تدويل الأزمة اللبنانية: الدور المريب.. وأخذ لبنان إلى المجهول
د.علي.أ.مطر
لا شك أن لبنان عصيٌّ على محاصريه ومحاولة كسر أهله، ولا شك ايضاً أن أي محاولة للتدويل تعني المجيء بقوات احتلال متعددة الجنسيات، ولا يزال تاريخ دخول القوات الدولية في ذاكرة اللبنانيين، بعد أن دخلت إلى بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي قوات أميركية وبريطانية وفرنسية تحت مسمى "قوات حفظ السلام الدولية" وكان هدفها دون مواربة هو تمهيد الطريق لكيان العدو الصهيوني لتثبيت قواته في بيروت، لكن اللبنانيين كانت لهم كلمة أخرى من خلال مواجهة هذه القوات، التي تعرضت لضربات تاريخية مذلة، ما أدى إلى انسحابها في بداية 1984 من لبنان، بعد أن بقيت فيه 18 شهرًا. وهنا قد يسأل البعض لماذا هذا التمهيد؟ هذه المقدمة ضرورية للتذكير بمخاطر المطالبة بتدويل الملف اللبناني، وكشف لبنان أمام قوات محتلة تحت مسميات مختلفة.
اليوم يعود البعض إلى طرح فكرة التدويل على اعتبار أن لبنان اعتاد التعايش معها منذ العام 1978، إذ إن الأمم المتحدة تحركت وأرسلت قوات الطوارىء الدولية (اليونيفل) إلى جنوب لبنان رداً على الاجتياح الإسرائيلي له آنذاك، في مهمة حفظ سلام لا تزال مستمرة حتى اليوم، وبصيغة معززة بموجب القرار 1701، الذي أقره مجلس الأمن في نهاية عدوان تموز 2006، إلا أن هذه الدعوة مختلفة تماماً عن فكرة فض الاشتباك او مراقبة الحدود كما هو دور اليونيفيل.
فالتدويل الذي تدخل فيه مصطلحات الشرعية الدولية والمرجعية الدولية والبعد الدولي، يعني بشكل عام أن تصبح الأزمة السياسية الراهنة في لبنان محل اهتمام واختصاص وتدخل الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها المتخصصة، أو تحت رعاية دول محددة كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، علماً أن معظم الأزمات التي تم تدويلها أدت إلى خراب البلدان التي كانت تعاني منها، ولا تزال سوريا كبلد تحولت أزمته إلى أزمة دولية شاخصة أمامنا نتيجة تدخل الغرب فيه ودعمه المعارضة المسلحة تحت حجج متعددة، ومثله العراق وأفغانستان، وبالتالي فإن هذا التدويل يعني طرح الأزمة اللبنانية أمام مجلس الأمن الدولي، ومحاولة استصدار قرار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على اتخاذ "إجراءات قسرية" في حال كان السلام مهددًا، تتراوح بين العقوبات الاقتصادية واللجوء إلى القوة.
ما هو الفصل السابع؟
بحسب المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة يعني الفصل السابع أن مجلس الأمن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
ووفق المادة 41 فإن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.
ويحق للمجلس وفق المادة 42 إذا رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة".
المسوغات والأهداف للتدويل
كما يبين ميثاق الأمم المتحدة فإنه يسمح تحت بند الفصل السابع بممارسة الضغوط على بلد لإجباره على الالتزام بالأهداف التي حددها مجلس الأمن، قبل أن يتم تطبيق إجراءات قسرية. كما ينص على هذه الإجراءات في "حال تهديد للسلام أو فسخ لمعاهدة سلام أو شن هجوم". وتتراوح الإجراءات بين "العقوبات الاقتصادية والعقوبات الأخرى التي لا تشمل اللجوء إلى القوة المسلحة من جهة والتدخل العسكري الدولي"، وذلك يؤدي إلى إدخال قوات متعددة الجنسيات إلى لبنان.
ومع أنه لا يوجد مسوغات لهذه الدعاوى بإدخال لبنان تحت الفصل السابع، حيث إن الأزمة اللبنانية الراهنة، تدخل في إطار الأزمة الداخلية، ويمكن حلّ الأمور داخلياً، فلا يستقيمُ قانونياً طلب تطبيق الفصل السّابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن هناك أصواتا شاذة تدعو إلى جعل لبنان تحت الفصل السابع من أجل مصالح خاصة، أو تدويل الأزمة عبر طلب تدخل من الولايات المتحدة من خارج سياق الأمم المتحدة، والهدف من ذلك بات معروفاً وهو محاصرة فريق من اللبنانيين. ومنذ بداية الأزمة اللبنانية نرى أن هناك فريقا يقوم بتعقيد هذه الأزمة من أجل الوصول إلى هذه اللحظة الخطرة بتاريخ لبنان.
ومن المؤسف أن تصدر هذه الدعوات من شخصيات لها ثقلها الديني والسياسي، وشخصيات أخرى دعت إلى تدويل القضية اللبنانية، والتي بدأ لبنان ينقسم نتيجتها بين مؤيد لها، وبين معارض كونها دعوة للخراب والحرب واستدراج الخارج للاعتداء على لبنان.
المؤسف والمستغرب أن تلعب وسائل إعلامية لبنانية، دوراً معاكساً للمصلحة الوطنية من خلال إبراز هذه الدعوات، وتركز بشكل دائم عليها بشكل يكشف لبنان أمام الخارج. للأسف فقد تحولت مهنة الصحافة والإعلام لدى البعض من مهنة الصدق وتبيين الحقيقة إلى مهنة تشويه الحقائق والكذب على الناس واستخدام البروباغندا لجذب المشاهد وزرع الأفكار المغلوطة في عقول المتلقين، حيث تشارك هذه الوسائل بشكل أو بآخر لمصلحة دول خارجية ببث الفتنة بين اللبنانيين، وتشويه صورة شريحة كبير منهم، والمشاركة في محاولات تدويل الأزمة على الرغم من احتمالات تخريب لبنان لمصلحة العدو الإسرائيلي أو لشن حرب بالوكالة عن العدو الإسرائيلي تحت شعار قوات دولية، وبالتالي أخذ لبنان نحو المجهول وإدخاله في اتون الفتنة.