kayhan.ir

رمز الخبر: 12594
تأريخ النشر : 2014December31 - 20:40

عام فلسطين وعام الفضائح الأمريكية

هاشم عبدالعزيز

يطوي عام 2014 آخر أيامه غير مأسوف عليه، وككل عام بدأت وسائط الإعلام تفرد صفحات وتقدم برامج إذاعية وتلفازية عن أيام مضت بما حفلت في شتى الميادين، وتقدمها كما لو أنها جرد حساب لفعل الزمن بينما كل ما يحدث فعل في الزمن ويبقى الشاهد على الإفادة منه أو إهداره.

كان عام 2014 حافلاً بالأحداث في شتى المناحي والمجالات إذ كان من الاستحالة سرد إحصائها فإن هناك من الأحداث ما تبقى في تأثيرها أكان إيجابياً أو سلبياً بصمة في الزمن يمنحها الاستمرار واستعادة حضورها.

من بين أبرز ما سجله عام 2014 أنه شهد ما بات يوصف بالفضيحة الأمريكي من جانب، ومن جانب آخر كان عاماً فلسطينياً بامتياز.

الفضيحة الأمريكية لها وجهان، الأول صار يعرف بفضيحة التعذيب الذي تمارسه وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد السجناء المعتقلين في السجون الأمريكية المنتشرة حول العالم بما في ذلك سجن غوانتانامو، الذي وصفته رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ديان فاينستاين بأنه "وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة” لا لأنه أثار ضجة عالمية عالية في دول العالم لما له من تأثيرات ومخاوف على الحريات العامة وحقوق الإنسان والسجناء المنافية للأعراف والقوانين الدولية بما فيها القانون الإنساني والدولي ربما يضع الإدارة الأمريكية أمام مسؤولية الممارسة غير الإنسانية وحسب، بل إن الفضيحة تعري زيف ادعاءات الإدارة الأمريكية جمهورية كانت أم ديمقراطية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بممارسة التعذيب في حق السجناء.

أما الوجه الآخر للعار الأمريكي فهو عنصري تفجر في ال 9 من أغسطس/ آب الماضي في ولاية ميزوري عندما قتل أحد أفراد الشرطة الشاب الأسود الأعزل مايكل براون واشتعل في السهل الاجتماعي الأمريكي بعد أن برأت المحكمة الشرطي القاتل وزميلاً له ارتكب الجريمة ذاتها في قتل شاب آخر أسود وأعزل.

لقد باتت هذه الأحداث أقرب إلى إشعال الحريق في القش تبدأ التظاهرات بأعداد صغيرة وفي أحياء بسيطة لتتحول في لحظات إلى حشود عارمة غاضبة وتمتد إلى مساحات واسعة تتواصل من الولايات الصغيرة إلى الكبيرة ومنها إلى العاصمة، ويشارك فيها الأمريكيون بانتمائهم إلى المواطنة المتساوية فقد أيقظت جرائم القتل وأحكام البراءة شبح العنصرية في الولايات المتحدة وباتت التظاهرات أقرب إلى موجات متزايدة من التدفق عبر أنحاء البلاد للمطالبة بتغير "الأمور” التي تعني النظام الذي لم يضع بعد نهاية للعنصرية القاهرة.

لقد كان لافتاً أن المتظاهرين في العاصمة واشنطن أعلنوا رأيهم في مواجهة الحقيقة "لا عدالة لا سلام”، مطالبين بقانون ضد الربط بين الأوصاف العرقية والسلوك وأكدوا أن المسيرات والتظاهرات وكل أنواع الاحتجاج لا تعني أنها مسيرات للسود ضد البيض، بل إنها مسيرات أمريكية من أجل حقوق المواطنين الأمريكيين وهي ما كانت لتقوم ولا يعلن أنها ستبقى مستمرة حتى تحقق أهدافها لو أن النظام كفل الحقوق الوطنية لأبناء المجتمع الأمريكي في المساواة والعدالة والكرامة وما يرتبط بمجمل حقوق الإنسان التي نسمعها في الجعجعة الإعلامية الأمريكية، لكن الأغلبية الأمريكية لا تلمس الجوهر الإنساني مما يقال. والازدواج هكذا بين الأقوال والأفعال ليس سياسة أمريكية كما في شأن الصراع العربي - الصهيوني بل هي حالة أمريكية تدور على حياة الأمريكان.

السؤال الآن: على ماذا بني اعتبار 2014 عاماً فلسطينياً بامتياز؟

قد يكون مناسباً القول إن إرادة الحق الفلسطينية واجهت الحرب الصهيونية الوحشية على غزة وقلبت نتائج أهدافها على الكيان الصهيوني بخسائر عسكرية واقتصادية وأسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وهزت الكيان الصهيوني بأسره في أمنه واستقراره الذي لا يمكن أن يدوم على العدوان والاحتلال والاستيطان، غير أن المعني من عام فلسطيني يرتبط بالموقف الأوروبي الذي بات مفتوحاً على تغير غير عادي عما كان عليه لأكثر من ستة عقود في شأن أزمة الشرق الأوسط.

لقد بقيت الدول الأوروبية منذ بدء هذه الأزمة على ارتباط ب”إسرائيل” بعض منها كما هي بريطانيا وفرنسا كان على علاقة أساسية بوجود هذا الكيان، وبعض آخر ارتبط ب”إسرائيل” لأسباب عديدة وكانت ترى الأمور من خلال ما تصوره الحملات الدعائية الصهيونية، وإلى هذا ارتبط الموقف الأوروبي من هذه الأزمة والقضية الفلسطينية بالذات بالموقف والسياسة الأمريكية.

ومع أن الحروب الصهيونية والجرائم ضد الإنسانية لهذا الكيان أحدثت اختراقات في الرأي العام الأوروبي لكن هذا لم يؤثر في علاقة هذا الكيان بالدول الأوروبية وبسبب الارتباط بين هذه الدول والكيان الصهيوني من جانب ومن جانب آخر غياب الدور العربي الممنهج لمواجهة الحقائق وفي الأبرز الحق العربي شاع الاعتقاد من أن النفوذ "الإسرائيلي” ومن خلال اللوبي الصهيوني نافذ في كامل الكيان الغربي الأمريكي والأوروبي.

غير أنه بمثل ما أدى الاندفاع الصهيوني إلى استهداف الشعب الفلسطيني في وجوده إلى تجذر إرادة الحق الفلسطينية، أدى الإفراط في تسويق الخداع والتضليل "الإسرائيلي” أوروبياً إلى دورة عكسية من التساؤلات والمتابعة لعدم إحداث أي تقدم في التسوية السلمية التي استفردت بها الولايات المتحدة وهي مستمرة منذ قرابة 25 سنة.

إن هذه التطورات وضعت الدول الأوروبية أمام حقيقة أن "إسرائيل” لا تتهرب من استحقاقات السلام وحسب، بل هي في اندفاع محموم لمواصلة الاحتلال والاستيطان وتلجأ إلى مواجهات الحروب للتغطية على هذا الخيار.

من هذه الزاوية يمكن القول إن التحرك الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطين ليس تجاوباً مع تحرك عربي وفلسطيني بل هو بداية رد اعتبار للموقف الأوروبي تجاه قضايا أمن واستقرار وسلام هذه المنطقة وفي أبرزها القضية الفلسطينية.