ما هي احتمالات الحرب في المنطقة بعد تسلّم بايدن؟
شارل ابي نادر
ربما جاءت الصدمة التي صَعقت الولايات المتحدة الأميركية وباقي العالم، من غزوة مؤيدي الرئيس دونالد ترامب للكونغرس أثناء جلسة التصديق على فوز بايدن بالانتخابات، لتكون - وبتدبير غير مستبعد من الدولة العميقة - المخرج المناسب لإنزال الرئيس ترامب عن شجرة الجنون، ولمنحه متنفسًا لما خلقه من أجواء توتر وضياع ولا منطق، في ردة فعل غير سويّة على خسارته فرصة استمراره في البيت الأبيض، فاستسلم أخيرًا مُصرِّحًا بأنه سوف يؤمن انتقالًا سلسًا للسلطة، تمامًا كما كان مُفترضًا منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات.
وفيما يبدو أن الكثيرين ينتظرون بفارغ الصبر مرور آخر أيام ترامب في الإدارة الأميركية، حتى يتنفسوا الصعداء باندثار فرصة شن حرب أميركية في المنطقة ضد إيران ومحور المقاومة، أو اختفاء أية امكانية لمغامرة عدوان إسرائيلية ضد حزب الله في لبنان أو ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، وبدعم ورعاية من الإدارة الأميركية الحالية، هل يمكن القول إن هذه النظرة صحيحة وفي مكانها؟ وهل يمكن التأكد من ان فرص هذه الاعتداءات مع تولي بايدن قد أصبحت معدومة، وأن الخطر المرتقب من عدوان أميركي - اسرائيلي سينتهي مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بعد تسلمه سدة الحكم بعد العشرين من الشهر الحالي؟
عمليًا، لا يجب اعتماد هذه المعادلة واعتبار أن بايدن الديمقراطي سيكون بعيدًا عن اتخاذ قرار بشن حرب في الإقليم، ضد ايران أو ضد أحد أطراف محور المقاومة، وذلك للأسباب التالية:
تاريخ الديمقراطيين في شن أو رعاية ودعم الحروب والاعتداءات ضد الشعوب والدول لا يختلف كثيرًا عن الجمهوريين، وتلك الاعتداءات لم تكن في تاريخ الأميركيين مرتبطة مباشرة بهوية الحزب الحاكم في البيت الابيض، بل ارتبطت بمعطيات استراتيجية تتعلق بمصالح واشنطن وبموقعها في لعبة النفوذ والسيطرة عبر العالم.
والرئيس ترامب أساسًا لم يشن حربًا بمعنى الحرب العسكرية، بل لجأ إلى حروب من نوع آخر، تقوم بمجملها تقريبًا على محاصرة الدول ومعاقبتها من خلال تشديد وفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية عليها من جهة، وعلى تنفيذ الاغتيالات ضد رجالات هذه الدول من جهة أخرى. كما وطُبع عهده بسياسة البلطجة في علاقاته الدولية، من خلال انسحابه، وبشكل يتعارض مع القوانين والأعراف المتعارف عليها تاريخيًا، من أكثر الاتفاقيات أو التفاهات الدولية، ولكي نكون موضوعيين، لم يثبُت من خلال متابعة سياساته الدولية خلال الأربع سنوات التي قضاها في البيت الأبيض، أنه يهوى أو يميل أو يفضل شن الحروب.
في الواقع، يمكن القول إن أي عدوان أو حرب أميركية أو إسرائيلية برعاية مباشرة من قبل الأميركيين، تبقى مرتبطة بالمعطيات وبالعناصر التالية:
سياسة "إسرائيل العدوانية ما زالت هي نفسها، وطابع هذه السياسة في التجاوز الدائم للشرعية الدولية لم يتغير، بل يمكن القول إنه ازداد وسيزداد أكثر، أولًا كردة فعل مباشرة على تصاعد قدرات إيران ونفوذها، وعلى التطور والتقدم الواضحين في قدرات وموقف وموقع أطراف محور المقاومة، حزب الله في لبنان، أنصار الله في اليمن، الحشد الشعبي في العراق والمقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وفي غزة بالتحديد، وخاصة بعد المناورة الأخيرة المشتركة للفصائل الفلسطينية وإمكانية توحُّدها أكثر سياسيًا وتنظيميًا.
من جهة أخرى، كانت نسبة تصويت اليهود الأميركيين لبايدن في سباق الانتخابات الرئاسية مرتفعة بشكل لافت، خاصة أن ترامب لم يقصر خلال كامل عهده في اعطاء "اسرائيل" كل ما تمنّت، ولو على حساب القوانين والتفاهمات أو الاتفاقات الدولية، وهذا لا يمكن أن يحصل بالصدفة من دون تدبير وتنظيم وتوجيه من مفاتيح النفوذ في اللوبي اليهودي، الأمر الذي يحمل الكثير من الأبعاد والمؤشرات التي تصب في خانة تقارب غير عادي بين استراتيجية بايدن وبين استراتيجية الصهاينة، والتي لن يكون دعم الأخير لـ"اسرائيل"، في حروبها واعتداءاتها، أو في تجاوزها للحقوق الفلسطينية والعربية، الا عنصرًا أساسيًا في هذه الاستراتيجية.
أيضًا، فإن "الأشقاء" في الخليجالفارسي، والمرتهنين للسياسة الأميركية - الإسرائيلية، ما زالوا على نفس التوجه ضد إيران، لا بل هم اليوم أكثر عدائية ضدها وضد أغلب أطراف محور المقاومة، حيث بدأوا يجاهرون باستعدادهم لدعم أي اعتداء على إيران أو على أحد أطراف محور المقاومة، وخاصة على حزب الله في لبنان وعلى حركة "انصار الله" في اليمن، وأساسًا، أغلب وأهم دوافع وأسباب وحوافز اتفاقاتهم مع "إسرائيل"، قامت بشكل رئيس على التكتل ضد إيران عبر عدة اتجاهات، ومنها بشكل أساسي الاتجاه العسكري.
أخيرًا، يبقى من الأسباب المعقولة والجدية لعدم استبعاد أية حرب أميركية - اسرائيلية في المنطقة مع بايدن، تأثير لوبي شركات مصنّعي الأسلحة في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الاميريكة لفرض أو لتسهيل هذه الحرب، حيث تحتاج حاليًا هذه الشركات لتغطية النقص الهائل في مداخيلها، والذي نتج عن الوضع الاقتصادي المنهار عالميًا بسبب جائحة كورونا، (وأغنياء وأمراء وملوك النفط في المنطقة مستعدون للتغطية المالية)، فإن ذريعة شن أي اعتداء أو حرب أميركية - اسرائيلية في المنطقة سوف تبقى دائمًا موجودة في استراتيجية واشنطن و"تل ابيب"، وسوف يبقى التوتر والخوف والخطر من امكانية ذلك واردًا وبنسبة لا تختلف كثيرًا عن الحالية مع آخر أيام الرئيس ترامب.