عدم الاستقرار السياسي في كيان العدو: انتخابات رابعة خلال عامين
جهاد حيدر
يشكل تدحرج الازمة السياسية الإسرائيلية نحو انتخابات مبكرة هي الرابعة منذ عامين، محطة استثنائية بأكثر من معيار. فهي غير مسبوقة في تاريخ كيان العدو، وتأتي في ظل أخطر ازمة صحية واقتصادية تواجهها "إسرائيل"، وفي ظل شلل تعاني منه الدولة بسبب أن رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، يريد أن ينقذ نفسه من المحاكمة، حتى لو كان على حساب شعبه.
من موقع متابعة ما يجري في كيان العدو، وبعبارة أخرى في جبهته الداخلية، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، من الجدير تسليط الضوء على أكثر من ملاحظة تتصل بالانتخابات المبكرة، انطلاقا من أنها تتجاوز في خلفياتها وأبعادها كونها نتيجة تعثر مساعي التوصل للمصادقة على الموازنة العامة عن العام 2020، التي شكلت السبب المباشر لحل الكنيست والدفع نحو انتخابات عامة في 23 اذار المقبل.
يشكل تكرار العمليات الانتخابية بهذا المعدل، اربع مرات في سنتين، عبئا ثقيلا على المجتمع الإسرائيلي، وتتفاقم دلالات هذا الحدث الذي يتحمل مسؤولية اجرائه المسؤولون الإسرائيليون، كونه يجري في ظل وضع صحي واقتصادي خطير جدا. ومع ذلك، فقد تم جر الجمهور الإسرائيلي إلى صناديق الاقتراع كل بضعة أشهر، وفي كل مرة من دون أن تؤدي إلى تغيير جذري في خارطة موازين القوى الائتلافية.
لا يخفى أن هذا المعدل من الانتخابات، يعكس على أقل تقدير حجم الانقسامات وحدتها على المستويين السياسي والشعبي. ونظرياً لا يوجد ما يمنع تكرارها للمرة الخامسة والسادسة، إن لم يحدث تحول جذري في نتائجها أو أي مستجد يغير المعادلة القائمة.
أكثر من أي محطة سابقة، تبدو الانتخابات المقبلة، داخل معسكر اليمين، فالاصوات التي يمكن أن تعيد انتاج الخارطة النيابية، أو تحدث فيها تغييرا يؤدي إلى قطع هذا المسلسل المتواصل، تتنقل من حزب يمين إلى آخر ومن دون حدوث "ثورة" داخل هذا المعسكر على نتنياهو فإن هذا المسار سيتواصل.
على هذه الخلفية، من أبرز ما يُميِّز الانتخابات المقبلة، عن العمليات الثلاثة السابقة، وقد يكون له آثاره على نتائجها، أن تمرد القيادي في حزب الليكود، جدعون ساعر، وصل إلى حد الانشقاق ثم لحقه القيادي المقرب من نتنياهو، زئيف إلكين. نتيجة ذلك، للمرة الاولى يتشكل حزب "ليكود ـ ب"، باسم "امل جديد"، يشكل مظلة لكل متذمر من نتنياهو ويريد أن ينقذ دولته من دون أن يكون على حساب انتمائه الليكودي.
العامل المستجد الاضافي، الذي يميز الانتخابات المقبلة عما سبقها، توالي المؤشرات على تفكك البلوك اليميني الذي استطاع من خلاله نتنياهو أن يعطل مؤسستي الكنيست والحكومة، والمعطى الابرز في هذا الاتجاه تمثل باعلان رئيس تحالف "يمينا" نفتالي بينت بأنه لن يوصي باسم نتنياهو كرئيس للوزراء المقبل. تنبع أهمية هذا الموقف من كونه يشكل ركنا اساسيا في البلوك اليميني (المتشكِّل ايضا، إلى جانب الاحزاب الحريدية والليكود)، ولكونه ممثلا للصهيونية الدينية. وتنبع أهمية هذه المسألة من أن نتنياهو نجح بالاستناد إلى دعم البلوك اليميني في الاستمرار كرئيس حكومة انتقالية، وأن يفرض شروطه للبقاء رئيسا للحكومة لدى الاتفاق مع غانتس، الذي عاد وتفكك، وبذلك حافظ (نتنياهو) على منصبه كرئيس حكومة، وسيبقى بموجب القانون إلى حين تكليف اخر، ينجح في تشكيل حكومة بديلة.
المتغير الاضافي الذي يُميِّز الانتخابات المقبلة، أنها ستجري بعد بدء محاكمات نتنياهو في الاسبوع الثاني من شهر شباط/ فبراير المقبل. ويُشكِّل هذا الامر مصدر رهان خصوم نتنياهو على أمل أن يساهم ذلك في التأثير على توجهات الناخب الإسرائيلي.
مع أن أحداً لا يُحمِّل نتنياهو مسؤولية الازمتين الصحية والاقتصادية اللتين تعاني منهما "إسرائيل"، لكن هناك من يُحمِّله المسؤولية عن الادارة الفاشلة التي تسببت بتفاقم الخسائر الصحية والاقتصادية. وهو ما تكشفه الارقام، حيث دخلت "إسرائيل" في عملية اغلاق اقتصادي هو الثالث منذ شهر اذار/ مارس الماضي. والارقام الاقتصادية مرعبة في "إسرائيل" حول الانكماش والبطالة وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي الخام.
مع ذلك، لا تزال الساحة الإسرائيلية مفتوحة على المزيد من المتغيرات خلال أكثر من 70 يوما إلى موعد الانتخابات. ويراهن نتنياهو على النجاح في تلقيح أكبر عدد ممكن من الجمهور الإسرائيلي على أمل أن يتحول هذا الامر إلى ورقة مضادة في مواجهة خصومه الذين يركزون على نقاط ضعفه ومحاكمته بتهم الرشوة... فيما سيركز نتنياهو على الدور الانقاذي الذي قام به لانقاذ "إسرائيل" من خطر كورونا. وفي نفس السياق تندرج مساعيه لتوظيف عملية التطبيع في التجاذب الداخلي.