العراق والدول الخليجية.. الانفتاح المشروط
عادل الجبوري
من العاصمة العراقية بغداد، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح الحجرف أن "العلاقات العراقية - الخليجية استراتيجية، واننا نقف الى جانب العراق في محاربة الارهاب وبسط الأمن والاستقرار في البلاد".
جاءت هذه الرسائل والاشارات الايجابية خلال زيارة الحجرف الأولى للعراق قبل أيام قلائل، منذ توليه لمنصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في شهر نيسان - ابريل من العام الماضي خلفًا للدبلوماسي البحريني عبد اللطيف الزياني.
لا شك أن هناك حقائق تاريخية وثوابت جغرافية ومصالح متبادلة وقواسم ثقافية واجتماعية مشتركة تفرض على العراق والمنظومة الخليجية بناء علاقات طيبة تصب مخرجاتها فيما يعود بالنفع والفائدة على شعوبهم وشعوب المنطقة، وتساهم بالتالي في ترسيخ وتكريس الأمن والاستقرار السياسي والرفاه والازدهار الاقتصادي الاقليمي.
في ذات الوقت، هناك تراكمات لعقود طويلة من المشاكل والأزمات وغياب الثقة بين العراق والدول الخليجية، انعكست سلبًا على مجمل المشهد الاقليمي، بل وأكثر من ذلك ساهمت بشكل أو بآخر في إثارة الصراعات والحروب وتغذيتها بدلًا من احتوائها وتطويقها.
وثمة حقائق ومعطيات، لا بد من أخذها بنظر الاعتبار والالتفات اليها عند بحث ومناقشة وتحليل أبعاد وآفاق العلاقات العراقية - الخليجية، لعل أهمها وأبرزها، أن منظومة مجلس التعاون الخليجي المؤلفة من ست دول - اذا استثنينا منها اليمن - تفتقر الى التجانس والانسجام في مواقفها وتوجهاتها، وفوق ذلك، كان الصراع والتصادم والتقاطع فيما بين بعضها البعض، وما زال، السمة السائدة واللافتة، واذا لم نشأ الرجوع بعيدًا الى الخلف، فإنه بالأمس القريب بلغ الصدام بين قطر من جانب والسعودية والامارات والبحرين من جانب آخر، مراحله الخطيرة، حتى بدا للكثيرين أن الحرب بين الطرفين باتت قاب قوسين أو أدنى من الحصول.
ومعروف أن الخلافات والاختلافات بين امارات الخليج الفارسي تعود الى ما قبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، بتخطيط ودفع وتوجيه بريطاني - أميركي في اطار الخطط والتحركات والمشاريع الرامية الى مواجهة الثورة الاسلامية الايرانية ومحاولات إرجاع الشاه الى السلطة في طهران.
ورغم مرور أربعة عقود على تشكيله، فإن مجلس التعاون الخليجي لم يفلح في تذويب تلك الخلافات والاختلافات، ولم ينجح في تحقيق خطوات استراتيجية مهمة كما حقق ذلك الاتحاد الأوروبي ومنظومات إقليمية أخرى، لا سيما وأن السعودية كانت تصّر على طول الخط على الاحتفاظ بموقع الزعامة، انطلاقًا من حقيقة أو فكرة "الأخ الأكبر".
الى جانب ذلك، وارتباطًا بما سبق، فإن مواقف الدول الخليجية حيال العراق، لم تكن موحدة، بل إنها كانت في بعض الأحيان متباينة الى حد كبير، لا سيما بعد سقوط نظام صدام في ربيع عام 2003، وما أفرزه من وقائع وتداعيات وتفاعلات في المشهدين العراقي والاقليمي.
فبينما التزمت عمان بمواقفها التقليدية المتزنة ولم تنزلق الى اصطفافات وتحالفات ضيقة، وبينما حاولت الكويت الحفاظ على وسطيتها واعتدالها، اختارت السعودية ومعها الإمارات والبحرين مسارًا متطرفًا ومضادًا لعموم العملية السياسية في العراق، منطلقة من نزعات طائفية متشددة، ومن هواجس ومخاوف وحسابات خاطئة، وقد انعكس ذلك المسار الذي اختارته الرياض وابو ظبي والمنامة على مجمل الأوضاع الأمنية في العراق، لأنه ساهم الى حد كبير في ظهور الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، واستفحال الفتن الطائفية والمذهبية، وتصاعد حدة الصراع والتصادم السياسي بين الشركاء والفرقاء.
