خارطة الطريق" إلى البدء بمحادثات للتوصل لتسوية سلمية نهائية -على ثلاث مراحل- من خلال إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005.
وتضع خارطة الطريق تصورا لإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة بنهاية العام 2004، وبعد الالتزام باتفاق لوقف إطلاق النيران، سيتعين على الفلسطينيين العمل من أجل قمع "المتشددين". أما "إسرائيل" فسيتعين عليها الانسحاب من المدن الفلسطينية وتجميد بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.
8- صفقة القرن:
بالطبع وكالعادة لم تنفذ بنود الخارطة ولحق بالداخل الفلسطيني ما لحق به من انتفاضات ومحاولات للمقاومة وخذلان عربي وفلسطيني رسمي لها وحصار وصراع سياسي داخلي عرف بـ"الانقسام الفلسطيني"، وبرزت قوى المقاومة على جبهات متعددة تبلورت في محور عرف بـ"محور المقاومة" يضم غير المعترفين بالكيان الصهيوني، وأصبح هذا المحور محاصرًا وعدوًا للنظام العربي الرسمي والعدو الأكبر لأمريكا والكيان الصهيوني.
وتوسعت عمليات الاستيطان وأعلن الكيان عن القدس عاصمة له وضم الجولان رسميًا بمساندة امريكا ولم يحرك النظام العربي ساكنا، واعلن ما عرف بـ"صفقة القرن" وهي صفقة لتصفية القضية وتغيير وجه الصراع رسميا باستبدال اطرافه، حيث يصبح الكيان الصهيوني حليفا لانظمة عربية ضد المقاومة وضد من لا يعترف بالكيان مقابل وعود بانتعاشة اقتصادية وهمية في استنساخ لمشروع شيمون بيريز المعروف بالشرق الاوسط الجديد.
ثم تحولت المبادرة العربية الى مبادرة من طرف واحد، حيث اعلنت انظمة خليجية كالامارات والبحرين واعلن السودان والمغرب الانضمام للاعتراف والتطبيع في وقت لم يقدم الكيان به أي تنازلات، بل في وقت يبتلع به الكيان ما تبقى من القضية!
ووفقا للمسار الراهن فإن القضية تتحول لتصبح قضية تاريخية ما لم يتوحد الفلسطينيون على خيار المقاومة واجبار النظام العربي على العودة الى الثوابت وبشرط عودة الزخم للقضية شعبيا والالتفاف حول خيار المقاومة.
ان الدرس المستفاد من هذه المحطات المفصلية، هو أنه وعند كل تفريط في خيار المقاومة، يطمع العدو في ابتلاع المزيد من الحقوق، وعند كل وهن شعبي، تطمع الأنظمة في المزيد من التفريط، وهو ما يقودنا مرة أخرى الى حتمية الالتفاف والتوحد على خيار المقاومة.