وطبيعي جدًا أن يحول تباين وتقاطع المواقف الخليجية دون بلورة مواقف موحدة، واليوم حينما يأتي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الى بغداد ويطلق رسائل واشارات ايجابية، فإنه انما يشير الى ضرورة وأهمية فتح صفحة جديدة من العلاقات بين بغداد وشقيقاتها، وهذا هو المطلوب، بيد أن فتح صفحة جديدة، يتطلب قبل ذلك، تصفير وتبييض الصفحات السابقة وعدم تركها على ما هي عليه من بقع سوداء، ومساحات رمادية، وخيوط متشابكة، وملامح مضطربة!
صحيح أن السعودية بادرت خلال العام الماضي الى اتخاذ خطوات ايجابية لتعزيز العلاقات مع العراق، وخصوصًا على الصعيد الاقتصادي، إلا أن هناك إشكالية كبيرة، تتمثل في غياب الثقة لدى الرأي العام والنخب السياسية والثقافية العراقية بجدية ومصداقية خطوات ومبادرات الرياض، لأن الذهن العراقي ما زال معبأً بكمّ كبير من المواقف السلبية والخطابات الإعلامية التحريضية والفتاوى الدينية التكفيرية السعودية، والتي هي في الواقع نتاج عمل منظم ومبرمج ومخطط وليست عبارة عن آراء ومواقف فردية انفعالية، كما يحاول أن يسوق لذلك ويبرر أصحاب القرار في الرياض، حينما يواجهون ببعض الحقائق والأرقام المؤلمة من قبل العراقيين، وعلى نفس المنوال كانت تتحرك وتتصرف أبو ظبي والمنامة ومعهما الدوحة في بعض الأحيان.
والإشكالية الأخرى، هي أن الانفتاح الخليجي على العراق، يراد منه، أو أن أحد اشتراطاته، الابتعاد عن طهران، أي بعبارة أخرى، تقول السعودية والامارات والبحرين، ان اقترابنا من العراق ينبغي أن يترافق معه الابتعاد عن إيران، وهذا يعني فيما يعنيه، اتخاذ العراق أداة او بوابة لتصفية الحسابات وطرح المساومات، بينما يشدد الساسة العقلاء في بغداد على أهمية الانفتاح على الجميع وبناء علاقات متوازنة، تتيح للعراق أن يكون حلقة وصل ونقطة التقاء بين الفرقاء الاقليميين وليس محطة تباعد وافتراق، وكما أكد وزير الخارجية فؤاد حسين خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الحجرف "ان العراق يبني علاقاته على أساس مبدأ التوازن، وتفعيل المصالح المُشتركة، والاحترام المتبادل"، لأنه ما الفائدة والجدوى من تهديم بناءات قائمة ومثمرة مع طهران أو أي طرف آخر، من أجل الاتجاه للشروع ببناءات جديدة من غير الواضح بالقدر الكافي فرص وامكانيات نجاحها في خضم تشابك وتداخل الملفات والقضايا الاقليمية والدولية، وعدم تبلور حقيقة النوايا والتوجهات والرغبات والأولويات.
ومثلما يقول البعض، إنه إذا كانت هناك اشتراطات لفتح صفحة جديدة بين العراق وفضائه الخليجي المجاور، فإنها يجب أن تطرح وتنطلق من بغداد وليس العكس، وينبغي أن تتأسس على مصارحات ومكاشفات تفضي الى تصفية ملفات خطيرة، أبرزها ملف الإرهاب بكل تفاصيله وجزئياته وحقائقه وأرقامه، قبل فتح معبر عرعر والربط الكهربائي والاستثمار في الصحراء وبناء الملاعب والاسكان.